يعتبر "علم الفراسة" من أقدم العلوم وان اختفى في عصرنا. وعرفت هذا العلم مختلف الحضارات القديمة من السومرية والبابلية والفرعونية مروراً بالهندية والصينية والفارسية واليونانية. واحتل موقعاً في التراث العربي - الإسلامي فتناوله الكثر من الفلاسفة والعلماء والمتصوفة. يستند "علم الفراسة" على دقة الملاحظة في رصد ملامح الإنسان وحركاته لتكوين فكرة عن طبيعة سلوكه وتركيبه النفسي والخلقي. وأبرز من تناولوا هذا العلم الشيخ محيي الدين بن عربي حين أفرد في مخطوطته "التدبيرات الإلهية في اصلاح المملكة الإنسانية" فصلاً عن "علم الفراسة" حدد فيه كل موضع في الجسم ومغزاه النفسي والأخلاقي. انطلق ابن عربي في بحثه بالاشارة الى الملامح التي تميز الإنسان المتوازن والعادل في أحكامه وسلوكه وتصرفه، فحددها بالآتي: "هو ليس بالطويل ولا بالقصير، لين اللحم رطبه، بين الغليظ والرقة، ابيض مشرب بالحمرة أو صفرة، معتدل الشعر طويله، ليس بالسبط ولا بالجعد القطط، في شعره حمرة، ليس بذاك السواد، أسبل الوجه بأعين مائلة الى الغور والسواد، معتد عظيم الرأس سابل الاكتاف في عنقه استواء معتدل الليسة، ليس في وركه ولا صلبه لحم، خفي الصوت، صاف ما غلظ منه وما رق، مما يستحب غلظة في اعتدال طويل البنان للرقة، سبط الكف، قليل الكلام والضحك إلا عند الحاجة، ميل طباعه الى الصفراء والسوداء، في نظره فرح وسرور، قليل الطمع في المال، ليس يريد التحكم عليك ولا الرياسة، ليس بعجلان ولا بطيء". وبعدها ينتقل ابن عربي الى تحليل ما توحي به تفاصيل الوجه وتقاطيعه من معانٍ، فالجبهة المنبسطة التي لا غضون فيها تدل على الخصومة والشغب والرقاعة والصلف. ومن كانت جبهته متوسطة النتوء والسعة وكان فيها غضون فهو صدوق محب عالم يقظان مدبر حاذق. ومن كان عظيم الأذنين فهو جاهل الا انه يكون حافظاً للعهد، ومن كان صغير الأذنين فهو أحمق سارق. والحاجب الكثير الشعر يدل على العجب وغش الكلام، وان ابتعد الحاجب الى الصدغ فصاحبه متباهٍ صلف، ومن رق حاجبه أو اعتدل في الطول أو القصر فهو يقظان فهم. وأما من كان انفه رقيقاً فصاحبه نزق، ومن كان انفه يكاد يدخل في فمه فهو شجاع، ومن كان أفطس فهو شبق، ومن كان ثقب أنفه شديد الانفتاح فهو غضوب، وان كان غليظ الوسط مائلاً الى الفطوس فهو كذوب مهذار. واعدل الأنوف ما طال غير طول فاحش، ومن كان انفه متوسط الغلظ وقناه غير فاحش، فهو دليل العقل والفهم. أما من كان واسع الفم فهو شجاع، وغليظ الشفتين مع حمرة صادقة فهو معتدل. ومن كانت أسنانه منبسطة صف ما بينها قبيح، فهو عاقل صاحب ثقة مدبر. أما لجهة ما ترمز اليه العيون فإن أردأ الصفات الإنسانية هي في العيون الزرق الفيروزجية، أما من عظمت عيناه وجحظت أي فرجت مقلتاها فهو حسود وقح، كسلان غير مأمون وان كانت زرقاً أشد وقد يكون غاشاً. ومن كانت عيناه متوسطة مائلة الى الغور والكحلة والسواد فهو يقظان فهيم محب، فإن أخذت في طول البدن فصاحبها خبيث. أما من كانت عيناه جامدة قليلة الحركة كالسهم حيث النظر فهو جاهل غليظ الطبع، ومن كانت عينه حركة بسرعة مع حدة بالنظر فهو محتال لص غادر. ومن كانت عينه حمراء فهو شجاع مقدام فإن كان حواليها نقط صفر فصاحبها أشر الناس وأردأهم. ولجهة باقي ما ترمز اليه البنية الجسدية من انطباعات. فقصر العنق يدل على الحسد والمكر وطولها ورقتها على الحمق والجبن، وغلظها يدل على الجهل وكثرة الأكل. والبطن الكبيرة تدل على الحمق والجبن. ولطافته وضيق الصدر يدلان على جودة العقل وحسن الرأي. أما عرض الكتفين والظهر يدلان على الشجاعة وخفة العقل، وانحناء الظهر على النكاسة والنزاهة، وبروز الكتفين دليل على سوء النية وقبح المذهب، والذراعان إذا طالتا حتى بلغ الكفان الركبة فدليل شجاعة وكرم ونبل، وإذا قصرتا فصاحبهما جبان محب للشر. ويعتبر ابن عربي ان للصوت مغزاه في علم الفراسة. فالجهير يدل على الشجاعة والمعتدل بين الكيد والتأني والغلظة يدل على العقل والتدبير والصدق. وسرعة الكلام ورقته دليل قحة وكذب وجهل، والغلظة في الصوت دليل على سوء الخلق، والعنة في الصوت دليل حمق وقلة الفطنة وكبر النفس. أما الإنسان الكثير الحركة فهو صلف وخداع والقليل الحركة مع تدارك باللفظ وتحريك اليد، دليل على الفهم والتدبير. اما من كانت خطاه واسعة بطيئة فهو ناجح في أعماله مفكر في عواقبه. ولنوعية الشعر ولونه أيضاً مغزاهما، فالشعر الخشن يدل على الشجاعة وصحة الدماغ، والليّن يدل على الحمق والجرأة، وغزارة الشعر على البطن والصدر يدل على وحشية الطبع وقلة الفهم وحب الجور. والشقرة من الشعر دليل على الحمق وكثرة الغضب وسرعته والتسلط، والأسود دليل الأناة وحب العدل" والتوسط بين اللونين الأسود والأشقر يدل على الاعتدال. تلك هي أبرز التعليلات التي اعتمدها ابن عربي في شرحه لعلم الفراسة، وهي تعليلات قائمة على الحدس وسرعة الخاطر والمراقبة الدقيقة لتصرف الفرد واجراء المقايسة بين هذه التصرفات والبنية الجسدية بمختلف تفاصيلها للخروج باستنتاجات حول شخصية الفرد وسلوكه وهو بذلك يقارب علم النفس - في بعض جوانبه - وان كان يفتقد الى المنهجية العلمية التي يرتكز عليها الأخير. * كاتب لبناني.