عندما وافقت المطربة فيروز على احياء حفلة غنائية مع الفنان زياد الرحباني في اطار "مهرجان بيت الدين" هذا العام حصل ما يشبه المفاجأة في أوساط الجمهور "الفيروزي". فهذا الجمهور الذي حرم طوال أعوام من اطلالتها الحيّة سيشاهدها هذه السنة أيضاً بعدما شاهدها العام الفائت وصفق لها وحياها طويلاً. ولعلّها المرة الأولى منذ العام 1975 توافق المطربة فيروز على ان تطلّ خلال عامين على التوالي وفي الاطار نفسه والصورة نفسها. فالنجاح الذي عرفته حفلتها السابقة دفعها الى تكرار التجربة من دون تردد. وتعتقد المطربة الكبيرة بانّ مثل هذه الاطلالة تصالحها مع جمهورها اللبناني أولاً ثم مع الأعلام الذي غدت على شبه قطيعة معه. وتعتقد فيروز أيضاً بان اطلالتها في مهرجان راقٍ مثل "مهرجان بيت الدين" يخفف من وطأة العزلة أو الانسحاب الذي اختارته في مرحلة تشهد الأغنية اللبنانية حالاً من الانهيار والانحطاط. فهي ترفض ان تطلّ في أي برنامج تلفزيوني، وترفض كذلك ان تصوّر أي شريط فيديو كليب، علاوة على رفضها اجراء الحوارات واللقاءات الصحافية. فالفنان، في رأيها، لا يمثّله إلا ابداعه الفني الذي سيبقى في النهاية. تُرى هل يكون لحفلة "بيت الدين" هذه السنة الوقع الجميل الذي كان لحفلة العام المتضي؟ ثم ماذا تخبئ فيروز وزياد من مفاجآت لجمهورهما المشترك هذا العام؟ يصر الاثنان ، كالعادة، على عدم اعلان البرنامج الجديد حتى اللحظة الأخيرة. فهما يؤثران ان يفاجئا الجمهور سواء بالأغنيات الجديدة أم بالألحان والعزف والتوزيع... ويوقّع الموسيقيون والمنشدون وسائر التقنيين الذين يشاركون في الحفلة تعهداً خطياً يقضي بعدم افشاء "البرنامج" قبل الحفلة الأولى. هذا "التكتم" عرفت فيروز به كثيراً، خصوصاً بعدما انفصلت عن المؤسسة الرحبانية وأصبحت تعمل وحيدة مع فريق صغير جداً من أصدقائها "الأوفياء". غير ان المفاجأة التي تخبئها فيروز وزياد تتمثل في ثلاث أغنيات جديدة تتفاوت بين الطرب "الحديث" وموسيقى الجاز ذات المناخ الشرقي. أولى هذه الأغنيات "خبّرني عن أخبارو" التي لا تخلو من الطرافة التي اعتاد الرحباني الابن ان يدرجها في اغنياته. أما الثانية فعنوانها "شو بخاف" وستؤدّيها فيروز برقة المرأة العاشقة التي تخاف الحب وما يحمل من مجهول. والأغنية الثالثة تحمل ملامح الغناء الجديد الذي انطلقت به فيروز سابقاً مع زياد في مغامرة جريئة ومختلفة عن "الماضي" كل الاختلاف. ومثلما وجّه زياد العام الماضي تحية الى المقاومة اللبنانية غداة تحرير الجنوب يوجّه هذه السنة تحية الى الانتفاضة الفلسطينية مستعيداً مقاطع من أغنية "الغضب الساطع آتٍ" في توزيع أوركسترالي جديد وأداء يصدح خلاله صوت فيروز بحماسة وعنفوان. وتؤدي فيروز أيضاً مقاطع من اغنية جبران خليل جبران "الأرض لكم" في السياق الوطني نفسه. أما الأغنيات الرحبانية القديمة التي اعاد زياد توزيعها أوركسترالياً وتؤدّيها فيروز انطلاقاً من احساس غنائي جديد فتمثل مراحل عدّة من "الريبرتوار" الفيروزي: لا أنت حبيبي، بعدك على بالي، البنت الشلبية، بعدو الحبايب وسواها... ولن يغفل زياد بعض اغنياته الفيروزية السابقة من مثل "خليك بالبيت" و"صباح ومسا"... ولا بعض اغنياته الأخرى ومنها "عايشي وحدا بلاك" جوزف صقر و"ولّعت كتير" سلمى مصفّي. وهذه الأغنيات سيؤديها الكورس في صيغة موسيقية وغنائية جديدة. ولعلّ اغنية "ولّعت كتير" ستكون الأكثر طرافة وسخرية إذ يتحدث فيها زياد عن الكهرباء المقطوعة و"الحشيشة البقاعية" وبعض الهموم اللبنانية الطارئة. وكالعادة أيضاً يستعين زياد بعدد من الموسيقيين الأجانب لترسيخ مشروعه الموسيقي الذي يدمج بين اللون الشرقي واللون الغربي في نسيج موسيقي جميل وحديث يجدّد عبره الألحان الرحبانية القديمة ويمنح الحانه الخاصة ملامح من الفخامة والشفافية. ولعلّ الحفلات التي تستهلها فيروز وزياد مساء اليوم الجمعة قد تختلف بعضها عن بعض ومن ليلة الى أخرى مثلما حصل العام الماضي. وهذا ما يضفي بعضاً من الغنى والتنوّع على الحفلات الثلاث اليوم وغدا وبعد غد.