سجل النائب الدمشقي محمد مأمون الحمصي أمس سابقة في العمل السياسي والبرلماني في سورية، عندما أعلن اضراباً عن الطعام لمدة اسبوع بهدف "مقاومة حملة الضغوط والتشهير" التي يقول إنها تمارس عليه. استيقظ الحمصي 45 عاماً باكراً وأدى صلاة الفجر قبل ان يتوجه الى مكتبه في وسط دمشق ليبدأ في الساعة السابعة الاضراب في حضور عشرات من المواطنين وابنائه والعاملين معه. وكان جهز نفسه منذ ايام حيث رفع علم سورية على جانبي المكتب واشترى سريراً للنوم ومروحة هوائية لمكتبه الصغير، ثم طبع عشرات النسخ من بيان الاعتصام ولصق على واجهة المكتب نسخة كبيرة تضمنت عشرة مطالب منها "سيادة القانون وقدسية الدستور، والحد من حالات الطوارئ وإلغاء الاحكام العرفية، وملاحقة الفساد والهدر بكل أشكالهما، والحد من تدخلات الاجهزة الامنية في الحياة اليومية وان يقتصر عملها على الامور التي تخص أمن الوطن"، اضافة الى تشكيل لجنة برلمانية تهتم بحقوق الانسان وانهاء عمل "الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش" لأنها اصبحت "مصدر رعب وتصفية للحسابات" بين جهات عدة. وعلى رغم "الضغوط التي مورست من جهات عليا" والنصائح التي قدمت اليه من جانب الاطباء لإصابته بمرض السكري، مضى الحمصي 95 كلغ ب"الحمية السياسية" عن الطعام... وليس عن الكلام امام الصحافيين ونحو 40 نائباً وعشرات المواطنين الذين زاروه. ويقول ل"الحياة": "لن أوقف الاضراب قبل سبعة ايام إلاّ اذا مت او اخذت الى السجن ورفعت الحصانة عنّي". مستدركاً: "حتى لو سجنت سأواصل اضرابي". انتخب الحمصي في العام 1990 عندما تم توسيع البرلمان وسمح الرئيس الراحل حافظ الاسد بدخول 85 نائباً مستقلاً. وأعيد انتخابه في الدورين التشريعيين اللاحقين. ويروي: "كنت أول المنتقدين، وقد ذهبت في العام 1990 الى الميناء الساحلي لأحضر عينة من قمح فاسد استورد الى سورية لإطعامه الى المواطنين". كما انه كان اول من اشار الى دور أجهزة الأمن حيث اقترح في نهاية العام الماضي "دمج" الاجهزة الامنية في فرع واحد، وتحويل الابنية الشامخة الى "معاهد للمعلوماتية من أجل ان يتعلم هذا الجيل ويرتقي كما أراد الرئيس بشار الاسد". وخلال زيارة الاسد الى فرنسا في حزيران يونيو الماضي طلب الحمصي تشكيل لجنة تهتم بحقوق الانسان في البرلمان السوري. وأيد النائب المستقل رياض سيف عندما حول منتدى الحوار الوطني الى مضافة شعبية بعد اغلاق المنتديات في شباط فبراير الماضي. وكان في وداع الصحافي نزار نيوف قبل سفره الى باريس، وشارك اول من امس "لجان المجتمع المدني" الاعتصام امام مقر الاممالمتحدة قبل ان يقدم مداخلة تأييد لما قاله رئيس "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" رياض الترك مساء الاحد في "منتدى جمال الاتاسي للحوار الديموقراطي". وقال الحمصي: "عندما سمعت ما قاله الترك تحمست اكثر للمضي في الاعتصام". وكان وزير المال محمد خالد المهايني ابلغ الحمصي قبل ثلاثة ايام بضرورة دفعه نحو مليون دولار اميركي ضرائب استيراد معدات سيارات بين عامي 1992 و1995، ما شجعه على تنفيذ فكرة الاضراب علماً بأنه كان هدد بالاعتصام قبل سبعة شهور عندما تبلغ بوجوب سداده عشرة آلاف دولار ضرائب. ويعتقد الحمصي: "هذا وسيلة للضغط على النشطاء من النواب المستقلين"، مطالباً بالتزام "الحصانة الدستورية المكفولة للنواب، اذ تنص المادة 66 من الدستور بعدم جواز سؤال الاعضاء جزائيا او مدنيا بسبب الوقائع التي يوردونها او الآراء التي يبدونها او التصويت في الجلسات العلنية او السرية". ومصدر الاشكالية حول الحمصي ليس فقط طروحاته بل انه سعى منذ سنوات الى تشكيل شعبية حوله عبر التبرع الى نادي "الوحدة" الدمشقي بمبالغ تجاوزت نصف مليون دولار جمعها من خلال عمله وكيلاً لشركة "ساينغ يونغ". ويتحدث مسؤولون عن اسباب مالية تجارية فقط وعدم وجود اسباب سياسية، لكنه يعتقد: "ان الذين لا يرتاحون الى طروحاتي يطلقون اشاعات حولي. هم تأخروا في طرح الاتهامات بعد 15 سنة من العمل العام".