} بعد ان تحدثت الحلقة الأولى عن أوصاف الجرائم والقواسم المشتركة ورأي أهل سعيد حنائي بها. تعرض الحلقة الثانية للشكوك التي يبديها الرأي العام المشهدي في الرواية الرسمية، ولوقائع أخرى على صلة بالحوادث. أعطى الخيال الشعبي لنفسه الحق في نسج روايته الخاصة للحوادث وأسبابها. واستعان ببعض التفاصيل الواردة في اعترافات المتهم. فيقول أحد عمال مدينة الحجر الرخام الواقعة بين المحلة التي يسكنها سعيد حنائي وجادة قوتشان الجديدة التي كان يصطاد ضحاياه على جوانبها، انه من سكان المحلة، وهو لا يعرف القاتل مباشرة. لكن الأقوال تدور على ان زوجة سعيد انساقت الى طريق الرذيلة بواسطة بعض صاحباتها اللاتي يفعلن ذلك. وانتهى الأمر الى اصابتها بمرض "الإكس" الإيدز. وانتقل المرض الى الزوج الذي اكتشفه بعد زيارة عادية للطبيب، وانتقل في ضوء ذلك الى الحجر الصحي. وكانت شرطة مشهد خصصت سجناً للمصابين بمرض الإيدز فهرب من المحجر. وحين أيقن ان المرض انتقل اليه من زوجته، وهو لم يسبق له ان عرف امرأة غيرها، تقدم بشكوى الى القضاء وطلب التحقيق معها وتطليقها. لكن شكواه لم تلق آذاناً صاغية فقرر ان ينتقم ممن كنَّ السبب في توريط زوجته. وأعلن قائد شرطة مقاطعة خراسان، اللواء اسكندر مؤمني، ما يعزز هذه الرواية. فقال ان القاتل او صائد نساء الشوارع يعاني مرضاً جنسياً. ويذهب سعيد، وهو عامل ميكانيك من جنسية غير ايرانية، يقيم في المحلة التي يقع فيها منزل القاتل، الى ان زوجة سعيد تعرضت لاعتداء، ولم يقتصر الأمر على محاولة اعتداء. ويزعم العامل ان الذين يعرفون سعيد يقولون انه كان على علاقة بأحد الاجهزة الأمنية او العسكرية، وانه طرد من الجهاز بسبب معاناته مشكلات نفسية وعصبية. ويؤكد الربط بين المتهم وأحد الاجهزة العسكرية المدعو احمد، وهو يعمل في التجارة، وله اصدقاء بين أفراد الشرطة والأمن. فينقل عن احد عناصر مجموعة الشرطة التي تتولى التحقيق مع المتهم ان حنائي كان من اعضاء جهاز "اللجان الثورية"، وهذه كانت من هيئات "حرس الثورة الاسلامية". وبعد حل اللجان، انضم الى "التعبئة الشعبية". وكان شقيق الفاعل، محسن حنائي، أعلن ان شقيقه من "المناضلين" الذين شاركوا في الحرب العراقية - الايرانية. وأكدت والدته الأمر، وقالت انها سمحت لأولادها الأربعة بالذهاب الى الجبهة والمشاركة في الدفاع عن ايران والثورة والاسلام. ويروى ان احد القادة قال للأشقاء الأربعة، حين انتبه الى انتسابهم الى أسرة واحدة "هل تعتقد عائلتكم اننا نوزع حلوى هنا حتى جئتم جميعاً؟" هذا وغيره يجعل من مخاوف المتخوفين من ألا يكون القاتل الحقيقي هو الشخص الذي قبض عليه، في محلها. فيخشى ان تتستر جماعة منظمة وراء حنائي. وقد تريد هذه تبليغ المجتمع المشهدي الديني رأياً ذا أبعاد سياسية يحمل الادارة الخاتمية المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاخلاقية في مشهد. وقد يكون هذا معنى كلام احد نواب المدينة، تاجر نيا. فهو قال ان الرواية الرسمية لدوافع القاتل، وقتله منفرداً غير مقنعة، ولا بد من