بيروت - "الحياة" - فاجأ الشاعر الفلسطيني محمود درويش "جمهوره" اللبناني بأمسية أحياها في جامعة البلمند شمال لبنان وكان عبرها ضيفاً في احتفال التخرّج للعام 2001. وأثار وجود درويش في هذه الجامعة الخاصة التي تنتمي الى "القطاع" الارثوذكسي بحسب المعجم اللبناني بعض الأسئلة. ولم يكن على درويش إلا أن يردّ على تلك الأسئلة بكلمة موجزة استهل بها امسيته الشعرية قائلاً: "استغربت أن يستغرب كثير من الناس ماذا أفعل في البلمند. والأوساط الصحافية في بيروت مشغولة في البحث عن سر وجودي في البلمند. اعتقد ان الجانب الأدبي من الفضول مكشوف، من الطبيعي ان يلاحق الشاعر أقاصي لغته، وفي هذا المكان أجد لغتي أنا. ولكن ما يحير المستغربين هو ما هي الصفقة السياسية وراء هذه الزيارة. ما هو السر؟ ولا أخفي عنكم ان هناك سراً بسيطاً، وهو ان لبنان يسكن قلب فلسطين، وفلسطين تسكن قلب لبنان. وأعمق تعبير عن هذا السر هو احتفاء الشعب الفلسطيني بانتصار المقاومة في دحر الاحتلال في الجنوب وإصرار الشعب الفلسطيني على دحر الاحتلال من فلسطين. إذاً، سرّنا مكشوف وقلوبنا مكشوفة". وكان الشاعر شربل داغر الأستاذ في الجامعة قدّم درويش ومما قال: "شاعر في الحرم، يا للموعد الضروري، محمود درويش في جامعة البلمند. يا للموعد الاستثنائي: فكيف إذا التقى الضروري بالاستثنائي، وهو ما تتيحه القصيدة وحدها، قصيدة محمود درويش تحديداً، ما دامت رفعت الشعر من الزمني الى الانساني، من نثر الوقائع الى كثافة النص تعبيراً أجلى عن الانساني في التاريخ... قلة هم الشعراء الذين حفظنا ابياتهم قبل اسمائهم، وأسماءهم قبل وجوههم... محمود درويش واحد من الندرة النادرة في عالم العربية، الذي خرج من البيت ليعود على جناحي القصيدة... هو الذي خرج من العيش اليومي، المعهود، المستكين والمنصاع، الى مخاطر المغامرة، وشكوك المعنى، وعصف التجارب، مراهناً فيها على معنى آخر للحياة، للوطن، للاقامة في الوجود - معنى تلوّن الأحلام في انسانية حقه.... فالشعر مع درويش لا ينقل الواقع، بل ينقحه، وينضده في صورة تجعله أشد كثافة من اللحظات الرتيبة والمتباطئة، وتجعل الواقع اكثر اشراقاً ونضارة وقابلاً للتغيير. والشعر مع درويش ينقح السياسة ايضاً، إذ يسحبها من الوحول والزواريب والهفوات القتالة، ويعيدها الى جميل الفعل البشري، الى أرقاه وأسماه". ثم قرأ درويش قصائده مستهلاً ب"أطل كشرفة بيت على ما أريد" ثم قصيدة "القربان" و"مقطع من خطاب الهندي الأحمر أمام الرجل الأبيض" و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" و"أحن الى خبز أمي" و"درس في الحب من دروس كماسوترا" و"من أنا دون منفى" و"قافية من أجل المعلقات"، والقصيدة الأخيرة من "ملحمته" "جدارية". لكن الجمهور لم يدعه يتوقف فطلب باصرار أن يقرأ قصيدته "محمد الدرّة" ونزولاً عند إلحاح الجمهور قرأها وكان لها وقعها الخاص.