في حين ان قاعدة الرئيس جورج بوش هي في اليمين المسيحي الأميركي، فانه بعكس السيد المسيح، جاء الى الحكم في كانون الثاني يناير الماضي لينقض لا ليكمل، وهو وجد ان سلفه بيل كلينتون انغمس في النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي فقرر الابتعاد، ووجد ان سلفه اهمل المواجهة مع العراق فقرر اعطاءها اولوية ضمن اهتمامات ادارته في الشرق الأوسط كلينتون وقّع معاهدة كيوتو فانسحب منها بوش، إلا أنني ابقى مع الشرق الأوسط. جورج بوش الابن، او على وجه الدقة اركان ادارته صاغوا سياستين في الشرق الاوسط، احداهما للنزاع العربي مع اسرائيل، والثانية للعراق، وهم وجدوا بسرعة ان كلاً من هاتين السياستين فاشلة بذاتها، ثم انه لا يمكن عزلها عن السياسة الاخرى. وعاد وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية للشرق الاوسط، من المنطقة الشهر الماضي، وقال لأعضاء الكونغرس "ان محادثاتي مع قادة الخليج ركزت ... تقريباً كلياً على الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي"، فقد وجد ان العرب لا يريدون البحث في اي شيء آخر. الادارة الجديدة بدأت تعيد النظر في سياستها، او سياستيها، إن بزيادة العمل في النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، او بالإدراك انها لا تستطيع اقناع العرب بدعم سياسة ضد نظام صدام حسين، من دون ان تقدم لهم شيئاً على الصعيد الفلسطيني. غير ان اركان الادارة غير متفقين على سياسة واحدة من فلسطين او العراق، لذلك فالتغيير يجرى ببطء السلحفاة فيما آرييل شارون يرتكب الجرائم كل يوم على الأرض، ويزيد صعوبة الوصول الى حل من طريق المفاوضات في النهاية. ونعرف ان الرئيس مبارك ضاق ذرعاً بالتقصير الاميركي، او الاهمال، فيما المنطقة تحترق، وأرسل مستشاره الدكتور اسامة الباز الى واشنطن لمقابلة اركان الادارة والتحذير من خطر انفجار الوضع في المنطقة، ومن خطر استمرار التطرف الاسرائيلي على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وعلى وضع الدول المعتدلة. والموقف المصري هذا ليس بعيداً من الموقف السعودي او الأردني، فالعرب يشعرون بأن الابتعاد الأميركي يشجع شارون. شارون استقبل ديفيد ساترفيلد، مساعد بيريز، ودانيال كيرتزر، السفير الاميركي في تل ابيب، وهما طلبا منه اجراءات لتشجيع ياسر عرفات على مقاومة اعمال العنف، إلا انه ردد مهدداً باجتياح بيت جالا اذا اطلق رصاص على ضاحية غيلو. وقال شارون بصفاقة بعد ذلك ان المسؤولين الاميركيين لم ينصحاه مرة واحدة بعدم دخول بيت جالا. واتصل الرئيس بوش برئيس وزراء اسرائيل بعد ذلك بيومين وطلب منه الامتناع عن الاستفزاز، واتفق معه على ضرورة عدم تصعيد الوضع في المنطقة، بحسب رواية شون ماكورماك، الناطق بلسان مجلس الامن القومي الاميركي. إلا ان الرواية الاسرائيلية للمكالمة اختلفت. فمصادر رئاسة الوزراء الاسرائيلية قالت ان شارون اكد لبوش ان عمليات الاغتيال، وهي استفزاز خالص، ستستمر، وحكى له عن اكتشاف اسلحة في بيت الشرق والمكاتب الفلسطينية الاخرى، واحتلالها استفزاز يضاعف منه كذب شارون الذي رفض ديفيد بن غوريون يوماً ترقيته لأنه كاذب، وسأله "متى ستتوقف عن الكذب؟". السلاح الذي يُقتل به الفلسطيني اميركي، والمال اميركي، والفيتو اميركي، ومع ذلك فاسرائيل ترفض الطلبات الاميركية المتواضعة بوقاحة لأنها تدرك ان ادارة بوش لم تحسم امرها بعد، وأن سياستها في الشرق الاوسط قيد التعديل والتطوير، ولم تكتمل خطوطها الاساسية بعد. الرئيس بوش اكد ان السلام سينتصر على دعوات الحرب، وأن قادة المنطقة يدركون ان الحرب ليست خياراً مطروحاً، وربما كان هذا صحيحاً بالنسبة الى القادة العرب غير ان شارون يدفع المنطقة دفعاً نحو الحرب، وإذا لم تقع حرب فالسبب سيكون فشل سياسة شارون لإنجاح سياسة اميركية غير موجودة. شارون بدأ يدفع ثمن سياسته الفاشلة في اسرائيل، وهو جاء الى الحكم على اساس وعد واحد، هو ان يأتي للإسرائيليين بالأمن، فازداد الوضع الأمني سوءاً. وكان شارون نال تأييداً قياسياً من الناخبين، وهم بقوا الى جانبه بعد الانتخابات، غير ان آخر استفتاء اظهر انقشاع الغشاوة عن عيون الاسرائيليين. فقد اظهر ان 49 في المئة يعارضون سياسته، في مقابل 41 في المئة يؤيدونها، وأن الموافقة على اجراءاته الامنية هبطت الى 38 في المئة فقط بعد ان كانت 50 في المئة في الاستفتاء السابق. وسئل الاسرائيليون: هل ينجح شارون في وقف العنف؟ فقال 70 في المئة لا، و21 في المئة نعم. مع ان نتيجة الرد على السؤال نفسه قبل اسبوع فقط كانت 41 في المئة لا و43 في المئة نعم. الجزء الباقي من النسب السابقة كلها هو للناس الذين لا رأي لهم. وأزيد الى ما سبق استمرار سقوط الاقتصاد الاسرائيلي، الى درجة وقوع عراك في احدى لجان الكنيست، عندما بحثت في موضوع البطالة، وأقول ان شارون يخبط يميناً وشمالاً آملاً بتغيير الاوضاع قبل ان يطيحه الاسرائيليون، او تكتمل عناصر سياسة اميركية حقيقية في الشرق الاوسط. وفي هذا الوضع فجرائم الحكومة الاسرائيلية واستفزازها وتصعيدها ستستمر وتزيد.