تنهل الديبلوماسية السورية تألقها من منبع متجدد دوماً وأبداً، الأمر الذي يجعلها موضع إعجاب. ولا شك في ان لكل ديبلوماسية سماتها ومميزاتها المعبرة عن ذاتها وهويتها، وأنه كلما كانت تلك السمات والمميزات اصيلة، نابعة من عمق التاريخ وآخذة في الاعتبار الامتداد الجغرافي ومعبرة عن طموحات أو آمال الأمة، كلما كانت تلك الديبلوماسية اصيلة متألقة ومتجددة. ولعل أولى سمات الديبلوماسية السورية هي اصالتها وتعبيراتها المختلفة عن مصالح الأمة وانطلاقها من الثوابت الوطنية والقومية. والميزة الثانية التي امتازت بها الديبلوماسية السورية قدرتها على استيعاب المتغيرات الدولية والإقليمية، والتعامل معها بفاعلية لا بانفعالية. والديبلوماسية السورية موسومة بالحكمة ومعروفة بالرصانة ومشهورة بالصدق والجرأة كلما استدعت الضرورة، لا تستسيغ لغة المساومة على الحقوق او التنازل عنها او التراجع امام القوة المضادة، متمسكة دوماً بمبدأ اصيل من مبادئها الأساسية، يقوم على الإيمان القاطع بأن موازين القوة مهما بلغت لن تهزم موازين الحق، وأنها بتمسكها الدائم بميزان الحق قادرة على هزم ميزان القوة. تعود أصالة الديبلوماسية السورية بجوهرها القومي الى مطالع القرن العشرين حين التف احرار العرب حول سورية والتقوا في دمشق بوصفها قلب العروبة النابض، وقد استقت من خلال المعارك والمواجهات الوطنية والقومية على امتداد العقود التالية ما ساعدها على النمو، الى أن اكتمل نضجها مع قيام الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970. وكانت العناوين الأبرز في تلك المرحلة: السعي الى التضامن العربي وتعزيز العمل والتعاون العربي المشترك في المجالات كافة، حرب تشرين التحريرية، رفض التسويات المذلة مع إسرائيل، وقف الحرب الأهلية وإنجاز الوفاق الوطني في لبنان، الوقوف ضد أشكال الحروب والخلافات التي تبدد القوة العربية، بناء التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، العمل من اجل إحلال السلام العادل والشامل الذي يعيد الى العرب كامل أرضهم وحقوقهم المغتصبة تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة، الوقوف ضد كل اشكال الحصار التي فرضت على أي من الأقطار العربية، الحرص على تعزيز جبهة الأصدقاء في المجتمع الدولي، الحوار الندي مع القوى الدولية المعروفة بقربها أو تأييدها ودعمها لإسرائيل. واليوم بعد مرور عام على تسلم الدكتور بشار الأسد مقاليد الحكم تزداد الديبلوماسية السورية حيوية وديناميكية وفاعلية وحضوراً في الساحات العربية والدولية، الأمر الذي يؤشر الى ألق جديد. خلال عام واحد زار الرئيس بشار الأسد غالبية الدول العربية وكلاً من ايران وإسبانيا وفرنسا وألمانيا، وثمة دعوات موجهة من مزيد من الدول الشقيقة والصديقة. وخلال عام ايضاً استقبل في دمشق اعداداً كبيرة من القادة والمسؤولين العرب والأجانب في مقدمهم البابا يوحنا بولس الثاني. وهناك حرصه في كل زياراته على اصطحاب فاروق الشرع وزير الخارجية المسؤول المباشر عن تنفيذ توجيهاته في ما يخص الديبلوماسية السورية. * ديبلوماسي سوري.