الصياد والمارد عاش في قديم الزمان صياد سمك شديد الفقر. وفي احد الأيام رمى الصياد شبكته في البحر، ثم رفعها فوجدها ثقيلة جداً. سحب الصياد الشبكة بصعوبة الى البر ونظر الى داخلها، فوجد فيها اناء من النحاس الأصفر. نظر الصياد الى الاناء وقال: - إنه صيد ثمين. سآخذ هذا الإناء النحاسي الى السوق وأبيعه بمبلغ كبير من المال. ورغب الصياد ان يرى ما يوجد في داخل الإناء، فأخذ سكيناً وراح يعالج غطاءه حتى انفتح. ويا لهول ما حدث عندما انفتح الإناء! فقد تصاعد منه دخان كثيف. وسرعان ما تحول الدخان الى مارد جبار هائل الحجم فمه واسع كالمغارة، وأسنانه كبيرة كالحجارة. ذُعر الصياد، وحاول الهرب، لكن المارد هتف به بصوت كالرعد: - قف. لن تستطيع الهرب مني. فحيثما ذهبت سأقبض عليك. قال الصياد: - وماذا تريد مني أيها المارد؟ اذهب في سبيلك ودعني أذهب في سبيلي. قال المارد: - لا. لا... لن أدعك تذهب من هنا... قال الصياد: - وماذا تريد ان تفعل بي؟ قال المارد: - سأقتلك؟ عندما سمع الصياد ما قاله المارد صاح بدهشة: - تقتلني؟ ولماذا تقتلني؟ ألم احررك من الإناء الذي كنت محبوساً فيه؟ وهل يجوز ان تبادل احساني اليك بالشر والعدوان؟ قال المارد: - انني مصمم على قتلك... وسأكافئك بأن اسمح لك باختيار الميتة التي تشاء! فهيا... اخبرني بسرعة، كيف تحب ان تموت؟ قال الصياد شاكياً: - لماذا أيها المارد؟ لماذا تريد ان تقتلني؟ قال المارد: - اسمع ايها الصياد... لقد مكثت سنوات طويلة في هذا البحر... وكنت قد عاهدت نفسي على أنني سأكافئ كل من يخلصني بأن أحقق له الأمنية التي يشاء. فمرت سنوات لم يخلصني أحد... فعاهدت نفسي من جديد على ان من يخلصني سأحقق له أمنيتين اثنتين فلم يخلصني أحد... وفي المرة الثالثة عاهدت نفسي على ان اقتل من يخلصني بعد ان اطلب منه اختيار الميتة التي يشاء... ثم التفت المارد الى الصياد وقال: وها أنت ذا خلصتني ايها الصياد... فأي ميتة تحب ان تموت؟ عندما سمع الصياد كلام المارد تمتم بينه وبين نفسه: - هذا مارد شرير وعنيد... وإذا لم أجد حيلة تساعدني على التخلص منه، فسيقضي عليَّ في الحال. ثم التفت الصياد الى المارد وقال: - أيها المارد أريد ان أسألك سؤالاً قبل أن أموت، وأرجو ان تجيبني عنه جواباً صحيحاً. قال المارد: - قل ما عندك ولا تتأخر. قال الصياد: - أريد ان اعرف... هل كنت حقاً داخل هذا الاناء النحاسي؟ وهل يعقل ان يتسع إناء صغير مثل هذا الإناء لجسمٍ ضخمٍ مثل جسمك؟ قال المارد: - ألا تُصدق انني كنت في هذا الإناء؟ قال الصياد: - لا. لا أصدق حتى أراك فيه من جديد... قال المارد: - سأعطيك البرهان يا قليل الإيمان. قال المارد ذلك، ثم انتفض انتفاضة قوية وبدأ يتحول الى دخان، ثم راح الدخان يتجمع في الإناء شيئاً فشيئاً... وكان الصياد يراقب ذلك بفرح كبير، وعندما اضحى المارد داخل الإناء، تناول الصياد غطاء الإناء عن الأرض ثم أطبقه على المارد، وشدَّهُ شداً محكماً. ثم خاطب المارد بلهجة المنتصر: - أيها الظالم العنيد الناكر للجميل، انك لا تستحق ان تتحرر من سجنك هذا، فامكث فيه كما كنت من قبل، فأنت لا تستحق ان تعيش في مكان أوسع من هذا الإناء. قال المارد: - اسمع ايها الصياد... أنا لم أكن أريد بك سوءاً... قال الصياد: - أهناك سوءٌ أشد من القتل أيها المارد الخبيث؟ قال المارد: حسناً أيها الصياد... ما دمت لا تريد ان تخرجني من الإناء، فاتركني على هذا الشاطئ واذهب الى حيث كنت تريد الذهاب. قال الصياد: - لا. لن أدعك على الشاطئ... فقد يأتي الى هذا المكان انسان طيب مثلي فيجد الإناء ويفتحه كما فعلت أنا ويكون جزاؤه الموت... قال المارد: - وهل ستعيدني الى البحر؟... قال الصياد: - نعم... نعم... سأعيدك الى البحر حيث كنت وحيث تستحق ان تكون. ثم حمل الصياد الاناء النحاسي ورمى به في البحر. وغَرَس على رمال الشاطئ لوحة تحذر الصيادين من المارد الشرير. الناشر: دار المؤلف