أتمنى لو كنتُ دموعكِ، لأنني كنت سأولدُ في عينيكِ، وأدرج على خديكِ، وأموتُ على شفتيكِ، أما لو كنتِ دموعي لما بكيت أبداً خشية ان أفقدكِ. الكلمات السابقة لم أكتبها في لحظة حب، وانما قرأتها على الانترنت، وأهديها للقارئ خضر طاهر من الولاياتالمتحدة الذي يريد مني دروساً في الحب. ولعل الدرس الأول والأخير هو ان يقول لها كلاماً جميلاً من نوع ما بدأت به، وهو مهما كذب أو بالغ، فسيجد انها تصدقه. وبعض الخلفية مفيد قبل ان نبدأ الدرس، فقد كتبت الشهر الماضي موضوعاً عن الحب، من وحي الأخبار، لا أي تجربة قديمة أو جديدة لي، فقد قرأنا جميعاً عن فاجعة قتل العائلة المالكة في نيبال بسبب غرام ولي العهد ديبندرا بالحسناء ديفياني رانا. ثم قرأنا عن انتحار الأميرة الايرانية ليلي بهلوي لغرامها بوطنها. وزدت انا ما سجلت من "حالات" غرام بين موظفي ادارة جورج بوش وموظفات الادارة. ونشرت "الحياة" هذا الشهر رسالة من القارئ خضر طاهر يطلب المزيد، توقفت منها عند سطرها الأول والقارئ يقول "كلام الأستاذ الخازن في هذا الموضوع له قيمته المعرفية فهو صادر عن شخص على اعتاب السبعين من عمر متخم بالتجارب...". أنا على أعتاب السبعين؟ انا أرفض ولوج الستين، ولا أقول للقارئ سوى تحذيره، ثم تذكيره بقول المتنبي: "وعداوة الصحافيين الذين يملكون زاوية يومية بئس المقتنى". على كل حال اغفر للقارئ زلته هذه، وأردها الى صغر سنّه، وأقول انه سأل عن الحب من كان به خبيراً. وبما انني نذرت نفسي لخدمة القارئ في الحب والحرب، فإنني لا أكتفي بخبرتي، على رغم اتساعها وعمقها، وانما استعين بالتكنولوجيا وتحديداً بالانترنت، فقد وجدت فيها صفحات لا تحصى أو تعد موضوعها "الحب"، وهي في الواقع شركات للجمع بين الجنسين، وأحياناً الجنس الواحد، لذلك فالحذر واجب. صفحات الحب عبر "أميركا أونلاين" تضم أكثر من نصف مليون صورة لرجال ونساء يبحثون عن الحب. والخدمة عنوانها: "قابل شخصاً جديداً اليوم"، الا انني لم أجد فيها ما يضمن ان الشخص الجديد افضل من "الشخصة" الموجودة في البيت. وهناك شركة "كيوبيد"، وهذه ترتبط بعلاقة تبادل خدمات مع أكثر من 300 شركة مماثلة حول العالم، بينها بعض الشبكات الدينية، أي تلك التي تعرّف أبناء الطائفة الواحدة احدهم على الآخر. أخشى إذا وجد القارئ حبيبة العمر ان يرتج عليه كلمة فصيحة ولا يعرف كيف يكلمها. وقد عدت الى الانترنت مرة أخرى وجمعت للقارئ عبارات، أرجح ان القاسم المشترك بينها الكذب، وأنصحه بأن يتدرب عليها أمام المرآة. وهكذا فعندي له: - كثيرون سيدخلون حياتك ويخرجون منها، أنا سأبقى لأصبح جزءاً منها. - ليلة لا أراك فيها مثل يوم يخلو من نور الشمس. - عذراً، ممكن تدليني على الطريق الى قلبك؟ يمر في البنك الأهلي يا أستاذ. - لو كانت البسمة نسمة هواء، لأرسلت اليك الريح، ولو كانت القبلة نقطة مطر، لأرسلت اليك عاصفة مطرية. - احتاج الى نبض لأحيا، واحتاج الى قلب ليكون عندي نبض. واحتاج الى سعادة ليكون عندي قلب. واحتاج اليك لتكون عندي سعادة وهي إذا صدقتك فستصدق انني المهاتما غاندي. - لو كان حبي لك يُصرف اسهماً وسندات لكسرت بورصة نيويورك. - شفتاي وحيدتان، هل يمكن لشفتيك ان تبعدا شبح الوحدة عنهما؟ - اثنان للحديث، اثنان للتانغو، اثنان للتقبيل، اشياء جميلة كثيرة تحتاج الى اثنين، أنا وأنت. - حبي لك مثل نجوم السماء، قد لا ترينها، ولكن تعرفين انها موجودة. - عندما لمستك خفت ان اقبلك. وعندما قبلتك خفت ان أحبك. والآن انا أحبك وأخاف ان أفقدك. - لو أعطيت ثلاث أمنيات لاكتفيت بواحدة هي ان تكوني معي عندك شقة ومُرتب، أو أنك ضيعت الأمنيتين الأخريين؟. - سألوني: تحب غزل البنات؟ قلت لا؟ تحب عصير القصب؟ قلت لا. تحت فراولة بالسكر؟ قلت لا... لم أجد بعد شيئاً أحلى منك. أرجو ان يكون صاحب الرسالة والقراء جميعاً وجدوا في ما سبق شيئاً مفيداً. ولا أزيد للقارئ خضر طاهر سوى انني لا افهم طلبه "منشطات طبيعية"، فهو اذا كان شاباً كما يزعم لا يحتاج الى منشطات، بل مهدئات، واذا كان في السبعين كما اعتقد، فلا شيء سينفعه. القارئ يعارضني ويقول ان الحب لا يعطل الدماغ، كما زعمت في المقال السابق، وانما هو "اعلى درجات المعرفة والكشف الداخلي التي يمكن ان يصل اليها الإنسان، وهو ارتقاء وصعود بالواقع الى مستوى الحقيقة الكبرى...". الفارق بيننا انني كتبت عن معرفة، وهو كتب عن حب، فلا اقول سوى ان ادعو له بالسلامة، وأنصحه بأن يغطي نفسه جيداً قبل ان ينام، ويأخذ حبتي اسبرين. وكنت كتبت مستعيناً بخبر عن معهد علم النفس الانلكيزي الذي أجرى تجربة واسعة النطاق السنة الماضية، فوصل ادمغة 80 رجلاً متطوعاً بأجهزة رصد حساسة، ثم عرض عليهم تدرجاً، صوراً مثيرة، في محاولة علمية لمعرفة ذلك الجزء من الدماغ المسؤول عن الرغبة الجنسية، وهي رغبة يخطئ صاحبها عادة، ويعتقد انها حب. لن أناقش عاشقاً يرى في حبيبته السدرة والمنتهى، وانما اقول انني وجدت بين كلمات الغزل الانكليزية قول عاشق لحبيبته انه يريد ان يقفز معها من فوق صخور دوفر ليسبحا في المجهول. وهو ذكرني بكلمات لعاشق من عندنا قال: "حبّك في قلبي مثل لبيط البغال"، ففي الحب يتساوى العالم الأول مع الثالث مع العاشر.