حسن نجمي شاعر مغربي بأربعة دواوين هي: "لك الإمارة"، "أين الخزامى؟"، "سقط سهواً" و"الرياح البنيّة". وفي النثر له رواية "الحجاب"، وفي التاريخ له "الناس والسلطة"، إضافة الى حوارين مع معاصريه: المهدي المنجرة ومحمد عابد الجابري في لقاء في الرباط، قلت له ما القصيدة؟ فأجاب: "ربما كان هذا السؤال اصعب الاسئلة التي يمكن ان تطرح على شاعر على عكس ما يبدو الامر للوهلة الاولى. ذلك ان الامر يتعلق بالحديث عما يشبه النّفس. اذ القصيدة هي ممارسة للكتابة وللحياة في الآن نفسه. واذا وضعنا جانباً اشكال التعريف المدرسية، والتعريفات قصيرة الاعمار كما نعلم، فإن القصيدة تظل ممارسة وجودية بامتياز، بل انها بالنسبة الي على الاقل تمرين روحي احتفي فيه بالكلمات المضيئة، وألتقط الصور المنفلتة كما يتصيد الطفل الفراشات الملونة. عندما بدأت الكتابة لم اكن اطرح مثل هذه الاسئلة كما لو كنت حسمتها بيني وبين نفسي. لكن ومع تطور التجربة والوعي الشعري تصبح اسئلة البداية هي الاسئلة المركزية: ما القصيدة؟ ما النص؟ كيف نكتب؟ ماذا نقرأ؟ الخ". كيف ذهبت الى هذه القصيدة؟ ولماذا الكتابة؟ - ربما كنت ذهبت الى القصيدة صدفة، لكنني وبالتدريج احسست بقيمة وبأهمية ان اكون شاعراً. لا اعرف لماذا لكنني كنت كل سنة تقريباً أعد دفتراً جميلاً اسميه ديوان شعر او اطلق عليه اسماً من الاسماء وأعلم بنشره. ولم يكن ذلك الحلم يتحقق لأن الامر كان يتعلق بدهشة البدايات، بأحلام الطفولة الجميلة. والآن تغيرت الظروف، والشروط، والحاجة. وأصبحت الكتابة شيئاً آخر. اصبحت اشعر بأن الكتابة مسؤولية جمالية ومعرفية وربما اخلاقية ايضاً. اذاً الهدف من الكتابة، مرتبط بتحولات حياة الكاتب، فالنص ينبثق من الحياة وليس من اللغة؟ - انني اكتب بالأساس لأعبّر عن نفسي، وعن الرؤيا التي املكها تجاه العالم وخصوصاً شكل نظرتي الى الفضاءات المرئية التي ألاحقها، وأرصد ما تفيض به من صور، ومشاهد وشذرات وأفكار صغيرة. هنا أشعر بأنك تعبير عن تحول سري وصامت تشهده الكتابة الشعرية العربية في المغرب، هو تحول من بلاغة اللغة الى بلاغة الحياة؟ - احياناً اتساءل عن قيمة وضرورة مدخراتنا البلاغية القديمة في تشكيل متخيل شعري معين، والحال ان الواقع اليومي يمدنا بزخم لا نهائي من الصور التي تفوق في طابعها المدهش كل امكانات التخيل التي اضحت لدينا اليوم. اتساءل ايضاً عما نفعله بآلاف وربما بملايين الصور التي تجود بها الافلام، والمسرحيات والوصلات التلفزيونية، وعشرات المعارض التشكيلية التي نرتادها، فضلاً عما ينبثق يومياً من صور ومشاهد في الحياة. آباؤك الشعريون من هم؟ - لا اخفيك انني اضعت غير قليل من الوقت في تمثل بعض النماذج الشعرية المثقلة بالهم السياسي قبل ان افطن في لحظة تحول الى اهمية ان ادخل مختبراً شعرياً مختلفاً. ولعل مثنوي جلال الدين الرومي كان منعطفاً حاسماً قادني الى قصيدة الهايكو اليابانية ومنها الى تجربة جيليفيك. فامتلكت مذاك طاقة داخلية على الاقتضاب والتكثيف، طاقة حصّنت صوتي الشعري من كل انواع الزعيق، وفي الطريق اكتشفت وجوها، ودخلت في صداقات شعرية من بينها سعدي يوسف وترجماته. ثم قرأت ريتسوس في اللغة الفرنسية وكلّي حسرة اني لم اقرأه في لغته اليونانية. قرأت ايضاً فرنسيس بونج بشغف كبير، وتأثرت الى حد كبير بالبعد الفلسفي لتجربته الشعرية. وأنت تعرف جيداً ان بونج كان ظاهراتياً من دون ان ينتبه لذلك، وأنا احب هذا النموذج من العناق المحجوب بين الشعري والفلسفي، والذي لا يعلن عن نفسه الا حيياً وصامتاً. نحن لسنا جيلاً لقيطاً ولأبناء جيلي آباء شعريون كثر. وسيكون من قبيل الادعاد الزعم بأننا قد نشيد تجربة شعرية بلا جذور. اي التقنيات الكتابية تتوسل ولو ان كلمة تقنية مفارقة لعالم الابداع؟ - اعتقد ان الحال الشعرية عندما تولد لا بد لها من شكل تتنزل فيه. والشكل هوية من هويات النص الشعري، لذلك تستدعي كل حال شعرية شكلها الملائم، شكلها الخاص. وقد بدأت في نصوصي الاولى نوعاً من الكتابة التفعيلية قبل ان اهرب الى ملاذات قصيدة النثر. كيف يتحدد لديك المشهد الشعري المغربي؟ وكيف تجد القصيدة المغربية اليوم، وما هو تمايزها عن قصيدة الشرق التي تبدو مغرقة في اللغويات؟ - هناك تجربة شعرية مغربية تستند الى تراث مختلف ولها تجربة تاريخية وثقافية مغايرة، كما ان قصيدتنا تكتب في حال تحد داخلي كبير للنموذج الشعري المشرقي. واننا لا نكتب قصائدنا الا في حال خصام غير معلن مع النموذج الشعري المشرقي الذي لا يزال مستسلماً لمركزية مشرقية مريضة. هذا الصراع بين المشارقة والمغاربة كان قائماً منذ البدء، قرأت ابن بسام الشنتريني صاحب "الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة" فهو يقول منذ تسعة قرون الكلام نفسه الذي تقوله انت الآن. يعلي من شأن المغاربة في مقابل المشارقة فيكتب: نثر يقصد نثر المغاربة لو رآة البديع لنسي اسمه، او اجتلاه ابن هلال لولاّه حكمه. - تصور ان عدداً من اشقائنا في المشرق العربي ما زالوا يعتقدون ان ما نقوم به، وما ننجزه ليس الا من قبيل بضاعتنا ردت الينا، وهي الجملة الشهيرة التي خاطب بها المشارقة ذات يوم اخانا المتصوف محي الدين بن عربي. وعلى رغم ما انجزناه شعرياً، وفكرياً، ونقدياً هناك من لا يزال يعتقد ان المغرب العربي هو بلد فقهاء. ربما كانت لدينا مشكلاتنا الخاصة، لكن ينبغي الاعتراف بأن المركز الثقافي المشرقي قد انفجر، ولم نعد في المغرب محيطاً ثقافياً او ادبياً لأي كان.