قالت عنه الكاتبة الفرنسية جورج صاند "انه شاعر الفلاحين والجنود والخارجين على القانون والحرفيين"، أما جورج لوكاش، الناقد المجري الكبير في القرن العشرين، فاستطرد بعد أن وافق على كلام جورج صاند قائلاً: "... كأي كاتب شعبي كبير، يهدف سكوت الى تصوير مجموع الحياة القومية أو العامة في تفاعلها المعقد بين ما هو فوق وما هو تحت. وينعكس طابعه الشعبي في أن "ما هو فوق" يُنظر اليه بصفته الأساس المادي والتفسير لما يحدث تحت". سكوت الذي يتحدث عنه هذان الكاتبان الكبيران على هذا النحو، هو السير والتر سكوت، الكاتب الاسكتلندي الذي يعتبر، في رأي الكثر، المؤسس الحقيقي للرواية التاريخية، كما تجلت في ما بعد، يتأرجح بين الواقعية والرومانسية في القرنين الفائتين. وجورج لوكاش يتبنى هذا الرأي الى درجة انه جعل أدب سكوت الأساس الذي بنى عليه كتابه الأشهر "الرواية التاريخية"، إذ يحلل بعمق علاقة الرواية التاريخية بالمجتمع الذي نكتب فيه، مؤكداً ان هذه الرواية تنتمي فكرياً الى زمن كتابتها لا الى الزمن الذي تروي أحداثه. وهو يطبق هذا في شكل خاص على أعمال السير والتر سكوت، معتبراً ان هذا الأخير يصور دائماً في رواياته "تحولات التاريخ الكبرى بصفتها تحولات الحياة الشعبية. وهو يبدأ دائماً بتبيان كيف تؤثر التغيرات التاريخية المهمة في الحياة اليومية، وتأثير التغيرات المادية والنفسية في الناس الذين تصدر عنهم مباشرة وبعنف، ردود فعل تجاهها، حتى من دون فهم أسبابها". ويؤكد لوكاش هنا ان سكوت "بالانطلاق فقط من هذا الأساس، يصور الحركات الايديولوجية والسياسية والأخلاقية التي تؤدي اليها هذه التغيرات بشكل حتمي". وعلى ذلك، يضيف لوكاش "فإن الطابع الشعبي لفن سكوت لا يكمن في تصوير خاص بالطبقات المضطهدة والمستقلة". ومن هنا كان من الطبيعي ان يهتم، مثلاً، أقطاب مدرسة "الحوليات" من المؤرخين الفرنسيين البارزين في القرن العشرين بأدب سكوت ويدرسوه، ليس طبعاً كوثائق أدبية، ولا حتى كوثائق تاريخية، بل كأعمال تنم عن تاريخ الذهنيات، وفي زمنين: الزمن الذي تعبر عنه والزمن الذي كتبت فيه ولقيت تجاوباً لدى القراء. هذا التجاوب كان كبيراً مع أعمال والتر سكوت، على أي حال، ومنذ بدء ظهور هذه الأعمال. صحيح ان القراء لم يتعاملوا معها، أولاً، إلا كمادة ترفيهية مسلية، لكن لعبة التراكم فعلت فعلها وتمكنت من أن تسهم في تشكيل الذهنيات، تماماً مثلما فعلت السينما في القرن العشرين. ولنذكر هنا ان أعمال سكوت ظهرت خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر، أي زمن ازدهار القراءة وانتشار الرومانسية، والتقلبات السياسية الكبرى التي رفعت طبقات واسقطت أخرى اثر انتصار الثورة الفرنسية. ويقيناً انه من بين أعمال والتر سكوت الكثيرة، تبرز رواية "ايفانهو" بصفتها الأكثر شعبية وانتشاراً، حتى وان لم تكن الأجود والأكثر تماسكاً من الناحية الأدبية. إذا كان سكوت حرص على ان يصور في معظم رواياته، الأزمات الكبرى للحياة التاريخية، فإن القوى الاجتماعية المتناحرة، في جنوحها الى تدمير بعضها بعضاً، تتصادم في كل مكان ما يهدد بجعل هذا التدمير المتبادل أمراً يحول دون اثارة تعاطف القراء مع أي منها، ومن هنا يبرز "دور البطل في روايات سكوت" بحسب ملاحظة ثاقبة للوكاش، حيث عبر تركيبة بطله، يتمكن هذا من أن يتأرجح بين المتصادمين داخلاً في علاقات انسانية، هي وحدها ما يسبغ على التاريخ طابعاً انسانياً يدفع القارئ الى اعتبار نفسه متورطاً، عاطفياً على الأقل. وينطبق