في الوقت الذي صعّد فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون وغلاة المتطرفين في حكومته تهديداتهم لقادة الفصائل الفلسطينية ومسؤولي السلطة الوطنية ووعيدهم لهم بمصير مماثل لمصير الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المناضل أبو علي مصطفى الذي طاله الغدر الإسرائيلي أول من أمس، تفاوتت تقويمات وتحليلات أبرز الصحافيين الإسرائيليين لعملية الاغتيال، وهل قرر شارون حقاً تصعيد التصفيات لتطال القادة "الضالعين في العمليات العسكرية العدائية" حسب تعبيره. ورفض شارون اعتبار عملية اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تصعيداً قد يقود إلى عمليات ثأر فلسطينية، وتساءل: "ماذا يمكن أن يحصل أكثر.. ان كل شيء مشتعل". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مكتب شارون أن اغتيال أبو علي مصطفى يدلل على تغيير في السياسة، فإسرائيل لن تكتفي بضرب المستوى العسكري، إنما ستطال القادة الذين يخططون للعمليات ضدها "وعندما يشتعل كل شيء يتحتم علينا معالجة بؤر الاشتعال وليس اطفاء الحرائق الصغيرة. عرفات أقام تحالفاً ارهابياً ويتوجب علينا القضاء على المسؤولين عن الارهاب". من ناحيته، قال وزير الأمن الداخلي عوزي لنداو إن الحكومة مطالبة بضرب المسؤولين الفلسطينيين عن الارهاب، على حد تعبيره "بغض النظر عن مناصبهم ومكانتهم". ودعا لنداو الحكومة إلى توسيع رقعة عملياتها العسكرية لتشمل المناطق الفلسطينية كافة، زاعماً أن وزراء "العمل" في الحكومة يحولون دون تصعيد الرد الإسرائيلي. ودعم الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساب قرار شارون اغتيال أبو علي مصطفى واقتحام بلدة بيت جالا، مدعياً أن إسرائيل تحلت بالصبر مدة طويلة، مضيفاً ان لا نية لدى الحكومة لاحتلال المدينة. ونفى كتساب أن تكون حكومة شارون قررت اغتيال القادة السياسيين الفلسطينيين، مضيفاً أن أبو علي مصطفى "لم يكن قيادياً يوماً، إنما وقف وراء عمليات ارهابية تمثلت بقتل ابرياء ولا يمكن تشبيهه مثلا بمحمود عباس أبو مازن". وباستثناء النواب العرب في الكنيست وقلة قليلة من نواب اليسار الصهيوني الذين دانوا عملية اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، رحب وزراء حكومة شارون وغالبية النواب في الكنيست بها، فيما ملأ وزير الخارجية شمعون بيريز فمه ماء ونقل عنه انتقاده للعملية وشعوره بالاحباط والغضب لعدم اطلاعه على قرار الاغتيال وحصره في شارون ووزير دفاعه بنيامين بن اليعيز، وان هذا المحور يلتف على "المطبخ السياسي - الأمني" وعلى بيريز الذي أعلن أيضاً معارضته لعملية اقتحام بيت جالا. ورأى الوزير العمالي افرايم سنيه أن تصفية أبو علي مصطفى لها ما يبررها اخلاقياً وعسكرياً، فيما اعتبرها الوزير صالح طريف عملية "متسرعة وغير مسبوقة من شأنها اشعال المنطقة كلها". وفي المقابل اعتبرها زعيم حركة "ميرتس" يوسي سريد تصعيداً خطيراً، وقال "إن شارون يطبخ حروبه على نار هادئة، وأن الطريق إلى الحرب مرصوفة بعمليات مبررة... وعندما سنكون في جهنم الحرب المقبلة، سنطل من هناك على فردوس الضالين". وتحت عنوان "ولّى عهد الحصانة التي تمتع بها كبار القادة الفلسطينيين"، نقلت صحيفة "معاريف" عن مصادر إسرائيلية رفيعة قولها إن اغتيال أبو علي مصطفى هو رسالة واضحة لكل القيادة الفلسطينية "تقول إن لا أحد يتمتع بعد بحصانة وكل من يثبت ضلوعه في عمليات عسكرية سيجد نفسه مستهدفاً". وزادت أن كبار رجالات السلطة الفلسطينية دخلوا قائمة المستهدفين وقرار تصفيتهم منوط باعتبارات تتعلق بالتنفيذ، و"رئيس الحكومة ووزير الدفاع أعطيا الضوء الأخضر لذلك". ونشرت الصحيفة مع الخبر صور سبعة من القادة الفلسطينيين المستهدفين بمن فيهم الشهيد أبو علي مصطفى. وتضمنت القائمة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ومحمود عباس أبو مازن وعبدالله شامي قائد "حركة الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية وقطاع غزة، والشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي ل"حركة المقاومة الإسلامية" حماس، وأحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي، ووزير الإعلام ياسر عبد ربه. من جهته، كتب المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" الوف بن ان الحكومة الإسرائيلية قررت عدم التعرض لحياة رجالات المستوى السياسي والمنتخبين الفلسطينيين "بمن فيهم اعضاء الحكومة الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي على رغم أن عدداً منهم متورط في الارهاب". ورأت الصحيفة ان الاغتيال سيحض مختلف الفصائل الفلسطينية على القيام بعمليات انتقامية ومحاولات اغتيال مسؤولين إسرائيليين كبار. وبعد أن صفق للعملية و"تصفية ارهابي كبير"، اعتبر المعلق العسكري في "يديعوت أحرونوت" اليكس فيشمان قرار شارون اغتيال أبو علي مصطفى غير ذكي، وإن كان محقاً. وكتب زميله ناحوم بارنياع، الذي يعتبر أكثر الصحافيين الإسرائيليين تأثيراً في الرأي العام أن لا حاجة لذرف الدموع على أبو علي مصطفى "ولا مكان في الوقت ذاته للابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجه رئيس الحكومة ارييل شارون في مزرعته، فعليه أن يعي أن اللعبة التي دخلها خطيرة جداً". وأضاف ان "إسرائيل لم تجتز خطاً أحمر فحسب، إنما تشكل عملية الاغتيال تحذيراً واضحاً يقول لحكومة إسرائيل إنه بعد عام من محاربة محبطة للارهاب، أخذت إسرائيل تقلّد الفلسطينيين بقيامها بعمليات انتقامية". وزاد "ان هذه العمليات واقتراح نائب وزير الأمن الداخلي عون عزرا بالقضاء على أقارب عائلة الاستشهاديين إنما تدلل على ذروة وحشية الجهاز السياسي الذي يئس من ايجاد أي حل للارهاب". وأنهى بالقول "إن شارون ينطلق في سياسته من الافتراض أن لا أمل في تهدئة الارهاب، وعليه يمكن استغلال الفوضى الحاصلة لقتل عدد من الأشرار في الطرف الثاني. إنه تصرف غريزي وإذا ما كانت لدى شارون استراتيجية، وأشكك في وجودها، فإنها تهدف إلى القضاء على قادة منظمة التحرير الفلسطينية، واحداً تلو الآخر وكأن أحداً لا يرى".