تراقب الإدارة الأميركية مؤشرات تدفع بالعلاقات الأميركية - السورية نحو مزيد من الجفاء وغياب التنسيق في القضايا الاقليمية، واحياء مواضيع كانت سبباً في توتير الأجواء بين الطرفين. ويعتقد مراقبون بأن عدم تقدم واشنطن في خطوات ايجابية نحو دمشق، على رغم اقتناعها بوجوب تحسين العلاقات، مرده إلى الضغوط التي تتعرض لها من قبل اللوبي الإسرائيلي نتيجة مواقف سورية من إسرائيل ودعمها "حزب الله". لكن مصادر ديبلوماسية متابعة للعلاقات السورية - الأميركية أبلغت "الحياة" أن حكومة ارييل شارون، بخلاف ما هو سائد، عبرت لواشنطن عن رغبتها في إعادة المفاوضات مع دمشق... ولكن من دون شروط مسبقة. وأضافت ان إسرائيل والولايات المتحدة تتفهم موقف سورية التي لا تعتقد بأن العودة إلى طاولة المحادثات خطوة واقعية، في ظل الأوضاع الحالية في المناطق الفلسطينية. وكشفت المصادر أن إسرائيل ترى مصلحة في تعزيز العلاقات السورية - الأميركية، خصوصاً في ظل قيادة الرئيس الجديد بشار الأسد. وهذا ما أكده رئيس دائرة الدراسات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اموس غيلاد الذي زار واشنطن أخيراً. ذاهباً أبعد من ذلك بدعوته إلى عدم حصر العلاقات بين سورية والولايات المتحدة في اطاري عملية السلام وملف العقوبات على العراق. ونقل غيلاد اقتناع الاستخبارات بأن الرئيس الأسد لا يحظى بتأييد المؤسسات العسكرية والأمنية فقط، بل هو يسيطر عليها ويمسك بالأوضاع في البلاد عموماً. ولكن يبدو أن الجماعات اليهودية الأميركية لم تتبلغ بعد هذا التوجه الإسرائيلي وما زالت تواصل حملتها على سورية في المحافل الأميركية وفي الكونغرس المعادي لدمشق، مما يعوق إدارة الرئيس جورج بوش في انتهاج سياسة أكثر فعالية لتطبيع العلاقات مع دمشق. ويعترف مسؤولون أميركيون بضيق الهامش الذي يمكن في إطاره تطبيع العلاقات مع سورية، وذلك بسبب ادراجها في لائحة الدول المساندة للارهاب التي تضعها وزارة الخارجية الأميركية سنوياً، وتفرض حظراً على المساعدات الاقتصادية وقضايا أخرى تلزم الإدارة بمعارضة المساعدات لدمشق في المؤسسات والصناديق الدولية. ويسجل هؤلاء ملاحظات عدة ساهمت أخيراً في اضفاء نوع من البرودة في العلاقات، منها استمرار "تهريب" النفط العراقي عبر سورية، بل زيادة في هذا "التهريب". وفي هذا الإطار، أشارت المصادر إلى أن وزير الخارجية كولن باول اصيب بخيبة أمل نتيجة عدم التزام دمشق الوعد الذي قطعه الرئيس الأسد اثناء لقائهما قبل أشهر، وسجل خصوم باول اقتناعه بجدية سورية في وعدها بأنه "هفوة ديبلوماسية"! لذلك لم تشمل جولته الأخيرة في المنطقة زيارة لدمشق. ومما سبب قلقاً وانزعاجاً لواشنطن أيضاً سماح سورية ل"حزب الله" بتعزيز قدراته العسكرية عبر حدودها. وترى المصادر الديبلوماسية ان هذه المواقف تفسرها أوساط أميركية أنها تعبير عن عدم رغبة سورية في الانفتاح على واشنطن. وتشير إلى أن انزعاج باول من مواقف سورية من موضوع أنبوب النفط العراقي انعكس اثناء الاجتماع الذي عقده السفير السوري في واشنطن قبل أسابيع مع نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج، الصديق الشخصي لباول. فقد فند ارميتاج أثناء اللقاء الذي وصفه السفير السوري بأنه "لقاء تعارف" الانتقادات الأميركية لمواقف دمشق، خصوصاً من قضيتي العراق و"حزب الله". وعلى رغم هذه الأجواء غير المشجعة، تعتقد المصادر الأميركية بأن ثمة مجالاً لتعزيز العلاقات، وقد تحين الفرصة حين تنضم سورية إلى عضوية مجلس الأمن، الأمر الذي يضاعف الاتصالات الأميركية - السورية في كثير من القضايا الاقليمية والدولية. وترى وجود مؤشرات إلى أن الطرفين لا يرغبان في تدهور العلاقات، من ذلك مسارعة دمشق إلى توضيح ما حصل أثناء حادثة اطلاق نار على ديبلوماسي أميركي في الملحقية العسكرية الأميركية في سورية، معتبرة أن الحادث كان خطأ وهذا اعتذار بالطرق الديبلوماسية. وكذلك ان المكالمتين الهاتفيتين بين الرئيسين بوش والأسد حفلتا بالمجاملات وعبرتا عن رغبة الطرفين في تعزيز العلاقات. وقد وصف السفير الأميركي الجديد إلى سورية تيودور قطوف، في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، العلاقات مع سورية بأنها "معقدة جداً وفي معظم الأوقات صعبة". وأضاف: "هناك خلافات جدية في كثير من الأمور، وعلينا أن نكون حازمين فيها بينما نحاول أن نجد لها حلاً".