الهوية والواقع موضوعان قد يُسلّم بهما وقد يثيران، في المقابل، جدلاً واسعاً، خصوصاً في أوساط المثقفين والمبدعين. فمحمود بن محمود المخرج السينمائي التونسي والمغترب في بلجيكا منذ سنوات، يرى أن هوية التونسي ضائعة وانتماءه إلى الحضارة العربية والاسلامية مشوّه، لذلك يحاول في أفلامه دائماً تسليط الضوء على قضايا ومشكلات تهمّ أبناء جلده بطرق باب الواقعية. في تونس التي جاء إليها ليواكب العرض الثاني لفيلمه "قوايل الرمان" التقته "الحياة"، وحاورته في مواضيع أفلامه السابقة ومنها "عبدو" و"شيشخان" خصوصاً، والسينما التونسية عموماً. يُلاحظ في أفلامك الوثائقية والروائية أنك مهتم بمسألة الهوية، وحريص على التأكيد أن الهوية التونسية ليست عربية فقط، بل هي فرنسية وإيطالية بالمقدار نفسه، كما يقولها فيلم "شيشخان". فهل تعتقد أن وجود مهاجرين إيطاليين في تونس يؤثر في هويتها؟ وفي المقابل هل يؤثر الوجود المغاربي في فرنسا في هويتها؟ - لا أعتقد أن الوجود الإيطالي يؤثر اليوم في الهوية التونسية. ربما حدث ذلك خلال الاستعمار، إذ كان للإيطاليين، وهم قلة، تأثير في المجتمع التونسي، فطوروا القطاعين الزراعي والمعماري والصناعات التقليدية... إلخ. وإلى هذا، أثر تعايشهم مع المسلمين والعرب عميقاً في نمط العيش وسلوك الناس، فتكرست بذلك الهوية المتوسطية لتونس. أما الآن فالتأثير الإيطالي يتمثل أساساً في الحضور التلفزيوني، ومن خلال اللغة والهجرة التونسية الاقتصادية إلى إيطاليا... وقد تغيرت المعطيات جذرياً. أما الجالية المغاربية في فرنسا فلا شكّ في أنّ لها تأثيراً في العقلية التونسية، لا كجالية في حد ذاتها، وإنما لأنها واصلت في شكل غير مباشر الحضور الفرنسي الذي كان موجوداً في إطار الاستعمار. نحن في تونس الآن مجتمع شبه مزدوج ثقافياً على الأقل، بين الهوية العربية والموروث الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً، وبحكم العولمة والمسافات التي اقتربت، فأصبح التعامل مع فرنسا وثقافتها يصل إلينا ويفرض وجوده على بلادنا بوسائل شبه طبيعية، يعتبرها البعض ضرباً من ضروب الاستعمار الجديد. لكن طبيعة العلاقات بين تونسوفرنسا تفرض وجوداً ثقافياً لا مفر منه. وخلاصة القول إن الهوية التونسية لا يزال يطغى عليها الطابع العربي والإسلامي في شكل رئيس، ولكن إلى جانب ذلك، هناك الحضور المتوسطي، ليؤثر كل ذلك في الطبيعة والذهنية التونسيين. أسفل السلم لكنك في فيلم "شيشخان" وضعت العروبة في أسفل السلم! - لأن أفلامي عموماً استفزازية. فنحن عانينا ولا نزال هيمنة الهوية العربية الإسلامية في تونس، على الأقل نظرياً من خلال الإعلام وأبواق الدعاية الرسمية. لكن حقيقة الأمر أنّ الناس غير معتزين بهذه الهوية. هذا واقع تونس! وقد حاولت قول الحقيقة. التونسي عموماً لا يعتز بأي هوية ولا يتذكر أنه عربي إلا بعد أن يقصف الأميركيون بغداد أو بيروت، أي في الأزمات، فتتحرك فيه هذه الغريزة. إذاً انتماؤه غريزي لا إيجابي، والحضور الحقيقي للثقافة والحضارة العربيتين في الواقع التونسي