عندما نشر الروائي الإسرائيلي عاموس كينان روايته "الطريق إلى عين حارود" قبل عشرين عاماً، وصفت بأنها رواية خيالية وكابوس يسيطر على عقل الكاتب، وأن إمكان حدوثها مستحيل لآن إسرائيل دولة ديموقراطية تمتلك كل الضوابط لمنع وصول العسكر إلى سدة الحكم كما يحدث في دول العالم الثالث. الرواية ترجمها إلى اللغة العربية انطوان شلحت، أحد مثقفي فلسطينيي ال 48، وقدم لها الشاعر المعروف سميح القاسم، ونشرتها مجلة "الكرمل" الفلسطينية في أوائل الثمانينات. الآن وبعد عشرين عاماًيتضح أن رؤية عاموس كينان لم تكن خيالية ومستحيلة التحقق إلى ذلك الحد. فما يجري على صعيد السلطة في إسرائيل يضعها على مشارف حكم الجنرالات بالفعل. والرواية تروي قصة إسرائيلي يفترض أنه الكاتب ومحاولته الصعبة المليئة بالعقبات للوصول إلى عين حارود، وهو المكان الوحيد الباقي والمحرر من حكم الجنرالات الذين يقومون بما يقوم به جنرالات العالم الثالث من إغلاق للصحف وتعطيل للبرلمان وعزل لاسرائيل عن العالم، فضلا عن منع التجول. والرجل الساعي إلى نقطة الضوء يدرك أنه لا يستطيع الوصول إليها إلا بمساعدة الفلسطيني محمود الذي يعرف مسالك الطرق ويصفه الكاتب بأنه يمشي كنسر على الأرض. هذه الرؤية تكشف بلا شك عن ادراك عاموس كينان المبكر أن الوصول إلى عين حارود، وهي البقعة النظيفة، المحررة، الإنسانية، وغير العنصرية، أي الوصول إلى الحل الديموقراطي الإنساني الشامل، لن يتحقق إلا بمساهمة الفلسطينيين كشركاء مساوين. والحقيقة أن دور الجنرالات في صياغة القرار الإسرائيلي كان دوراً ملحوظا وثابتا. لكن الآن ، ومع الانقلاب النوعي الذي جاء بشارون واليمين المتطرف إلى السلطة، فدورهم أصبح الحاسم. ونزعة القوة العسكرية لدى شارون وجنرالاتة التي يمارسونها ضد الفلسطينيين سوف تنتقل أوتوماتيكيا إلى داخل السلطة في إسرائيل نفسها. فشارون وزمرته لا يستطيعون أن يكونوا عنيفين إلى هذا الحد مع الشعب الفلسطيني ويظلوا ديموقراطيين مع الإسرائيليين ومؤسسات الحكم. وستزحف نزعة العنف بالتدريج إلى أن يضع شارون وجنرالاته ايديهم تماما على مفاصل السلطة، وربما تحويل إسرائيل إلى دولة عالمثالثية يحكمها الجنرالات كما في معظم دول آسيا وأميركا اللاتينية. لكن الغريب حقا أن قلة قلية من المثقفين الإسرائيليين تعي هذه الحقيقة. إذ يبدو أن الجميع الآن مصابون بنشوة القوة وبقدر كبير من خدر الغيبوبة.