} شهدت قضية اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في 1965 تطورين أمس، تمثل الأول في سفر نجل ضابط الاستخبارات السابق أحمد البخاري الى باريس للقاء مسؤولين عن التحقيق في هذه القضية. اما الثاني فتمثل في انتقال موضوع بن بركة الى المساجد، حيث حذّر إمام مسجد تطوان، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، من خطورة "الاشاعات" التي تهدد "وحدة البلاد". غادر السيد كريم البخاري، نجل العميد المغربي السيد أحمد البخاري، الرباط أمس الى باريس حيث ينتظر أن يجتمع مع عدد من المسؤولين عن التحقيق القضائي في قضية خطف المعارض المغربي المهدي بن بركة وقتله. وتأتي زيارة كريم البخاري غداة عدم ترخيص السلطات المغربية لوالده ضابط الاستخبارات السابق بالمثول أمام القاضي الفرنسي جان باتيست بابلوس، في شأن افادته أخيراً أن بن بركة تعرض ليل 29 تشرين الأول اكتوبر 1965 في فيلا جنوبباريس لتعذيب وحشي على أيدي الجنرال محمد اوفقير ومساعده الرائد أحمد الدليمي قبل حقنه بجرعة مخدر قوية أدت الى وفاته. وقال كريم البخاري في اتصال مع "الحياة"، قبيل مغادرته المغرب أمس، ان زيارته لفرنسا "رمزية وتعوض غياب والدي" الذي كان منتظراً أن يمثل أول من أمس أمام قاضي التحقيق الفرنسي. وأضاف ان والده "محبط" بسبب رفض السلطات المغربية تسليمه جواز سفر للتوجه الى فرنسا للإدلاء بشهادته في ملف بن بركة. وكان الضابط المغربي أكد ان جثة بن بركة أذيبت في وعاء من الأسيد، حاله في ذلك حال عشرات من معارضي النظام على عهد الراحل الملك الحسن الثاني. وقال كريم البخاري ان السفارة الفرنسية في الرباط منحته تأشيرة دخول "بعد تردد استمر أربعة أيام" لا تعرف أسبابه. وأشار الى أنه كان في السنوات السابقة يتسلم تأشيرته الأوروبية "في ظرف ساعة واحدة". لكنه رفض ربط ذلك بضغوط مغربية لإعاقة سفره الى باريس. وعن ردود الفعل الصادرة عن ضباط الاستخبارات الثلاثة الذين ذكرهم الضابط البخاري في إفادته، وقال انهم شاركوا في عملية الخطف والاغتيال، قال كريم البخاري ان والده "يُعد الرد المناسب" على تلك الردود التي نفت صحة معلومات البخاري. وقال أحد هؤلاء الضباط محمد العشعاشي ان البخاري لم يكن يعمل في الاستخبارات سنة 1965 "ليتسنى له معرفة أدق التفاصيل المرتبطة بعملية الاغتيال ونقل الجثة الى المغرب". وقال الضباط الثلاثة في رسائل نشرت في الصحافة المغربية انه لم يسبق لهم أن التقوا الضابط البخاري، و"من تث قوله اننا حكينا له تفاصيل العملية أمر كاذب ويصعب عليه إثباته". وكرر أمس الضباط الثلاثة، محمد العشعاشي ومحمد مسناوي وعبدالقادر ساكا، نفيهم رواية البخاري عن ملابسات قتل بن بركة. وقالوا رويترز في مقابلة معهم نشرتها مجلة "ماروك ايبدو" الاسبوعية ان مادة الأسيد التي تحدث البخاري عن استخدامها لتذويب جثة بن بركة لم تكن موجودة سوى في مخيلته. وقال العشعاشي ان "البخاري كاذب. كل الذين عرفوه في جهاز الاستخبارات كانوا على علم انه جُند بسبب خطه الجيد لحفظ التسجيلات". اما مسناوي