بدلة الرقص ذات القطعتين والتي تنم غالباً عن ذوق مشكوك فيه ظلت هي السائدة فيها. هذه البدلة ليست بدلة الرقص الشرقي الأصيلة، بل هي من بدع هوليوود، ابتكرتها في سنوات العشرين من القرن الماضي، لتتلاءم مع استيهامات الغرب الذي كان يريد عبرها ان يزاوج بين سحر المرأة وجانبها اللعوب. ولقد اسرعت راقصات الكاباريه الشرقيات الى تبني هذه البدلة، وغالباً مع مبالغات وصلت الى حد الابتذال. الوقت المعطى للراقصة في علب الليل تغير جداً. وخلال وصلتها عليها ان تستجيب، ضمن الاطار الذي تفرضه علب الليل، الى ما يتوقعه الزبائن. واضافة الى هذا فإن واجب جذب الانتباه في شكل متزايد قد زاد من السمة الاغرائية للرقص، مما اعطى قيمة خاصة للمهارة التقنية على حساب الابداع والعفوية، ناهيك عن ان تأثير رقص الكاباريه على الموسيقى كان في غاية السلبية. وعلى رغم هذا كله نجحت بعض الراقصات العربيات الاستثنائيات من الانعتاق من عالم الكاباريه للتجديد في الرقص الشرقي. ولنذكر هنا على سبيل المثال اسماء بديعة مصابني، تحية كاريوكا وسامية جمال. واللافت ان التجديد الذي حققته هذه الفنانات تواكب مع بروز مصر كمركز لصناعة الاستعراض. اما سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي فشهدت فورة كبيرة في الرقص الشرقي وظهور راقصات كبيرات مثل نجوى فؤاد، منى السعيد وعزة شريف. وظلت مصر لفترة طويلة، مرجعاً اساسياً في ميدان الرقص الشرقي بفضل راقصاتها الشهيرات ولكنها الآن لم تعد المكان الوحيد الذي تنمو فيه ثقافة الرقص الشرقي، ومن هنا صار لزاماً علينا ان نتجه بفضولنا الى آفاق أخرى. من ناحية اخرى، وبالتناقض مع اتساع الحيز الجغرافي والبعد التاريخي اللذين يرتبطان بالرقص الشرقي، ينبغي علينا هنا ان نشكو من قلة الوثائق التاريخية والكتابات التي تتعلق به، ولا سيما في الادب العربي مع ان العالم العربي حافظ على الرقص نفسه من دون ان يواكب ذلك بالكتابة عنه. اما المستشرقون، فإنهم تركوا لنا شهادات ذات قيمة كبيرة. لكن شهاداتهم تظل منطلقة من "نظرة خارجية" لم يكن في وسعها، في معظم الوقت، ان تلم الا بالسمة الاستعراضية المشهدية للرقص الشرقي، من دون الوصول الى السمة الأخرى الاكثر حضوراً. الاستعراضات التي كان يشهدها المستشرقون غالباً ما كانت تفتعل من قبل الشرقيين انفسهم، لأنها معدة في الاصل لاستهلاك الاجانب التواقين الى الالتقاء بالصورة الاستيهامية التي حملها الرقص الشرقي على مدار تاريخه.