على رغم ان "الحال" بين العراقوالكويت تعبير أقرّه مجلس الأمن الدولي في سياق تعاطيه مع تداعيات حرب الخليج الثانية، قبل أن يصبح بنداً في جدول أعمال قمة عمان الأخيرة، فقد يجوز الاعتقاد بانتقال ظاهرة العداء المتبادل الى درجة من الشكوك إزاء عدم تكرار ما حدث في آب اغسطس 1990. وهذه "حال" نفسية وثقافية تبدو أقرب الى ترسيخ ثقافة النسيان منها الى "تسميك" جدار العداوة. فالمصطلحات كما المفاهيم تساعد في تكسير الحواجز، بل انها روافد أساسية في التغيير. ألم نكن نضع "اسرائيل" بين قوسين قبل الاندفاع نحو موائد المفاوضات؟ ألم نكن نطالب بإهدار دم القادة الاسرائيليين قبل أن يتحولوا الى نجوم في الإعلام العربي؟ ومع الفارق الجوهري في المواقف، فإن "الحال" بين العراقوالكويت بعد مرور أكثر من عقد على الغزو العراقي للكويت يبدو اختزالاً لمعادلة جديدة في طريقها الى التبلور. وكما أن العراق حقق بعض الاختراق الديبلوماسي في المحيط الخليجي، فإن الكويت أفادت من انفتاح متبادل على دول الضد. في حين أن تشددها حيال نظام الرئيس صدام حسين يتقاطع وانشغالها بالأوضاع المأسوية للشعب العراقي، وهو تطور محمود في إمكان العراقيين أن يبادلوه التحية بأجمل منها كما في التقاليد العربية. ومن غير المفهوم إضاعة أي فرصة تقيد لأم الجراح. بيد أن الخطاب الكويتي يبدو أقرب الى الواقعية والعقلانية في عرضه للحال مع العراق. كونه أقر القطيعة مع "عقيدة" تدمير كل ما هو عراقي. واكتفى بطلب الحصول على ضمانات لئلا تتكرر المأساة. ملامح التغيير في الخطاب الكويتي تحددت في إبداء القلق حيال تداعيات تعرض العراق لضربة أميركية، وفي تأكيد ان ما يهم الكويت هو أمنها واستقرارها. ومثل هذه المواقف يجب تقديرها إذ تصدر عن دولة عانت الغزو ومسحت بضعة شهور من خارطة الوجود. فواقع ان العراق موجود الى جوارها بقوة الطبيعة والتاريخ يفرض عليها التعايش، وكونها أقرب الى معاينة المأساة الانسانية في العراق يفرض عليها ان تتحول الى قاعدة للمساعدة في رفع المعاناة كما تلتزم باقي دول الجوار العراقي. لكن أفضل المساعي تلك التي تصدر عن الخصوم، وأفضل سياسة تلك التي تنبني على الجهر بالحقائق، ولا أحد في العالم العربي في إمكانه الآن ألا يجهر بمعاناة الشعب العراقي التي فاقت كل الحدود. مرة سأل القائد الفرنسي نابليون أحد مساعديه ان كان في وسعه ان يخبره بالموعد الذي سيخونه فيه، فكان الجواب: قبل ليلة واحدة. كذلك كان حال الكويت وبعض شقيقاتها قبل أكثر من عقد. لكن التزام اخلاق الفضيلة وحده يمنع مغامرات من هذا النوع. وليس أخطر في السياسة من النزوع الى التبرير، وهي حال لم يتخلص منها النظام العراقي الى الآن. لأن من لا يقتنع بغير رأيه يحكم مسبقاً على سلوكه بالفشل. لو تأتي المبادرة من الكويت هذه المرة، فإن ذلك سينقل الحال بين البلدين الى مستوى آخر، فالخطوة لا شك ستكون عملاقة وبعض الصدمات يحتاج الى علاج كهربائي صاعق، أقله أن المتلقي سيستفيق من الغفوة إن جاز التعبير. ففي خلاصة أي تحليل لن يكون ذلك إلا في خدمة المصالح العربية، فثمة مشاعر تتلاشى مع الزمن وثمة أجيال جديدة في العراقوالكويت على حد سواء يجب أن تنشأ على المحبة والصفاء وإعادة بناء الثقة، وليست مخاوف الكويتيين من أعمال ارهابية موجهة سوى العد العكسي لحال غير طبيعية. فبعض اليأس ينتج الارهاب، وما دامت الكويت صاحبة حق في ضمان أمنها واستقرارها، فلا شيء يحول دون أن تكون صاحبة مبادرة.