فقال ان قصة الأسيد "من اختراع البخاري نفسه". وقال ساكا ان البخاري أدلى بمعلوماته هذه لحاجته الى أموال بعد خروجه من السجن في 1999. وذكرت "ماروك ايبدو" ان البخاري لم يمض سوى سنتين في جهاز الاستخبارات وليس 20 سنة، مثلما قال. ورفض كريم البخاري التعليق على كلام محامي عائلة البشير بن بركة التي قال فيها ان افادة الضابط السابق غير دقيقة وانها مجرد تلفيق من الاستخبارات المغربية. لكنه أضاف انه "صدم ووالده لكلام المحامي الفرنسي موريس بيتان، وأنا لا أفهم ولا أجد سبباً مقنعاً لكلامه". وقال انه لا يستبعد أن يكون ذلك "استراتيجية ترمي الى تحقيق هدف ما قد يكون الضغط على والدي". ومن المقرر ان يمكث كريم البخاري في باريس خمسة ايام يرجح ان يلتقي خلالها القاضي جان باتيست بابلوس الذي يحقق في ملف بن بركة. ونفى البخاري حمله اي وثائق لتقديمها الى القاضي الفرنسي. لكنه سبق ان اشار الى انه "يعرف من والده اجزاء كثيرة من الحقائق المرتبطة بالاختطاف في المغرب وتطورات ملف بن بركة". وقد يكون ضابط الاستخبارات المغربي احمد البخاري حدّث نجله كريم عن تلك التفاصيل "لدرء اي احتمال لتعرضه لسوء". لكن مصادر مغربية ربطت عدم تسليم الضابط السابق جواز سفره للذهاب الى فرنسا ب"قضايا مالية" سبق له ان دين فيها بعقوبة في السجن. واعادت تصريحات محامي عائلة بن بركة عن افادة البخاري الى الواجهة الشكوك المحيطة باعترافاته على اعتبار "بعده عن موقع الاختطاف والاغتيال" وعدم امكان معرفته بأدق التفاصيل من موقعه في الرباط، في اشارة الى وصفه الدقيق لعملية التعذيب التي تعرض لها بن بركة، بما فيها استخدام الجنرال محمد أوفقير خنجراً صغيراً كان يُعذب به بن بركة. ويقول خصوم الضابط البخاري ان افادته تعود الى "متاعبه المالية وسجن السلطات له بسبب دفعه شيكاً من دون رصيد". واضافوا ان امتعاضه من سجنه وعدم ايلاء السلطات اعتباراً لخدماته في الاستخبارات ربما كانا وراء اعترافاته. وانتقلت تداعيات افادة البخاري الى المسجد امس اثر اداء العاهل المغربي الملك محمد السادس صلاة الجمعة في احد مساجد تطوان شمال المغرب. وتحدث الخطيب طويلاً عن دور الاعلام في تنوير الرأي العام، في اشارة الى تركيز وسائل الاعلام المكتوبة في البلد حول تطورات ملف بن بركة، ومطالبتها بالكشف عن الحقيقة كاملة في شأن ملف المختفين والمختطفين، وصلت حد اتهام بعض الاجهزة بالتورط في تلك الاعمال. وقال خطيب مسجد تطوان امام الملك محمد السادس: "ان الرعايا مطالبون بتوخي الحذر ازاء تضارب التصريحات، واحذروا فهي مجرد اشاعات ينشرها عدوكم وترهات ينشرها خصومكم للنيل من وحدة البلاد وخلق البلبلة". وزاد ان "الاعلام مسؤولية الكلمة، يصونها ويستخدمها في شكل سليم للرفع من معنويات الامة وترسيخ الاستقرار". وهذه المرة الاولى تُثار فيه مسألة تعاطي الاعلام المغربي او الغربي مع الشأن العام في البلاد في المساجد، ويتوقع ان تشكل بداية "عودة الى الوراء" في شأن مسلسل الافادات والافادات المضادة في ملف المعارض المهدي بن بركة.