اضمحل واندثر تماماً. هناك رؤية سلبية إلى الانتماء إلى أي هوية، أياً تكن، وأعتقد أن التونسي تعوّد العيش في مناخ الهويات الممزوجة لئلا يقيّد نفسه بحتمية تحديد هوية واضحة، في حين يمارس الإعلام الرسمي وأبواق الدعاية، مفهوم اللاوعي وعبارة فرويد "سُلطة الأنا الأعلى". وبهذا المفهوم تعتبر الهوية العربية أمراً يتم تسليطه على التونسي، كأنه من باب القضاء والقدر. وبما أن للأفلام دوراً استفزازياً وتحررياً، على خلاف الاعلام، حاولت من خلال "شيشخان" و"قوايل الرمان" أن أطابق رؤيتي، كفنان، بالواقع مثلما أراه. قلت إن الواقع التونسي يرفض الهوية العربية والانتماء إليها، أنت إلى من تنتمي؟ - في قرارة نفسي إلى الحضارة العربية الإسلامية، وهذا أكيد لا نقاش فيه بحكم تربيتي وعائلتي التي كنت أول شخص فيها، منذ أوائل القرن الثامن عشر، يعمل خارج إطار تدريس اللغة العربية والفقه بعيداً من جامع الزيتونة. وعلى رغم كوني تركي الأصل، ترعرعت وسط الثقافة العربية الإسلامية التي كانت تؤدي دوراً إيجابياً في مناخنا وبيئتنا، ولم يكن الانتماء إلى الحضارة العربية سخطاً أو من الشدائد التي تنزل بالإنسان بل العكس. وفي منزل عائلتي مكتبة زاخرة بالكتب والمخطوطات العربية الإسلامية يعود تاريخها إلى قرون عدة، لذا يفاجأ الناس بتشكيكي في هذه الهوية. ألم يكن من الأجدى، بدلاً من أن تساير الواقع التونسي على مساوئه، بحسب كلامك، أن تفرض رؤيتك في الانتماء إلى الهوية العربية في أعمالك؟ - بحكم إقامتي في أوروبا، اعتدت نمط تفكير وسلوكاً يحاولان مواكبة الواقع أكثر من تصحيحه، وهذا من واجب السينما. وأعتقد أن من أولويات العرب اليوم الاعتراف بالواقع قبل فرض مبادئ أو نظريات قد تكون صحيحة، لكن الواقع ينفيها تماماً. يبدو أنك، كالأميركيين، تحبذ سياسة الأمر الواقع! - نحن في حاجة إلى المرور في مرحلة كهذه على الأقل. ومن جهتي فلي مجالات أخرى لإثبات الهوية العربية. فآخر فيلم أنتجته عن الترانيم الدينية وبثته قبل أيام قناة "آر تي" الفرنسية على أن يعرض باللغة العربية قريباً، يؤكد مدى معرفتي بالثقافة العربية الإسلامية وانتمائي إليها وإعجابي بها. ومن غرائب الأمور أن ينجز مخرج تونسي هذا الفيلم، لأن تونس، وعبر مخرجيها وفكرياً وثقافياً، لم تعد مؤهلة لإنجاز عمل كهذا. لغة متعددة في سياق طرح مسألة الهوية، نلاحظ أن لغة أفلامك متعددة، فكيف يمكن تقبل حوار فيلم "قوايل الرمان" الذي اختلطت اللغات فيه من دون ترجمتها إلى العربية؟ هل أنت غير معني بالمشاهد العربي مثلاً؟ - هذا الفيلم ترجم إلى الفرنسية لأن المشاهد المغاربي عموماً عندما لا يفهم اللهجة الأصلية يلجأ إلى الفرنسية، وليس هناك تقليد في تونس بترجمة الأفلام إلى العربية. وإلى ذلك، هناك مشكلة تسويق. فأنا المخرج التونسي الوحيد الذي قبل مبدأ دبلجة فيلم "شيشخان" إلى اللهجة المصرية، على رغم ردود الفعل العنيفة التي صدرت في تونس، خصوصاً من المخرج الثاني للفيلم الفاضل الجعايبي. ربما بسبب ذهنيتي الغربية أرى أن لا مجال للعاطفة أو للحسابات في هذا