أكثر من اربعمئة ما بين مقاتل وعسكري ومدفعي اضافة الى فرق موسيقية، والى أطباء وممرضين لاسعاف الجرحى، ورجال دين للصلاة على القتلى وعدد من زوجات المسؤولين العسكريين وأبنائهم، كانو جميعهم وعلى مدى يومين متتاليين في مدينة سرزانا الايطالية القديمة بكامل عدتهم وأمتعتهم، خاض فيها العسكر وما بين ازقتها وساحاتها وتحديداً ساحة البلدية وقلعة "كاستر وشيو" التاريخية وهما شهدتا اقتحامات وفلول جيوش وانتصارات وهزائم! معارك وجرحى، تحسبها حقيقية، لو لم تكن وردت في لوائح علقت على جدران المدينة، تتضمن المواقع والتوقيت التي ستدور فيه اعادة المعارك التي خاضها نابليون وجيشه طوال حياته ك"واترلو" و"مارينغو"... انهم هواة تمرسوا منذ سنوات على اعادة هذه المعارك وأجوائها بجدية لافتة تدفعك للاعتقاد بأنهم منظمون من حيث طريقة ادائهم ولباسهم وأسلحتهم، رجالاً ونساء. معجبون بنابليون حتى الموت ويخلدون اسمه ومعاركه كل عام في بلد، ضمن مؤسسة تعرف باسم "مؤسسة نابليون الاوروبية" او ENS، يترأسها جنرال الماني غير فرنسي يدعى غوتفريد ماريا فريهر فون بولاش عمل على تدريب مجموعات تعرف بالجيوش، أفرادها ينتمون الى فرنسا، وايطاليا والمانيا والنروج وبريطانيا والنمسا والدنمارك "وتشكسلوفاكيا" اما الازياء فصممها الفرنسي "كولمان" الملتصق اسمه بمتحف السلاح الفرنسي. في السنوات السابقة خاضت هذه الجيوش معارك نابليون في عدد من البلاد الاوروبية ومنها فرنسا ومالطا والمانيا، الخ... واختيرت "سرزانا" هذا العام، ليس فقط لأن اصول نابليون كما يقول الايطاليون مما يزعج الفرنسيين طبعاً! تعود الى "سرزانا" التي قدمت اليها العائلة وسكتت في منزلين فيها لغاية منتصف العام 1500، لتهجرهما فيما بعد متوجهة الى اياشو IACCO وكورسيكا حيث ولد نابليون في الاخيرة. وبيع المنزلان لأنهما من الاملاك الخاصة الى كثير من العائلات الايطالية فيما بعد، وسكن احدهما واحد من البابوات الايطاليين. اما اليوم فتسكنهما عائلتان عاديتان... اذاً لم تختر "سرزانا" بسبب الاصول هذه وانما كما هو معروف كانت هناك جمهورية ايطالية تعرف باسم جمهورية ليغوريا حينذاك في الشمال الايطالي 1798-1804، وكان يديرها الايطاليون بمساعدة الفرنسيين، ثم حكمها الفرنسيون نابليون وجيشه تحديداً ما بين 1805 و1814، وخاض الفرنسيون في ربيع العام 1841 معارك على طول نهر "ماغرا" حيث مخيمهم الممتد في ليغوريا وضمنه تقع سرزانا، وبفعل عامل الطقس الرديء حيث فاض النهر خسر الفرنسيون المعركة التي دارت رحاها في هذه المنطقة مع الانكليز والنمسويين، الخ... ما حصل في المدينة خلال اليومين صالح لمشاهد سينمائية حقيقية، لما تميزت به اجواء هذه المعارك، حتى ان استراحة المحاربين كانت استراحة حقيقية تعود بالذهن الى تلك الحقبة، حيث ناموا في خيم حملوها معهم ونصبوها في ساحات القلعة. وعندما تناولوا طعامهم لم يتناولو في صحون وأكواب اليوم وانما لتلك، تلك الحقبة، مفترشين الارض كمقاتلين حقيقيين.