"النادي الأهلي"، الذي انتصر أخيراً في مباراة القرن العشرين على فريق ريال مدريد، وهو يعد من عتاة الفرق في العالم. ربما لا يعرف أحد تاريخه الذي هو جزء من تاريخ مصر. من يتصور أنه بدأ بثمانين عضواً. وأنه كان يضاء بالغاز. وأن كلمة الأهلي كانت تمثل تحدياً للمستعمر الإنكليزي. وأن نشاطه توقف في عامي 5619، 1719. وسافر المتطوعون منه إلى فلسطين سنة 1948. وتبرعوا بالدم في 1973. وأن لون فانلاته الحمراء مستمد من لون علم مصر العثماني زمن إنشاء النادي. هذه قراءة في كتاب عن تاريخ "النادي الأهلي" فيها الكثير من الحقائق المثيرة. مؤلف هذا الكتاب هو المحلل والكاتب الرياضي حسن المستكاوي. هو نجل نجيب المستكاوي أحد المؤسسين الأوائل لكتابة الرياضة في الصحافة المصرية. وهو صهر إبراهيم حجازي رئيس تحرير مجلة الأهرام الرياضي. وناشر الكتاب وصاحب فكرته هو المهندس إبراهيم المعلم. رئيس دار الشروق وفي الوقت نفسه، أحد قادة "النادي الأهلي" المنتخبين انتخاباً حراً. أي أنه كتاب خارج من رحم الحب والرغبة في الكتابة عن أمر تحبه كل الأطراف. وإن كان هذا الكتاب ليس الأول عند "النادي الأهلي" كما يقول إبراهيم المعلم. فقد صدر الكثير من الكتب عن مراحل مختلفة من عمر النادي، ولكن هذا الكتاب هو الأول الذي يعرض قصة هذا النادي كاملة، منذ أن كان مجرد فكرة في رأس المحامي عمر لطفي، صديق الزعيم مصطفى كامل في عام 1907. إلى أن أصبح أهم نادٍ رياضي في مصر، خصوصاً بعد النصر الذي حققه على نادي ريال مدريد أخيراً. يقول مؤلف الكتاب إنه عندما فوجئ بعدم وجود أي مراجع شاملة ومتكاملة عن "النادي الأهلي" أو عن الرياضة المصرية، قال له الكابتن صالح سليم، رئيس "النادي الأهلي" إن لديه مرجعاً مهماً عن "النادي الأهلي". وهو اجتماعات مجلس الإدارة المحفوظة في النادي منذ سنة 1907. ويعترف المؤلف، أن مواد الكتاب وكتابته استغرقت منه أربع سنوات. وتاريخ "النادي الأهلي" ليس تاريخاً للرياضة المصرية. ولكنه تاريخ للوطنية المصرية، ولذلك فإن قراءة تاريخ النادي هي قراءة لتاريخ مصر. وعن السنة التي شهدت تأسيس "النادي الأهلي" يقول إنّ كانت في مصر 32 جريدة تصدر باللغة العربية و 22 جريدة باللغات الأجنبية، الصحف العربية كانت أهمها: الأهرام، المقطم، المؤيد، الوطني. وعلى رغم أن القاهرة كانت تعتبر باريس الشرق فإن المرأة كانت تخاطب الرجل من وراء الحبرة والبرقع واليشمك. وكان كبار المطربين من الرجال هم الذين يحيون الحفلات وهم: يوسف المنيلاوي، عبد الحي حلمي، السيد الصفتي، ومحمد سليم، وإبراهيم القباني وداود حسني، وكان حي الأزبكية هو عاصمة الغناء والفرفشة. وفي تلك الأيام كان في مصر ثلاثة أحزاب رئيسة: في مقدمها الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل في تشرين الاول أكتوبر 1907. وحزب الأمة الذي تشكل من الأعيان المصريين. وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الذي