توضيحات لبعض عناصر الملف، مثل أهداف القاتل. وسيطر على كلام معظم الشباب من بينهم فتاة واحدة الذين لبّوا دعوة "الحياة" الى جلسة مناقشة، دارت على الموضوع، نازع الى الشك في الرواية الرسمية، خصوصاً في نسبة أعمال القتل الى قاتل فرد. فأحد المناقشين، محمد، يحمّل الاعلام الرسمي ومراوغته في هذه القضية وفي غيرها من القضايا، المسؤولية عن تعاظم الشكوك في الرواية المعلنة. وعلى خلاف رأي محمد، تبدو الرواية الرسمية، في رأي علي، وهو مشارك آخر في المناقشة، معقولة ومقنعة. ويبني اقتناعه على ما قام به القاتل وليس على ما قاله فحسب. فأحوال مشهد الأخلاقية والاجتماعية، وأحوال سعيد حنائي الشخصية، مبرر كاف لأفعاله، على ما يقول علي، وهو من عائلة يعمل معيلها في البازار. وتعلّق الآنسة انزاوي، المشاركة في المناقشة، على زعم احد نواب المدينة آية الله عبائي خرساني، المسؤول عن فرع حزب جبهة المشاركة الاصلاحية في مقاطعة خراسان، ان التأخير في القبض على الجاني يعود الى ارتكابه جرائمه وحده، فتقول: "ان هذا الكلام مرفوض، فالضحايا كلهن من اصحاب السوابق، واعتقلن في اوقات سابقة، فكيف تمكن عامل بناء بسيط من التعرف إليهن، من دون ان يخطئ ولو مرة واحدة؟ وقيل ان الضحايا شوهدن آخر مرة وهن يصعدن الى شاحنات على الطريق خارج المدينة، ثم أُعلن العثور على جثثهن، فهل يعقل ان يعرف شخص عادي عن الضحايا ما عرفه سعيد حنائي؟". وهي تخلص من شكها الى ان "القاتل" لم يكن فرداً، وثمة من يتخفون خلفه، وهو كبش محرقة لآخرين. وتحدث علي حامد مقدم صراحة باسم "انصار حزب الله"، فاعتبر ان الفساد الاخلاقي تفشى في المجتمع، بينما صورة ايران في الخارج هي صورة دولة اسلامية دينية. ويستدعي التفشي هذا، في رأي المتكلم، رد فعل شعبياً، خصوصاً أن الأمور تخطت "الخطوط الحمر". و"رد الفعل قد ينفجر في اي مكان، وهذا ما حدث بالفعل". وسواء كان الفاعل فرداً او جماعة فإن هذا لا يهم حامد مقدم، اذا عرفت الدوافع الى العمل. ولن يحول دون تكرار مثل هذه الجرائم إلا عودة الدولة الى الأخذ ب"الأمر بالمعروف"، ومعالجتها الازمات الاقتصادية التي أدت الى تنامي الفقر، وقطعها الطريق على تفشي الفساد والدعارة. وينفي عبائي خرساني اطلاع القاتل على ملفات الضحايا. لكنه كان على معرفة بفسادهن الاخلاقي. اما تجنب القاتل الخطأ في الاختيار، فيردّه عبائي الى انه كان يسعى الى "تنظيف" محلته، ولا يستحيل عليه اثبات الساقطة من طريقة مشيها وتمايلها ونظراتها، "فهي دوماً تبحث عن زبون". ويرد حسين غزالي، وهو شغل سابقاً منصب قائد "حرس الثورة الاسلامية" في مقاطعة خراسان ثم تولى منصب مسؤول المخابرات في المقاطعة، على الظن في معرفة القاتل بملفات الضحايا جراء عمله في جهاز مخابرات، بالقول ان ليس ثمة دليل إلى ان القاتل كان على علاقة بالأجهزة الامنية. لكنه يسلّم بأن انتقاء ذوات السوابق من دون ان يكون للقاتل علم بملفاتهن يجعل الرأي العام لا يسلّم بما تقوله الشرطة والمراجع الرسمية. وهذا الجانب هو "من الاسئلة الاساسية في الملف