الشأن. فهناك سوق محتملة في مصر والشرق العربي لهذا الفيلم، خصوصاً في حضور جميل راتب فيه. لذا لا يجوز لي أن أمنع المنتج من توزيعه في الشرق باللهجة التي يفهمها أهله، على أساس أن تونس تريد فرض لهجتها على الشرق، كيف وهي غير قادرة على ذلك، ما دامت تنتج فيلمين فقط في السنة، ولا توزع في الشرق، لترسي على الأقل تقاليد جديدة في فهم اللهجة التونسية. لذلك قبلت مبدأ دبلجة الفيلم. ولكن، ولسوء الحظ، لم يوزع. ربما لأسباب ايديولوجية أو أخلاقية. فلما وجدنا حلاً لمشكلة اللغة بقيت مشكلة المضمون قائمة. تعودنا أن يهتم الفيلم التونسي خصوصاً والمغاربي عموماً بالعلاقة الخاصة بين الدول المغاربية ودول أوروبا المستعمرة سابقاً. فهل كان التمويل البلجيكي لفيلم "قوايل الرمان" وراء بعده الافريقي، علماً أنه أخذ في حسابه المشاركة الفرنسية في التمويل. نقول هذا على خلفية الحنين البلجيكي إلى المستعمرات الافريقية. - لا علاقة للتمويل باختيارات المؤلف. وكل الإعانات التي نتلقاها من الغرب هي من دون مقابل، أي ليس هناك مساومة على ما يتعلق بالمضامين. ربما عندما يقرأ هؤلاء الناس السيناريو يبدون اهتمامهم بموضوع أكثر من غيره، أو يرفضون الفكرة أو طريقة طرح الموضوع لأسباب تهمهم ولا يبوحون بها. في "قوايل الرمان" نظرة نقدية قاسية إلى المجتمع التونسي وإلى المؤسسات الرسمية حيث الديماغوجية والتضليل الإعلامي والفساد الإداري والاقتصادي. ولكن في الوقت نفسه يتم التطرق إلى البعدين الفرنسي والإفريقي برومانسية. فالمجتمع التونسي في الفيلم عنصري في تعامله مع الجنوب: افريقيا، وانتقامي مع الشمال: فرنسا التي ترمز إليها أم "صوفي" طليقة التونسي "وحيد حيدر" الذي خطف ابنته منها إلى داكار، وهو يطلق عليها نعوتاً بذيئة مثل "الساقطة". لماذا هذا الخطاب الموغل في مازوشيته؟ - أظن أنني أجبت جزئياً عن هذا السؤال سابقاً، وهو أن هوية التونسي ليست محددة نهائياً، ما يفسر الفصام في شخصيته وتعامله القاسي مع جنوبه وشماله. أما في ما يتعلق بالمؤسسات التونسية، فالفيلم يعطي فرصة لإلقاء نظرة على مجتمع تطور في شكل مخيف وخطير أواخر التسعينات، فطغت عليه المادة وانهارت فيه القيم وأصبحت ظاهرة الرشوة والفساد الإداري من الأمور العادية، وخاب ظن الأب العائد من الجنوب من قارة فقيرة ببلاده، وأجهض حلمه في المشروع الذي خطط له كي تندمج ابنته بمجتمع أجدادها. وكانت هذه العودة عبارة عن تجربة قام بها هذا الأب مع ابنته وأسفرت عن فشل أو انهزام، بينما تفرض الفتاة في نهاية الفيلم اختلافها مع هذا المجتمع. لا أعتقد أن صورة الفيلم متشائمة، لكنه يقول إن زمن الأب انتهى، بمعنى زمن الفرار والحلم بالقيم التقليدية، بينما ربما هناك زمن جديد سيفرض نفسه، وفيه تفرض الفتاة، التي تحلم برقعة داخل مجتمعها، هويتها الإفريقية للتعايش مع بقية الهويات. فالرمز الذي أردت إبرازه في الفيلم هو المناداة بالديموقراطية والدعوة إلى مجتمع يقبل التعددية ويرفض التشكيك في الهوية العربية التونسية، ليبرهن قدرته على التعايش، كمجتمع مدني حديث وديموقراطي قادر على الانفتاح. قضايا الساعة ينتظر المشاهد التونسي من سينما المؤلف أن تعالج قضايا الساعة غير التجارية من منظور وطني قومي، لكن السينما التونسية، على ما يرى البعض، ما فتئت تعزف على الأوتار التي تطرب الممول الأجنبي... فإلى متى؟ - هذا التحليل صحيح وأوافق عليه. السينما التونسية وصلت إلى حال هرب من الواقع والقضايا الحيوية. وفي حين أصبح التلفزيون الآن أقرب إلى اهتمامات الناس، من خلال مناقشة عدد من القضايا وفضح عدد من المشكلات الاجتماعية، لا تزال السينما تتحدث عن أشياء ربما لها صدى في الغرب. لا أقول إن الممول الغربي يفرضها، لكن هناك مخرجين يتوهمون أن تناول مواضيع معينة قد يسهل التمويل والتوزيع، علماً أن الموزع أو المنتج الغربي لن يرفض هذه اليد الممدودة. ومن هذه المواضيع قضية المرأة التونسية التي قلت إن طرحها خاطئ تماماً، حتى ان النظام التونسي مظلوم في شأنها، لأن الحقوق التي تتمتع بها المرأة لا تلقاها في أي فيلم تونسي، بل بالعكس هي مهضومة ومضطهدة، كما في فيلم "موسم الرجال" لمفيدة التلاتلي. وبما أن تونس غير قادرة على فرض خصوصياتها في هذا الميدان، من الطبيعي ألا تجد في الغرب من يقول إن هذا ظلم وغير صحيح، بل يؤكد أن حال المرأة العربية الإسلامية منكوبة ومؤسفة. شخصياً أحاول في أعمالي الاقتراب شيئاً فشيئاً من انتظارات الناس، من خلال ابواب فتحتها في "قوايل الرمان"، ونوافذ على الفساد الاجتماعي أو ظاهرة الرشوة، لأن الجمهور التونسي يؤمن بأن عدداً من المواضيع أخذ حظاً وافراً في الأعمال التونسية، كمثل الجنس أو الفضاء التقليدي أو الذاكرة أو الاستعمار، وينتظر الآن أن تخوض الأفلام معركة الواقع، إذ ليس من المعقول أن يخطو التلفزيون التونسي خطوات تتعدى السينما، هو الذي تسيطر عليه الدولة وتحكمه الرقابة. لدينا مشكلة. فهناك مساحة من الحرية للمبدعين - ولا أتحدث هنا عن الإعلام والنقابات والجامعات، بل عن المخرجين - مكنت النوري بوزيد من إنجاز "ريح السد" أو "صفائح من ذهب" ومحمد زرن من إنجاز "السيدة"، والجعايبي من تقديم عدد من المسرحيات، إلى جانب "قوايل الرمان" الذي تساءل الناس عن عدم منعه ومنحه جواز مرور. الملاحظ أن المخرجين في تونس لا يستغلون هذه الفضاءات الموجودة، بل ما زالوا يتساءلون عن جنس الملائكة، فيما يعول الناس على أفلام تخاطبهم بجرأة وصدق وواقعية. هناك إذاً أزمة خطيرة في هذا الميدان، وثمة مخرجون يعملون، من وراء أفلامهم، حسابات خاصة تعتمد الغرب ممولاً. في "قوايل الرمان" تأكيد أن العلاقات بين الرجل والمرأة التونسيين باتت مجردة من أي بعد رومانسي أو عاطفي، وانحصرت في البعد الغرائزي الذي يتم التعبير عنه بعبارات وحركات بذيئة. هل يعبر الفيلم عن رأي خاص بالمرأة التونسية، ترمز إليه المذيعة التلفزيونية؟ - بالعكس، الفيلم يعبر عن حال الرجل أكثر من المرأة، لأن الرجال في تونس منكوبون، ودورهم محجم، في ظل حضور النساء وسيطرتهن على الموقف في معظم الميادين. أما الأمور البذيئة في الفيلم فتعكس حال التعامل. هذه هي رؤيتي الشخصية ولم أجد من يعاكسني ويقول لي إنها غير صحيحة. هل راقبت الإقبال الجماهيري على فيلم "قوايل الرمان"؟ فعلى رغم دعاية وسائل الإعلام له، كان الإقبال باهتاً، إذ لم يتجاوز الحضور في قاعة وسط العاصمة في أحد العروض عشرة أشخاص. كيف تفسّر ذلك، وإلى أي جمهور تتوجه بأفلامك إذاً؟ - لا تنسى أن هذا هو التوزيع الثاني. فالعرض الأول استمر ثمانية أسابيع وجذب نحو مئة ألف متفرج. والعرض الراهن قررناه نزولاً عند رغبة البعض، لأن الفيلم تعرّض لمنافسة حادة من فيلم "الآخر" ليوسف شاهين، حين قدما معاً. ولأن ليس في تونس تقليد أو استعداد، من الجمهور، لاستهلاك فيلمين عربيين في وقت واحد، تضرر الفيلم خصوصاً أنه تناول مواضيع شائكة تهم المشاهد، وكان من المنتظر أن يجذب أكثر من مئتين وخمسين ألف مشاهد. ومقارنة بالأفلام التونسية الأخرى، يعتبر مردود "قوايل الرمان" مقبولاً، لكنه يبقى خجولاً. شاركت مع فاضل الجعايبي في إخراج فيلم "شيشخان". ماذا تقول عن تجربة مشتركة لمخرج سينمائي مع مخرج مسرحي؟ وكيف تنظر إلى أداء جليلة بكار أمام الكاميرا مقارنة بأدائها على خشبة المسرح؟ - كانت التجربة صعبة، في حد ذاتها، ليس لأن فاضل مخرج مسرحي، وإنما لطبيعة تجربة الإخراج المشترك. مارستها مرة، ولست مستعداً لتكرارها، لأن مسؤولية الاخراج فردية، وعلى المخرج أن يراهن، كل لحظة، على خيارات ومناهج ورؤى لا يمكن أن يشاطره فيها أحد. لذا أعتبر أن التجربة لم تكن ناجحة، على رغم الدور المهم الذي أداه الجعايبي في إدارة الممثلين والتعامل مع جليلة بكار وجميل راتب، وفرضت مشاركته نوعاً من المسرحة على العمل والسرد وحتى على جماليات الفيلم. أما جليلة فكان لها حضور مقنع دفع إدارة مهرجان "كان" إلى اختيار الفيلم للمشاركة في احدى تظاهراته. أنت في صدد تصوير فيلم بعنوان "هدى شعراوي". لنتحدث في اختصار عن أهم ملامح هذا العمل؟ - هدى شعراوي المناضلة النهضوية المصرية تربطها صلة قربى بجميل راتب، واكتشفت أعمالها وتراثها ونضالها وشخصيتها من خلاله. وقد راودتني فكرة وضع فيلم تسجيلي عنها خلال زيارتي مصر عندما ذهبت لدبلجة فيلم "شيشخان" واقتربت أكثر فأكثر من عائلة راتب. كتبت سيناريواً وثائقياً لسبب رئيس، هو حجم الأرشيف الضخم الذي خلفته شعراوي من خلال الصور والمعالم الأثرية كالمدارس والعيادات والمستشفيات وورش العمل التي بنتها وشاركت فيها، إضافة إلى أرشيف أفلام لرحلاتها إلى الغرب ولقائها أتاتورك وموسوليني. كل هذا شجعنا على الشروع في هذا الفيلم، إلا أننا لم نلق الصدى المنشود في البداية لدى قنوات التلفزة العربية والأجنبية، على رغم دعم فرنسا لكتابة السيناريو، فتركنا العمل جانباً. ولكن في المدة الأخيرة، حصل يوسف شاهين على موازنة مهمة من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ عشرين عملاً عن نساء عربيات مشهورات في ميادين عدة، فاختار شاهين مع شركة "مصر العالمية" عدداً منهن، بينهن هدى شعراوي. وبما أنه كان يعلم بمشروعي، دعاني واقترح عليّ تصوير الفيلم الذي سيبدأ في أيلول سبتمبر المقبل.