ترأسه الشيخ علي يوسف. وكان عدد الأندية في مصر محدوداً. أقدمها كان نادي هوى بولاق السكة الحديد. وتأسس سنة 1903. ونادي النجمة الحمراء الذي أصبح نادي الموظفين. ثم الأوليمبي السكندري وتأسس عام 1905، ونادي الجزيرة الذي أسسه الإنكليز وناد في منطقة القناة للأجانب. في الثامن من كانون الاول ديسمبر عام 1905 تأسس نادي طلبة المدارس العليا، حين اجتمعت الجمعية العمومية في إحدى قاعات مدرسة الطب لانتخاب مجلس الإدارة. وبلغ عدد الحاضرين مئتي طالب. واختارت الجمعية العمومية عمر لطفي بك رئيساً للنادي، وكان أسسه الزعيم الوطني مصطفى كامل. وكان النادي سياسياً بالدرجة الأولى. وبعد عامين، في سنة 1907، ولدت فكرة تأسيس "النادي الأهلي" في ذهن عمر بك لطفي، الذي اكتشف أن الطلبة بحاجة إلى نادٍ رياضي يجمعهم لتمضية أوقات الفراغ وليمارسوا فيه الرياضة. طرح فكرته على عبد الخالق ثروت باشا، الذي تحمس لها. وهكذا اصبح "النادي الأهلي" أول ناد يؤسس من أجل المصريين ومن أجل أبناء الشعب المصري. وكان أول رئيس للنادي هو ميتشيل أنس الإنكليزي. وقد اختير حتى يستفيد النادي الجديد من نفوذه لدى سلطات الاحتلال لتسهيل عملية الحصول على الأرض المناسبة لبناء النادي من الحكومة. وقبل أن أطرح سؤالاً عن هذا الإنكليزي ودوره في "النادي الأهلي" أقرأ أن سعد زغلول الزعيم الوطني المعروف اختير رئيساً للجمعية العمومية للنادي. وهكذا كان سعد زغلول هو أول رئيس للنادي الأهلي وظلت علاقته بالنادي وطيدة حتى وفاته في 23/8/1927. كانت الاحتياجات المالية للنادي عند إنشائه هي: بناء البيت 1800 جنيه،انشاء ملعبين للتنس 240 جنيهاً، تصليح الأرض للعب الكرة 200 جنيه، المنقولات 200 جنيه، مبلغ احتياطي 120 جنيهاً، وكان مجموع المبالغ اللازمة 2560 جنيهاً. كانت مساحة قطعة الأرض التي خصصت للنادي في الجزيرة 4 أفدنة و8 قراريط و17 سهماً وكانت من أملاك الدولة حصل عليها المؤسسون بإيجار رمزي قدره قرش صاغ واحد سنوياً ولمدة عشر سنوات. ولد "النادي الأهلي" للألعاب الرياضية وولدت معه كرة القدم أيضاً. ففي العام 1909 أنشئ الملعب الرئيس، وكان موقعه في الجهة البحرية الغربية من الأرض. ولم يكن ملعباً بالمعنى الدقيق، وإنما مجرد "حوش" تنظم عليه المباريات بين الأعضاء من الطلبة، وبين فرق طلبة المدارس العليا. وكلمة حوش مسجلة في محاضر المجلس. وهكذا كانت لغة العصر. وكانت أرضية الملعب ترابية. لم تعرف النجيل الأخضر سوى بعد ذلك بسنوات في العشرينات. استمد الأهلي لون فانلاته قمصان الحمراء من لون علم مصر. وكان هو العلم العثماني في فترة حكم الخديوي عباس حلمي الثاني الذي يتوسطه الهلال وفي قلب الهلال نجمة. وكانت ألوان الفانلات حمراً مقلمة طولياً باللون الأبيض ثم تطورت إلى فانلات نصفها أحمر ونصفها أبيض. ثم إلى فانلات لونها أحمر بحروف بيض. وكان شعار النادي مزيناً بتاج