الذي يشغل الرأي العام، ويجب ان تعطى ايضاحات شافية، فالأمر يبعث على الاعتقاد ان القاتل قدر على الوصول الى معلومات موثوقة". ولعل "اقتصار" القتل على القتل، من غير اعتداء جنسي على الضحايا، من القرائن على ان القاتل ليس فرداً عفيفاً وطاهر الذيل، على ما يقال في سعيد حنائي، بل هو جماعة تنهى عن المنكر على طريقتها الخاصة، على زعم محمد، احد المناقشين الذين جمعتهم "الحياة". وذهب تكهن اهالي مشهد عند تكاثر عدد الضحايا الى اتجاهات منها: 1- ان تكون اعمال القتل تصفيات تقوم بها شبكات تهريب المخدرات الكثيرة في مقاطعة خراسان المجاورة لأفغانستان. فعدد المهاجرين الأفغان في خراسان كبير، وتورطهم في اعمال التهريب ظاهر ومعروف. وكانت تكلفة المعارك اليومية بين شبكات التهريب والشرطة والجيش و"حرس الثورة" اكثر من 2500 قتيل، الى خسائر مادية تفوق سبعة بلايين دولار. ورجح الاحتمال كون معظم الضحايا من اللاتي لهن سوابق في الادمان. وربما خاف بعض زعماء شبكات التهريب افتضاح امره، بعد الاجراءات الاخيرة والتشدد في التعامل مع التهريب، فعمد الى التخلص من نساء يعملن في شبكته في تدبير وقائي. 2- ان تكون الجرائم من تدبير مجموعة منظمة اخذت على عاتقها "تطهير" المجتمع، وتوسلت بإلقاء الرعب بين الناس لعل ذلك يخفف من انتشار ظاهرة الفساد الاخلاقي العلنية. 3- ان تكون الجرائم صادرة عن غايات سياسية وترجمة لصراع التيارات الحزبية. ويربط من يرى هذا الرأي بينها وبين مسلسل الاغتيالات السياسية التي جرت قبل نحو ثلاث سنوات. وظهر في حينه ان بعض افراد جهاز المخابرات، برئاسة مساعد وزير الأمن في ذلك الوقت، كانوا وراءها. ويتخوّف كثيرون من ان تكون للمسألة أبعاد وأهداف تتجاوز الفساد الاخلاقي. فيشابه الهدف منها الهدف من الاغتيالات السياسية في مطلع عهد الرئيس خاتمي. وعزز احتمال الاخلال بالأمن، على ما يرى غزالي، الإعلان عن العثور على ضحيتين في طهران، تم قتلهما بالأسلوب نفسه. فانتقال اعمال القتل من مقاطعة الى اخرى قرينة على قصد عام لا يقتصر على الأمر الاخلاقي. ويردّ علي حامد مقدم انصار حزب الله على التلميح الذي يتناول المحافظين بالقول: "كل ظاهرة اجتماعية يمكن ربطها بالمسائل السياسية، ثقافية كانت ام اقتصادية، والحكومة هي بأيدي جماعات لا تولي الجوانب الاعتقادية والدينية الاهتمام، بخلاف الجماعة السابقة" رئاسة الشيخ رفسنجاني. "والحكومة تعمد الى القول ان معارضيها يقومون بهذا العمل، والمعارضون للدولة هم التيار المتديّن، وإذا قالوا ان هذا العمل من فعل المعارضين استفادت الحكومة منه، هكذا أفسّره من الناحية السياسية، وهذا النمط من التفكير يروّج له التيار الموالي للحكومة وتتولى الصحافة نقله الى الناس". ويربط امير محبيان، وهو من المنظرين البارزين في التيار المحافظ والمسؤول السياسي لصحيفة "رسالت" المحافظة، بين سعيد عسكر الذي حاول اغتيال سعيد حجاريان، مستشار الرئيس خاتمي ونائب رئيس مجلس بلدية طهران، وبين سعيد حنائي، ويذهب الى ان الأول كان يسعى الى تنظيف المجتمع من