تمضي العلاقات الثنائية، السعودية - الأميركية، في طريقها المرسوم، من دون مشاكل أو عراقيل. هذا لا يمنع النقد السعودي المركز للسياسة الأميركية المباركة والمؤيدة والمشجعة لتطرف ارييل شارون وحكومته. وعندما يأتي هذا النقد من كبار رموز الدولة السعودية، فإنه مفهوم ومسموع ومؤثر في الرأي العام العربي، بل انه يعبر عن مواقف دول يستنكف زعماؤها عن الجهر بمواقفهم تجنباً لردود فعل أميركية جلفة عليها. ليس لدى إدارة جورج بوش ما تفاخر به من خيبة أمل قوى الاعتدال العربي في توجهاتها، ولعل الوضع تجاوز خيبة الأمل إلى بداية يأس من إمكان عقلنة السياسة الأميركية. فلا أحد في العالم العربي توقع انحيازاً أميركياً إلى الحقوق العربية، أما أن تجد إدارة بوش مصلحة لها في تبني ارييل شارون بتاريخه الأسود وحاضره السقيم فهذا ترك المراهنين العرب عليها في حال ذهول وعجز. عندما تقول السعودية ومصر إن نهج شارون ينسف أسس عملية السلام كما جرى التفاهم عليها قبل عشرة أعوام في "صيغة مدريد"، وعندما تقول سورية إن شارون يجر المنطقة إلى حرب، وعندما يشعر الأردن ان سلامه مع إسرائيل لم ينعكس عليه استقراراً، وعندما يطالب الفلسطينيون برفع الحصار وانهاء سياسة الاذلال والتجويع، وعندما يعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من استمرار شارون وسائر أفراد عصابته على طريقتهم في معالجة أزمة نشأت أصلاً من اخفاق مفاوضات كامب ديفيد قبل نحو سنة... لا بد أن الجميع يخاطب بوش وإدارته ليقول له إنه اخطأ خطأ فادحاً بالسير في ركب شارون. وكان بيل كلينتون اخطأ قبله في إدارة المفاوضات وارغامها على التكيف مع أجندته الشخصية وجدول أعماله. حان الوقت لكي تنظر الولاياتالمتحدة إلى "السلام" في الشرق الأوسط بذهنية مستقبلية، والأهم لكي تنظر إلى عناصر الخلاف على "الوضع النهائي" من كل جوانبها كما هي فعلاً، لا كما يقدمها شارون أو شاؤول موفاز أو اموس مالكا. إذ ذهبت واشنطن بعيداً في مبالغتها في تبني "الحقائق" الإسرائيلية. فمهما كانت محقة في طلب "وقف النار"، فإنها بدت متعامية عن رؤية حجم الدمار والتخريب الذي أحدثته النار الإسرائيلية. ومهما بررت قلقها، فإنها لا تستطيع الدفاع عن استعدائها سلطة فلسطينية كانت حتى الأمس القريب "شريكاً" لا ينقطع الحوار معه. ومهما كانت الدوافع الأميركية، فإنها غير مقنعة في بحثها عن سلطة بديلة. وحتى لو كانت لدى واشنطن أسبابها لعدم دعوة الرئيس الفلسطيني إلى البيت الأبيض، فإن الجميع يتوقع منها أن يكون هذا قرارها لا أن تقرر إسرائيل نفسها متى وأين يصحّ اللقاء مع ياسر عرفات. لكن أخطر الأخطاء الأميركية هو بالطبع اطلاق يد شارون للاجهاز على "عملية السلام" برمتها. وقد مضى بعيداً في هذه المهمة، ولا يبدو أن لقاءه الأخير مع بوش، أو "خلافه" معه، قد أوقف هذا الاسقاط المبرمج ل"عملية السلام". تبدو واشنطن هنا "مزاجية" وعديمة المسؤولية، لأن تلك "العملية" كانت ولا تزال سياسة واستراتيجية التزمهما العرب كافة، المعنيون بالقضية الفلسطينية وغير المعنيين مباشرة بها، وهم رتبوا خياراتهم الداخلية والخارجية على أساس أن المفاوضات لا بد أن تثمر "سلاماً شاملاً وعادلاً". صحيح أنهم تسرّعوا في اعتبار الصراع منتهياً، لكنهم استندوا إلى التزام يشمل إسرائيل نفسها، كما يشمل الولاياتالمتحدة. من هنا أن شارون لا بد أن يكون عنواناً مقلقاً للمرحلة الراهنة، لكن الأكثر اقلاقاً أن يكون شارون صانع السياسة لإدارة بوش. كما في الشرق الأوسط، كذلك بالنسبة إلى العراق، لم تعط واشنطن أي إشارة إلى اهتمامها بالقلق العربي المشروع. فإذا لم يُفرمل شارون بشكل واضح وحاسم، فإنه كفيل بتخريب كل شيء، وهو بنى مصلحة إسرائيل على هذا الخيار. وإذا لم تأخذ واشنطن مصالح حلفائها العرب في الاعتبار، فإن كل "ذكاء" العقوبات على النظام العراقي لن يفلح.