الملك، وهو رمز الحكم في الطرف الأعلى، وفي الطرف الأسفل كتب اسم الأهلي. وفي الوسط النسر المحلق. هذا الطائر العملاق القوي الذي أخذ رمزاً للصحة وشعاراً للوثب والتحفز. وبعد قيام ثورة تموز يوليو 1952 وتغيير رمز الدولة من التاج إلى النسر. رفع الأهلي التاج عن شعاره واقتصر على النسر. وصمم شعار النادي في 3 تشرين الثاني نوفمبر 1917 وكان من تصميم شريف صبري بك عضو النادي. أما عن أصل اسم النادي، فكان ذا صبغة أسرية واجتماعية وصبغة وطنية. وكان ذلك مقصوداً حين كانت الكلمة الأصلية هي ناشيونال أي الوطن، وفتح النادي أبوابه أمام المصريين منذ افتتاحه. وكان مخصصاً لأبناء البلد أصلاً. وكان الاشتراك السنوي لموظفي الحكومة ثلاثة جنيهات يمكن دفعها على أقساط شهرية. أما الاشتراك العادي لغير موظفي الحكومة فكان خمسة جنيهات، بينما خُصّ طلبة المدارس العليا وخريجوها بمعاملة خاصة. كان اشتراك الطالب ستة قروش في الشهر. أما اشتراك الخريج فكان خمسة عشر قرشاً. وتقرر افتتاح النادي بدءاً من الأول من كانون الثاني يناير سنة 1909. وانضم إلى النادي في أول سنة 80 عضواً. وكان عدد الأعضاء يتزايد ببطء شديد قياساً بتعداد القاهرة في ذلك الوقت، وبفكرة إقبال المصريين على عضوية نادٍ رياضي مكانه بعيد عن قلب العاصمة ووصل عدد الأعضاء إلى 310 العام 1930 ثم هبط إلى 140 عضواً في العام التالي بسبب هدم كوبري جسر قصر النيل وسيلة الربط الوحيدة والسهلة بين ضفتي النيل. وكانت عضوية النادي مقصورة على الرجال ولم يسمح النادي سوى في سنة 1921 بعضوية السيدات من أقارب وأسر الأعضاء. بشرط عدم مزاولة نشاط رياضي. وكان السبب في هذا الدور الذي لعبته ثورة سنة 1919. وقد جرت محاولات عدة لإنشاء فرع مستقل للسيدات على أراضي النادي لتمارس فيه المرأة نشاطها الرياضي. لكن المحاولات باءت بالفشل، ثم سمح فقط للسيدات الأجنبيات بلعب التنس مع أقاربهن. وفي كانون الثاني 1922 خصص صباح يومين في الأسبوع لنشاط السيدات. ثم زيد إلى ثلاثة أيام هي السبت والاثنين والاربعاء. ولم يكن مسموحاً لأي رجل دخول الملاعب في الأيام المخصصة للنساء. بل منع الرجال من دخول النادي تماماً. ولم يقتصر دور النادي على الرياضة فقط. إذ كانت هناك حفلات فنية وثقافية تقام فيه وكان يحييها كبار النجوم مثل فرقة نجيب الريحاني وفرقة عبد الرحمن أفندي رشدي التي قدمت رواية: "عشرون يوماً في السجن". وكانت أم كلثوم نجمة حفلات "النادي الأهلي" في الأربعينات والخمسينات. وكان عائد حفلات أم كلثوم يتجاوز الألف جنيه في الخمسينات، وكانت هي تحصل على أجر قدره 500 جنيه. ونظراً لمكانة أم كلثوم كان الملك فاروق يحضر حفلات النادي. ومنحها الملك وسامه الشهير في إحدى حفلات النادي. وللنادي دور سياسي، ومنه خرجت إشعاعات الحركة الوطنية في مصر. وكان أعضاؤه يقودون التظاهرات ويشعلون الروح الوطنية في وسط الجماهير في ثورة 1919. والتفوا