الفكر الفاسد، وأن الثاني يسعى الى تطهير المجتمع من الفاسدين. وهكذا يضع القضية كلها في اطار الصراع الصريح والمفتوح بين التيارات السياسية المتنافسة. ويضع سعيد حنائي في صف المدافعين عن القيم التي يرفعها المحافظون، ويدفع كل الشكوك عما يدور في الاوساط الشعبية والاصلاحية من تقدير لدلالة الحادثة. ويعزز ربط امير محبيان احتمال كون حنائي ينتمي الى "قوات التعبئة". وأدى التشكيك في ما آلت إليه القضية الى اعتبار اعترافات القاتل عاطلة وغير صحيحة. وقوّى هذه الشكوك عجز فرق الاستقصاء والبحث التي وضعت حواجز للتفتيش في محيط المنطقة التي كانت تُخطف فيها الضحايا وتلقى الجثث، عن مسك خيوط تقود الى القاتل. بل ان المجرم استمر في اعماله من دون خوف. فهو كان يعلم ان المنطقة تحت المراقبة. فهل كان على معرفة بأوقات اقامة الحواجز؟ على ما تبادر السؤال الى الاذهان. ومصدر هذه المعرفة انما هو الشرطة. هويات الضحايا وهوية المدينة... والطفل آكل النايلون! من هن النساء اللواتي كن ضحايا العنكبوت القاتل؟ تتفق جميع المصادر المطلعة على ملف القضية، وبناء على معلومات تصلها من مصادر رسمية، وكما أعلنت الشرطة أيضاًَ، ان هؤلاء النساء لا يملكن منازل ولا أهلاً يطالبون بهن. وقد قال عبائي خراساني في معرض الرد على هذا التساؤل: "ان أكثر هؤلاء النساء ليس لديهن أزواج، كأن يكن مطلقات أو أرامل، أو انفصلن عن عوائلهن، وقد استدرجن الى أعمال الرذيلة بسبب أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية". أما غزالي فيقول في معرض الحديث عن عدم وجود عوائل وأهل للضحايا: "ان المسؤولين يدعون ان الضحايا ليست لديهن أو لم تكن لديهن عوائل، أو على الأقل لم يفهموا أو يدركوا ما حدث، ولم يحدث أن أتى أحد أو شخص وقال ان هذه الجثة مثلاً هي لامرأة من عائلته. هذا ما يقوله المسؤولون، ونحن ليس لدينا اي اطلاع على غير هذه المعلومات، وحتى اننا في الصحيفة لم نتوصل الى معرفة أي عائلة من عوائل الضحايا ولم يحدث أن أتى أحد الينا وادعى ذلك". وعند سؤال أحد شباب المدينة عن الأمر وهل يعقل أن يولد اناس من دون أهل؟ قال "ان هذا الكلام موضع تساؤل كبير، على رغم انني قد أكون موافقاً على ما قام به القاتل، ولا أهتم لما جرى لتلك النساء لأنهن فاسدات ومفسدات، لكنني لا يمكن ان اتصور ان يكن من دون أهل، ولعل الأمر الذي منع أهالي الضحايا من تسلّم الجثث هو الحرج الاجتماعي الذي يسببه ان ابنتهم فاسدة ومدمنة مخدرات". في المقابل، تقول الناجية الوحيدة من القتل مجغان ان أهلها قد نفوها من المنزل عندما عرفوا انها تتعاطى المخدرات، وسلب اخوانها منها بطاقة الهوية ولم يعطوها إياها، وهي الآن تعيش وتتنقل من دونها. وفي كلام مختلف، يقول أحد القضاة الذين كلفوا التحقيق في ملف احدى الضحايا، انه ذهب الى منزل الضحية للاستفسار عن بعض الأمور المتعلقة بها، فوجد ان هذه العائلة تعيش في فقر مدقع، إلى حد انه كان لدى الضحية - والكلام نقلته صحيفة "خراسان" - شقيق طفل لا يتجاوز عمره السنتين، رآه القاضي يأكل كيساً