أصعب لحظة يمر بها الشاب او الشابة حين تحاصره الهموم والازمات، ويتلفت حوله بحثاً عن نقطة نور فلا يراها، ويبحث في دفتر ارقام الهواتف عله يجد رقماً لصديق يواسيه فلا يجد أحداً ليفتح له قلبه ويكشف له عن احاسيسه من دون حرج، ويشعر فجأة أنه في الدنيا من دون صديق حقيقي. علماء النفس يؤكدون أن "الفضفضة" نوع من الرياضة النفسية تزيح الهم الجاثم على القلب، وحين تتعذر تؤدي الى الكبت والاكتئاب واحياناً الانتحار. وهي منفعة نفسية متبادلة تحقق الراحة للطرف الاول وتساعد الطرف الثاني في اكتساب مزيد من الصبر. والمثل العامي المصري أوجز تلك الحقيقة النفسية في مقولة مأثورة من رأى هموم الناس هانت عليه همومه، هذا هو ملخص عمل جمعية "الصديق المقرب" في القاهرة. و"الصديق المقرب" احد فروع منظمة عالمية ومقرها لندن، وتحوي نحو 30 الف متطوع في جميع أنحاء العالم، ويفضفض لها الجميع بكل اللغات. هذه المنظمة بدأت بفكرة لقس يدعى تشاد فالو في العام 1954 في بريطانيا، إذ تأثر بحوادث الانتحار الكثيرة التي كان ضحاياها في الغالب من صغار السن، وكان يعتقد أن اولئك لو وجدوا من يستمع اليهم ويواسيهم، لما اقدموا على الانتحار ولتغلبوا على محنتهم. ولاقت الفكرة استحساناً هائلاً وانتشرت في انحاء بريطانيا، ومنها تم تصدير الفكرة الى دول اخرى. اما في مصر، فقد تأسس فرع للجمعية عام 1992 بواسطة الدكتورة ليليان هارينس التي جاءت إلى القاهرة مع زوجها الذي كان يعمل في السلك الديبلوماسي، وكان الغرض في البداية هو مساندة الاجانب المقيمين في مصر، والذين يعانون بعض المشكلات نظراً لوجودهم في مجتمع مختلف بعيداً من الأهل والاصدقاء. ثم بدأت الجمعية تصريحاً في استقبال المكالمات من المصريين. ويقول المتحدث باسم جمعية الصديق المقرب في القاهرة الدكتور رفيق بدير: العمل في الجمعية تطوعي، فالخدمة التي نقدمها مجانية ولدينا نحو 35 متطوعاً وقد يقل هذا العدد احياناً حيث قد لا تتفق ظروف المتطوع مع أداء الخدمة، ونحن نستقبل عدداً من المتطوعين، ونعقد لهم ست جلسات لتنمية قدراتهم على الاستماع، ونوضح لهم بعض المواقف التي يتعرضون لها على الهاتف. وتجدر الاشارة الى أن "اولئك المتطوعين ليسوا بالضرورة اختصاصيين في علم النفس لأن فلسفة عمل الجمعية تعتمد على اختيار اشخاص لديهم ملكة الاستماع، والرغبة في تخفيف العبء عن الآخرين". وتقدم الخدمة من خلال ثلاثة خطوط وتستقبل شهرياً نحو 800 مكالمة كما تقدم خدماتها من خلال البريد لابناء المحافظات، واحياناً تعقد مقابلات شخصية لمن لا يحب التحدث عن مشكلاته عبر الهاتف. وفي الاسابيع الاخيرة، انضمت خدمة الردود عبر البريد الالكتروني الى خدمات "الصديق المقرب". ويضيف بدير: نستقبل مكالمات من كل الاعمار بين 20-70 سنة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والطبقات مع تنوع المشكلات الخاصة بكل مرحلة عمرية، بدءاً من المشكلات الدراسية والعاطفية والعلاقات الاسرية وإلى الشعور بالوحدة. ويضيف: إلا أن غالبية المتصلين تنحصر في فئة ثقافية محددة، وذلك بسبب نوعية الدعاية التي تقوم بها الجمعية والتي لا تصل الى المجتمع ككل، ومع ذلك، نتعامل احياناً مع غير المتعلمين، والمتصل بطبيعة الحال ينتابه بعض التردد في بداية الامر، ولكن المتطوع لا بد من أن يساعده ويرفع عنه الحرج، ويمنحه الاحساس بالامان، ويؤكد سرية المعلومات التي سيدلي بها. ويؤكد بدير اهمية التواصل النفسي بين المتطوع والمتصل، وذلك يتوقف على خبرة الاول، ولذلك يُشترط في المتطوع ألا يقل عمره عن 20 عاماً حتى يتمتع بالنضج الكافي، وايضاً حتى لا يتأثر نفسياً بكم المشكلات التي يسمعها يومياً. ويشير بدير إلى ان 36 في المئة من المتصلين، وهي نسبة كبيرة، كانت فكرت في الانتحار قبل الاتصال بها او حاولت بالفعل، فنحاول تقديم الدعم المعنوي كي يتراجع الشخص عن قراره، ويصل الى بر الامان. وخدمة الاستماع التي تقدمها الجمعية ذات معايير محددة، فهي تضبط العلاقة بين المتصل والمستقبل، كما أنها لا تقدم الحلول او تصدر الاحكام. ومهمة متطوعي الجمعية تكمن في تشجيع المتحدث على ان يتحدث عن نفسه ومشاعره ويتخلص من الشحنة السلبية في داخله، وأن يصل تدريجاً الى الدرجة التي تسمح له بمساعدة نفسه. ويشير بدير إلى أن هناك حالات يحتاج فيها الشخص الى مساعدة اختصاصية، وليس مجرد من يستمع اليه. وفي تلك الحال نلجأ الى الاختصاصيين لمساعدتنا وارشادنا. وتستقبل الجمعية المكالمات الهاتفية لمدة اربع ساعات يومياً وهي فترة غير كافية، وهناك محاولة لزيادة عدد الساعات لتكون خدمة على مدار اليوم، وحتى تتمكن من الوصول الى القرى النائية والمسجونين والمرضى.