استأنفت الحكومة اليمنية أمس حوارها مع أحزاب المعارضة وممثلي منظمات المجتمع المدني لمناقشة الإطار العام لمشروع تعديل قانون الانتخابات المقترح من جانب الحكومة وتقويم التجارب الانتخابية اليمنية خلال السنوات العشر الماضية. وتم الاستماع في لقاء الأمس، الذي عقد في مقر رئاسة الوزراء في حضور رئيس الوزراء الدكتور عبدالقادر باجمال وقادة أحزاب المعارضة وممثليها، وعدد من منظمات المجتمع المدني، إلى وجهة النظر المقابلة للمشروع الذي قدمته الحكومة. قدمت المعارضة اليمنية آراءها في قانون الانتخابات ومطالبها في ست صفحات مكتوبة تضمنت تقويماً مركزاً للدورات الانتخابية التي جرت في الأعوام 1993 و9719 و9919، وآخرها الانتخابات المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في شباط فبراير الماضي. ولفت تقويم المعارضة إلى تراجع ملحوظ في التعديلات المتكررة التي ادخلت على قانون الانتخابات والفوارق التي برزت بين اللجان العليا للانتخابات في الدورات الأربع لجهة ضعف التوازن السياسي داخل صفوفها وافتقادها الحيادية والاستقلالية، فضلاً عن التجاوزات المتعمدة التي تمثلت بعدم التزام تطبيق قانون الانتخابات في عملية تسجيل الناخبين وتصحيح قوائم الناخبين وغيرها من الخروقات التي تكررت في الانتخابات المتتالية، وكادت تتراجع بالتجربة الديموقراطية إلى الوراء سنوات كثيرة بعدما كانت بداياتها الأولى أكثر ايجاباً وجدية عام 1993. وشددت ورقة المعارضة على مجموعة من المبادئ الأساسية والدستورية، أهمها المواد الدستورية التي تنص على الطبيعة الديموقراطية للنظام السياسي اليمني وخصوصيته في التعددية الحزبية والسياسية، وحق الشعب في ممارسة ذلك بصورة مباشرة عبر الانتخابات والاستفتاء، أو غير مباشرة عبر الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فضلاً عن تأكيد المادة 159 من الدستور على استقلالية اللجنة العليا للانتخابات وحيادها في أداء مهمة الإدارة والاشراف والرقابة على اجراء الانتخابات. وطالبت بوجود "هيئة وطنية" يتم تكوينها بالوفاق السياسي بين أطراف العملية السياسية اليمنية لتحقيق جملة من الضمانات التي تضمنتها وجهة نظر المعارضة، وأبرزها حيادية الأجهزة الرسمية والوظيفة العامة وعدم تسخيرها للحزب الحاكم، وحيادية المال العام والإعلام الرسمي واخضاعه للجنة وطنية، وحيادية القوات المسلحة والأمن وضمان عدم التدخل في سلطة القضاء. وأكدت على مبدأ سيادة القانون وتوفير المناخ السياسي الملائم لممارسة الديموقراطية من خلال معالجة آثار الصراعات السياسية، بما فيها آثار حرب الانفصال عام 1994، وتحقيق الوفاق الوطني الملائم لتطوير التجربة الديموقراطية في اليمن. وأفردت الورقة، التي وقعتها سبعة أحزاب معارضة يتصدرها للمرة الأولى التجمع اليمني للإصلاح، ومعه الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري، محوراً خصوصاً بجملة مطالب سياسية تعبر عن وجهة نظر الحزب الاشتراكي، باعتباره الحزب المتضرر من حرب عام 1994. ومن هذه المطالب إعادة الموظفين المجمدين والمبعدين من أعمالهم بسبب الحرب والصراعات السياسية إلى وظائفهم في المجالين المدني والعسكري وصرف مستحقاتهم وحقوقهم وانهاء المضايقات والحظر القائم على مقرات أحزاب المعارضة وممتلكاتها وأنشطتها، وفي مقدمها الحزب الاشتراكي، ووضع حد لما وصفته الورقة ب"ممارسة العزل السياسي ودعوات الكراهية الوطنية ضد أحزاب المعارضة"، كما طالبت المعارضة بتعويض المواطنين الذين تضرروا في الحرب ومن جراء الصراعات السياسية، ووقف حملات التخويف والتكفير والتهديد التي توجه ضد أحزاب المعارضة، والكف عن افساد الحياة السياسية، ووقف تدخل السلطات الحكومية في الشؤون الداخلية للأحزاب. كما أكدت المعارضة ضرورة عدم توظيف مركز رئيس الجمهورية ونشاطه في مصلحة حزب معين باعتباره رئيساً لليمنيين جميعاً. وبالنسبة إلى اصلاح النظام الانتخابي، طالبت المعارضة بالأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات العامة والاستفتاء عوضاً عن نظام الدائرة المغلقة، وفي حال تعذر تطبيق نظام القائمة النسبية، يؤخذ بنظام الدورتين الانتخابيتين في الدوائر التي لم يحصل المرشح فيها على أكثر من نسبة 50 في المئة من اجمالي أصوات الناخبين، شرط أن يكون عدد المقترعين الذين أدلوا بأصواتهم أكثر من 50 في المئة من اجمالي عدد الناخبين المسجلين. أما ما يتعلق باللجنة العليا للانتخابات التي تبقى مثار جدل كبير، فترى المعارضة أن يكون تشكيلها من ممثلين للأحزاب السياسية الفاعلة بالتساوي، بعدما ترشحهم أحزابهم، ويحصلوا على تزكية البرلمان ويصدر رئيس الدولة قراراً بتعيينهم، مع توسيع اللجنة إلى 9 أعضاء بدلاً من 7، ويتمتع أعضاء اللجنة العليا للانتخابات طوال فترة عملهم بالحماية إلا في حال الخيانة العظمى أو مخالفة الدستور والقانون بناء على حكم قضائي ونهائي. وشددت المعارضة على المطالبة بالاستقلال المالي للجنة العليا للانتخابات أسوة بمجلس النواب، كما طالبت بتعديل الموطن الانتخابي للناخبين وقصره على الموطن العائلي أو موطن الإقامة المعتادة، وتثبيت نظام الاقتراع بموجب البطاقة الانتخابية وعدم استبدالها ببطاقة الهوية الشخصية، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وفقاً للمعايير السكانية، وإعادة تحرير سجلات الناخبين وتنظيمها وتصحيح الأخطاء فيها. واعتبرت أحزاب المعارضة هذه المطالب حداً أدنى مطلوباً لإصلاح النظام الانتخابي في اليمن وتصحيح الاختلالات التي ظهرت في الانتخابات السابقة. واتفق على عقد لقاء آخر بين الحكومة والمعارضة السبت المقبل في مقر الحكومة لاستكمال النقاش.