من النايلون! ويبدو ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المدينة يلقي بثقله على مختلف أوجه الحياة الأخرى فيها. فيقول أحد الشباب المتخرجين حديثاً في الجامعة والذي أسس شركة صغيرة مع زملائه في مشهد انهم بصدد البحث عن سكرتيرة للمكتب ترضى بأن تقوم بأعمال الطباعة والرد على الهاتف وتحضير الشاي والضيافة، على ألا يتجاوز مرتبها الشهري 20 ألف تومان أي ما يقارب 25 دولاراً في الشهر. ولدى استفساره عن امكان العثور على مثل هذه الفتاة التي ترضى بذلك، قال: "قد يكون من غير السهل ذلك الآن، أما قبل سنوات عدة فكان ممكناً. قبل سنوات عدة كانت القناعة سائدة والرضى بالوضع المعيشي أمراً قائماً. فيما كان أصحاب الثروات يعيشون حياة مزدوجة فيراعون الوضع العام في العلن ويحاولون ان تكون حياتهم الخاصة محاطة بنوع من السرية، فلم يكن باستطاعة أحدهم ان يقيم حفلة صاخبة في منزله يدعو اليها صديقاته وأصدقاءه، ولكن في السنوات الأخيرة الماضية انفلتت كل الأمور من عقالها، ولم يعد الأغنياء والميسورون يكتفون بما يقومون به في منازلهم، بل نقلوا ضحيتهم الى الشارع. في حين ان الفقير لم يزدد الا فقراً وسعياً للحاق بهم. فقد فتحوا شهيته على التمثل بهم. وأمام هذه الحاجات المتولدة، لم يكن أمام هذه الطبقة الفقيرة لكي توفر مستلزمات هذا النمط من الحياة سوى حلول معينة تجد أرضية لها في المكان الذي يوجد فيه الفقر أي سرقة، دعارة، مخدرات، تهريب... وهذا ما حدث بالفعل، إذ تفشت هذه الظواهر في المجتمع الايراني عموماً من دون ان يكون لدى المعنيين أي تصور دقيق وعملي لها والوقوف بوجهها، فيكاد لا يمضي يوم إلا ويعلن فيه توقيف عصابة للسرقة تقوم بنشاط مختلف عن غيره. وأكبر دليل إلى ذلك ان ما من ايراني يستطيع ان يغادر سيارته للحظات إلا ويعمد الى وضع اقفال لها من الداخل للمقود، اضافة الى جهاز الانذار. تهريب المواد المخدرة يعتبر من الأساليب السهلة والخطرة في آن من أجل الحصول على المال. وكم من أناس خدعهم هذا الحلم وقضت عليهم عملية دهم. في المقابل اتسعت ظاهرة الإدمان في أوساط الجيل الشاب، وأصبح الفقير مجبراً على توفير ما يحتاج اليه بشتى الطرق والوسائل حتى وإن كانت السرقة أو القتل، كما حدث في احدى الجرائم التي أعلنت الصحافة انها واحدة من ضحايا القاتل العنكبوتي، ولكن تبين لاحقاً انها لم تكن من فعله وان السبب فيها الحصول على بعض المخدرات. الدعارة هي أيضاً أحد وجوه هذا النوع من الأزمات. فالكثير من اللواتي وقعن في الرذيلة كن مدفوعات وراء سد حاجاتهن الاقتصادية والهرب من الفقر، فكان بيع اللذة أسهل وسيلة. وأخذن يشكلن أسواقاً للأجساد المعروضة المتنقلة ما بين الأحياء والمارة في مناطق محددة من مدينة مشهد التي يكثر فيها الباحثون عن اللذة، غير ان هذه الظاهرة تزداد تأزماً إذا ترافقت مع المخدرات التي تأكل ما يجمعن من مال ليكون ذخيرة لهن ولعوائلهن. أما الأسعار فتختلف بين الواحدة والأخرى، إذ يبدأ السعر من وجبة طعام وآلاف عدة من التومانات التي لا تتعدى 4 - 5 