حول سعد زغلول رئيس النادي، وعندما تحركت الجيوش العربية إلى فلسطين في 1948، كان شباب النادي في طليعة المتطوعين الذين لبوا نداء الوطن وشاركوا في الحرب كفدائيين، وسقط منهم شهداء وجرحى. وعندما قامت ثورة 23 تموز 1952 ساند النادي الضباط الأحرار من دون تردد. وفي 17 كانون الثاني 1956 قبل الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة شرف "النادي الأهلي" تقديراً للدور الوطني الذي لعبه في مساندة الثورة وتدريب الفدائيين. وعندما لاحت بوادر حرب السويس والاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956 عقد مجلس إدارة النادي اجتماعاً طارئاً يوم الأربعاء الموافق 5 آب أغسطس، ومنع ممارسة النشاط الرياضي وفتح باب التطوع للعمل الفدائي أمام الأعضاء، وتحولت ملاعب النادي إلى مراكز لتدريب افراد المقاومة الشعبية، وسقط شهداء من أعضاء "النادي الأهلي" في مدينة بورسعيد. كما أقيمت مباراة مع الزمالك يوم 23 تشرين الثاني 1956 خصص إيرادها لمصلحة ضحايا العدوان وشهداء بورسعيد. وأيام حرب حزيران يونيو 1967 توقف النشاط الرياضي في الأهلي وكل الأندية المصرية، وبدأ الأهلي يوم 5 آب 1967 تدريب أعضائه عسكرياً، وخلال حرب تشرين الاول المجيدة، وعندما طلب النادي من أعضائه التبرع بالدم في بداية المعركة، تقدم ثمانية آلاف عضو في 24 ساعة. ولعب "النادي الأهلي" دوراً وطنياً لا يقل عن الدور الذي لعبه مع الأحداث الرياضية في مصر. إذ وقف في وجه الأجانب وقاد حملة تمصير الاتحادات الأهلية. صنعت شعبية "النادي الأهلي" كرة القدم. وكانت البداية في العشرينات من القرن العشرين. ثم جاء أعظم أجيال النادي التي تكونت من لاعبي الأربعينات والخمسينات، وكانت مصر عرفت كرة القدم مع بداية الاحتلال البريطاني سنة 1882 حين كان الشعب يشاهد الجنود الإنكليز يلعبون الكرة داخل ثكناتهم. إلا أن أول فريق مصري شبه رسمي أسسه محمد أفندي ناشد العام 1895، وأطلق عليه المصريون "فرقة ناشد"، ولعب هذا الفريق ضد فرق الجيش البريطاني وانتصر عليه. وهكذا أصبحت كرة القدم من مظاهر مقاومة الإنكليز وتحديهم. لكن التاريخ الحقيقي لكرة القدم في مصر بدأ حين دخلت اللعبة الأهلي العام 1909. ثم حين تأسس نادي الزمالك بعد عامين. وفي سنة 1911 كون "النادي الأهلي" أول فريق كرة قدم في تاريخه، من طلبة المدارس التي كانت عامرة بالموهوبين وتكوّن هذا الفريق من: حسين فوزي، إبراهيم عثمان، محمد بكري، سليمان فائق، حسن محمد، حسين حجازي، أحمد فؤاد، حسين منصور. كانت كرة القدم نواة للشعبية الطاغية التي فاز بها "النادي الأهلي"، خصوصاً أنه كان أول فريق مصري خاص يحقق الانتصارات المتتالية كان آخرها انتصاره على فريق ريال مدريد ليكسب كل يوم عدداً من الأنصار والمؤيدين. وشارك فريق النادي في عدد من المباريات الودية التقى مع فريق كلية بيروت في زيارته الى القاهرة العام 1913. * روائي مصري.