إذا كانت نوطة أوغاريت الموسيقية تعود الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وإذا كانت تتطابق مع اقدم لوحة موسيقية آكادية وجدت في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، فهذا دليل على عراقة التراث الموسيقي السوري، وبالتالي على وجود الآلات الموسيقية فيه منذ القديم، ومن جمع المعلومات يتبين ان الموسيقى الآكادية تشبه الموسيقى السورية، والموسيقى الاغريقية. ويمكن الاعتراف لمهرجان الأغنية السورية في حلب، وخصوصاً في دورته الثانية أنه أولى هذا الموضوع اهتماماً كبيراً عندما أقام معرض الآلات الموسيقية في سورية وأتبعه بمعارض أخرى في الدورات التالية إذ أكد ان التراث الموسيقي السوري يشكل ذخيرة كونية ذات أهمية بالغة. وجاء في تقديم المعرض: ان الرجوع الى التراث الأدبي القديم يكشف لنا استعمال الأبواق اسطورة فرخس وأوروبا الفينيقية والناي أسطورة عشتار وأدونيس والهارب اسطورة افليل والدف أسطورة منات وآلة اللير اسطورة هرمس بل ان نظرة سريعة الى المكتشفات الأثرية تبين غنى أنواع الآلات الموسيقية السورية في العصور التاريخية الأولى، فمن الآلات الايقاعية المجسدة في المنحوتات نجد الطبول والدفوف والصنوج ومن الآلات النفخية نجد: الناي ، والناي المزدوج البوق ومن الآلات الوترية: الهارب - الكنارة. من الآلات الموسيقية في العصر الجاهلي: المزهر - البربط - الدف - الجلاجل - الكاسات - الطنبور الميزاني. وفي الفترة الأموية عرف العود والدف والطبل والمزمار والناي المزدوج، وفي الفترة العباسية العود والرباب والشهرود والقانون والقويطرة والسنطور، ونجد على الخزفيات السورية في القرن الثاني والثالث والرابع عشر الكثير من الآلات الموسيقية منها آلة الهارب ونعرف في وقت لاحق من خلال كتب الرحالة الكثير من الآلات التي كانت مستعملة في القرون الثلاثة الماضية إذ تذكر الليدي ستانهوب القيثارة بأوتارها السبعة ويذكر لورتيه "الطبول والمزامير والعود والقانون والصنج" وينشر الرحالة "نيبور عام 1778" صورة لآلات موسيقية عربية مستعملة في حينه، وكانت مستعملة في سورية "كالعود والطنبور والدربكة وآلات نفخية كثيرة". وهكذا يتبين لنا ان تاريخ الآلات الموسيقية في سورية، تاريخ متواصل ويحتاج الى قدر كبير من الدراسة والبحث للوقوف على تفاصيلها الدقيقة... وإذا كانت آلات عدة انقرضت في سورية كآلة اللير والهارب والسنطور أو حصر استعمالها كآلة الطنبور الأصلية أو الناي المزدوج فإن سورية واكبت بدورها المستجدات الموسيقية فظهرت الآلات الجديدة... والمطلوب الآن كمهمة وطنية توثيق جميع الآلات الموسيقية التي عرفتها سورية، ومعرض الآلات الموسيقية هو جزء متواضع من تنفيذ هذه المهمة. ونستعرض هنا بعض هذه الآلات. العود ان آلة العود هي آلة عربية أصلية وان اختلف شكلها أو طول عنقها مع مر الأيام، لكن المبدأ واحد. ولعل أقدم التجسيدات التاريخية في شكلها الأولي انما تعود الى مصر. وأما عن أقدم تجسيد لآلة العود في شكلها المعاصر فإنما يعود الى القرن الثامن الميلادي في قصر الحير الغربي بسورية وجسد العود لاحقاً بكثرة في فنوننا كما في منمنمة للواسطي والتي تعود الى "القرن 13" وأخذ هذا العود دوراً كبيراً في الحياة الموسيقية في الأندلس ومنها انتقل الى أوروبا حيث نجد عربياً يدرب غربياً أو نجد لوحة غربية تعود الى القرن الرابع عشر مرسوم فيها عود. وقال لنا الباحث والناقد صلاح الدين محمد عن آلة العود: ان اختيار آلة العود لتكون محور معرض الآلات الموسيقية وكذلك محور الندوات أمر له دلالة بالغة، فآلة العود تعتبر عالمياً من أهم الآلات الموسيقية العربية ولا يختلف اثنان على انها "سلطان الآلات الموسيقية" وإذا كان هناك ثمة التباس في أصل العود ومصدره وأول من عرفه،. فإنما يرجع السبب في شكل رئيسي الى تقسيمات تاريخية موضوعة ولا تتفق مع الواقع إلا إذا اتفقنا مع أولئك الذين يحصرون الحضارة العربية بالفترة الإسلامية فقط، وهذا الأمر تفنده المكتشفات الأثرية والأبحاث المتعمقة في هذا المجال. وترجع الأصول الأولى لآلة العود الى ما قبل خمسة آلاف عام في كل من مصر وبلاد ما بين النهرين لا سيما العليا منها، وتطور شكل العود الى درجة كبيرة في العصور المتعاقبة الى ان أخذ شكله الحالي بأوتاره الخمسة الثنائية المجاميع والمكونة من "القصة والصدر والفرس والرقمة والرقبة والأنف والمفاتيح والريشة والأوتار، وأقرب شكل للعود المعاصر، وجد في قصر الحير الغربي في سورية على لوحة جدارية أثناء الفترة الأموية وهناك فترات متنوعة تتعلق بالأساطير المنسوجة حول آلة العود وكذلك الحكايا المرتبطة به وآراء الموسوعات العالمية فيه اضافة الى معلومات متفرقة تعكس مكانة هذه الآلة التي انتقلت الى مختلف انحاء العالم بصفته آلة موسيقية عربية. وأول وأهم من عزف وغنى على آلة العود في صدر الإسلام هو ابن سريج، وفي العصر الأموي سائب خائر وفي العصر العباسي اسحق الموصلي وابراهيم المهدي وزرياب. واختلفت مسميات العود بحسب المراحل التاريخية وبحسب المنشأ كالمزهر والبربط وحتى اللوت تلك الكلمة المحرفة عن العود والتي دخلت في مختلف لغات العالم. ويكفي ان نعرف ان آلة العود العربية هي الأصل لعدد من أشهر الآلات الموسيقية في العالم كالغيتار، تماماً حينما نذكر ان القانون هو أصل للبيانو والربابة أصل للكمان وفي كل ذلك ما يعكس أثر العرب في صناعة التراث والفنون الانسانية. احتل الناي المزدوج مساحة كبيرة من الحياة الموسيقية في الشرق العربي القديم سورية وبلاد الرافدين وفي الشرق انتقل الناي المزدوج الى أوروبا اليونانية، ونلاحظ أن العزف على هذه الآلة كان تجسيداً معاصراً لتلك الآلة، وفي القديم كان من يعزف على هذه الآلة يرتدي اللباس العربي. البوق الطويل لا نجد في الآثار القديمة أثراً للبوق الطويل في شكله المعاصر وتمثل المنمنمات العربية أقدم الوثائق التي تجسد هذه الآلة كما في منمنمتي الواسطي اللتين تعودان الى القرن الثالث عشر الميلادي لمنمنمة مشهورة في كتاب "عجائب المخلوقات" للقزويني، أو تلك التي في مخطوطة الجزري في القرن نفسه. ونقل الغرب عن العرب هذه الآلة الى بلدانهم كما نرى في المنمنمة الغربية التي تجسد الأمير أوتو ملك" في منطقة براندنبورغ وهو يلعب الشطرنج ومن مخطوطة أغاني مانيسة حوالى عام 1320 أو في منمنمة غربية أخرى مؤرخة، وانتشرت هذه الآلة في العالم الإسلامي وخارجه.