دولارات، وهي البدلات التي كان يتقاضاها ضحايا القاتل، وهن يظهرن في أطراف المدينة على الطرق الخارجية. ولكن كلما اقتربت الى داخل المدينة، بعيداً من المرقد المقدس للإمام الرضا، نحو الجنوب والجنوب الشرقي منها، تبدأ الأسعار بالارتفاع. فتحسن النساء من شروطهن، ويصل السعر الى ما يقارب مئة دولار أو أكثر بقليل مع كامل الخدمات الممكنة من منزل الى هاتف نقال وغيره. وتلك الفتيات يشكلن ما بات يعرف في المدينة بظاهرة فتيات "الهاتف النقال"، إذ تتم المعاملة على الهاتف مما يوفر عليهن التفتيش عن زبائن على الطرق. وهناك من يسعى الى الاتصال بالزبائن واطلاعه على البضاعة الموجودة. ويقول الشاب صاحب الشركة: "كيف لي أن أجد فتاة بهذه المواصفات وتقبل بأن تتقاضى هذا المبلغ، في حين انها تسمع وترى ان احداهن تتقاضى في ليلة واحدة اضعاف هذا المبلغ من دون ان يعاقبها المجتمع أو يمنعها أحد"؟! الجرائم كما عكستها الصحف يعكس تناول الصحف الإيرانية والمعلّقين فيها قضية سعيد حنائي انقساماً دالاً على ما قام به من قتل النساء صاحبات السوابق القضائية. فإحدى الصحف الاصلاحية، "توروز"، توقفت ملياً امام قضية "الطعم الذي نجا من الموت"، وتساءلت: "اذا كانت الشرطة قد وضعت هؤلاء النساء في طريق القاتل وكمنت خلفهن بانتظار ان يخرج من مكمنه، لكنه كان يخرج في الساعات التي تسحب فيها كل الحواجز ونقاط التفتيش والمراقبة، ليفتش عن الضحية الجديدة. وهنا لا بد من طرح سؤال اساسي: كيف كان القاتل يعرف ساعات عمل الشرطة وإقامة الحواجز التي لم تكن لديها اي مهمة سوى القبض عليه"؟ وترجح الصحيفة ان السبب المحتمل هو ان تنسيقاً كان يحصل بين القاتل وبعض اطراف السلطة. في المقابل، لجأت صحيفة "صبح" الاسبوعية المحافظة الى التعاطي مع الموضوع من زاوية عرض بعض الآراء الفقهية في تطبيق حكم القصاص، فأوردت رأياً ل"صاحب الرياض" الذي يرى ان لا موجب لأي قصاص، لأن القاتل لم يرق دماء اي انسان بريء. اما رأي الإمام الخميني، كما تنقله الصحيفة، ففيه بعض التردد في الموضوع على ما جاء في كتاب "تحرير الوسيلة" الذي يضم الاحكام الفقهية، لكنه لا يعطي فتوى بالقصاص. وتضيف الصحيفة ان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستويات، والمستوى الأخير منها هو القتل الذي هو بحاجة الى اذن من الحاكم الشرعي، وطبعاً بين تطبيق الحد والنهي عن المنكر هناك اختلاف اساسي، وأن العمل الفردي في ظل حكومة اسلامية ومن دون اذن الحاكم الشرعي يعتبر هذا الأمر معصية. صحيفة "اميد جوان" الأمل الشاب الاصلاحية تساءلت هل ذاق اهالي محلة سكن سعيد حنائي الذين تظاهروا مدافعين عنه، الفساد؟ وهل الفساد المستشري في المجتمع سببه هؤلاء النساء اللواتي توجهن الى بيع اجسادهن من فرط الفقر؟ وأضافت الصحيفة ان وجه الشبه بين سعيد امامي المسؤول عن سلسلة اغتيالات المثقفين والسياسيين وسعيد عسكر المسؤول عن اغتيال سعيد حجاريان وسعيد حنائي القاتل العنكبوتي انهم تخيلوا ويتخيلون انهم انطلاقاً من عقيدتهم فقط يمكنهم سلب الآخرين ارواحهم.