هذا الكلام بخاصة على "ايفانهو". كتب سكوت "ايفانهو" في العام 1819، وكانت واحدة من أولى رواياته التي جعل احداثها انكليزية خالصة. صحيح ان مؤرخين كثراً أخذوا على سكوت كون الوقائع التاريخية التي يجعلها في خلفية العمل، والمحركة له، غير صحيحة تماماً، ولكن هذا لم يكن هو المهم بالنسبة إليه: المهم بالنسبة اليه كان ان يغرف من التاريخ ويعيد تفسيره، وربما يحرّف أحداثه بعض الشيء تاركاً المجال واسعاً أمام تحرك بطله، الذي هو في نهاية الأمر تحرك رومانسي - يتلاءم مع ذهنية قرار بدايات القرن التاسع عشر، لا مع ذهنيات أهل بداية الألفية الثانية، أي زمن الحروب الصليبية الذي تدور فيه أحداث الرواية. تتمحور الرواية حول شخصية ويلفريد ايفانهو، وهو ابن نبيل ساكسوني مغرم بتلميذة لأبيه، هي الليدي روفينا، المتحدرة من أسرة الملك الساكسوني الفريد. ووالد ايفانهو، سيدريك، يجعل من عودة العرش الى الساكسونيين في انكلترا همه الأساس. وهو يتوخى الوصول الى ذلك عبر تزويج روفينا من نبيل ساكسوني تجري في عروقه الدماء الملكية، ويدعى أثيلستان. وإذ يعلم الأب بالحب الواقع بين ابنه وروفينا يغضب، وينفي ابنه الذي يتوجه للمشاركة في الحروب الصليبية في فلسطين الى جانب ريتشارد قلب الأسد. وخلال غياب هذا الأخير عن عاصمة ملكه يحاول شقيقه الأمير جان الاستيلاء على العرش. وهو يسعى الى ذلك خصوصاً عبر مباريات فروسية يشارك فيها كبار النبلاء. في ذلك الحين يكون ايفانهو قد عاد من فلسطين، يصحبه الملك قلب الأسد متنكراً، ويشارك ايفانهو في المباريات ويتمكن من التغلب على الفرسان كافة. بعد ذلك يقوم الفرسان النورمان بحصار قصر توركيستون، ويتمكنون من أسر ايفانهو جريحاً، كما يأسرون سدريك وروفينا واثيلستان واليهودي المرابي اسحاق وابنته الطيبة ريبيكا. اثر ذلك يأتي روبن هود في رفقة الملك ريتشارد وجماعة من قطاع الطرق والنبلاء الساكسون ويشنون هجوماً على القصر الذي أسر فيه ايفانهو وأصحابه. ثم تحرق الساكسونية اولريخ القصر انتقاماً لمصرع ابيها، ملقية الفتنة بين النورمان. وتتتالى الأحداث بعد ذلك، حتى يتمكن ايفانهو من الانتصار ويتزوج محبوبته روفينا، فيما تترك ريبيكا انكلترا مع أبيها... على خلفية هذه الأحداث الحافلة بالمغامرات المسرحية والخبطات، بنى سكوت، إذاً، هذه الرواية، التي حرص على أن تكون الأحداث التاريخية الكبيرة مجرد اطار لها، فيما جعل الجوهر دراسة الطبائع الانسانية والمجتمعات، والتفاعل في ما بين هذه وتلك. ومن هنا أتت واقعية الرواية مغلفة بحس رومانسي لفت الكثر، وجعل من ايفانهو، على الدوام مصدر الهام لرسامين وموسيقيين. ومن المعروف ان فيكتور هوغو في "احدب نوتردام" والايطالي مانزوني في "الخطيبان" كانا من بين المتأثرين بايفانهو. اضافة إلى ان الكاتب ثاكري صاغ بعد عقود طويلة روايته "روفينا وريبيكا" تكملة - غير موفقة كثيراً - لايفانهو. ولد والتر سكوت في ادنبره العام 1771، وفيها تلقى دروسه الأولى والجامعية. وبدأ باكراً بدراسة الأشعار والحكايات الفروسية الفرنسية والايطالية. وهو بدأ حياته الأدبية بترجمة الكثير من الروايات والقصص الرومانسية، بما في ذلك رواية "غوش فون برليشنغن" لغوته، وبعد ذلك راح ينشر رواياته التي يصعب احصاؤها، وان كان من السهل التأكيد على ان "ايفانهو" تظل أشهرها الى جانب "سيدة البحيرة" و"روكبي" و"سيد الجزر" و"ويفرلي". وحين مات سكوت في العام 1832 كان بلغ من الشهرة ما جعله يعتبر المؤسس الأكبر لفن الرواية التاريخية.