الوقت بعد الظهر، قام مدير احدى الشركات بجولة على المكاتب لتفقد سير العمل، ودهش عندما وجد أن موظفة أحد الأقسام غالبها النعاس فأخذت غفوة قصيرة وهي جالسة خلف مكتبها، واستفاقت مذعورة وهي تروي شتى الأعذار التي دفعتها لأخذ قيلولتها، وقالت انها شعرت بثقل في عينيها ولم تعد قادرة على تحمل جفنيها. وانتظر الجميع أن يتخذ المدير المعروف بصرامته وقسوته اجراءات ادارية بحقها حفاظاً على وتيرة العمل ومصلحة الشركة، إلا أنه ربّت على كتف الموظفة استحساناً وعاد الى مكتبه وسط دهشة الجميع. ولم يكن تساهل المدير مع الموظفة بسبب القيلولة وليد مصادفة بل جاء يدعم دراسة حديثة صدرت أخيراً في بريطانيا وأكدت ان الغفوة في العمل لم تعد من الأسباب التي يتهم بها المتباطئون، حتى ان بعض الشركات الاميركية ابتكر غرفة خاصة للراحة والقيلولة، وكان لهذا الابتكار فوائد ونتائج ايجابية على الصعيد المعنوي نسبة الى الموظفين والزبائن على السواء. واستنتجت الدراسة ان الناس بمعظمهم يرغبون في غفوة خلال ساعات العمل، بعد أن يتخطى هؤلاء ثماني ساعات من اليقظة، وهذا ما درج عليه القائد الانكليزي الشهير ونستون تشرشل الذي كان يتخذ من القيلولة جرعة حيوية. وكان توماس اديسون ينام لفترة قصيرة لا تتجاوز نصف الساعة، لكن ألبرت أينشتاين كان مختلفاً فهو كان "يستمتع" بقضاء عشر ساعات على الأقل في فراشه يومياً، ويقال انه توصّل الى نظريته الشهيرة حول النسبية هناك، وكان نابليون بونابرت يأوي الى فراشه بين العاشرة ومنتصف الليل، ليستيقظ في الثانية فجراً فيعمل في مكتبه حتى الخامسة صباحاً ثم يعود الى فراشه مجدداً لساعتين. وكان يقول: "ان من يحتاج الى نوم أكثر فهو إما أبله أو مريض". ونرى ان حاجة النوم تختلف بين فرد وآخر وذلك تبعاً لتكوين كل فرد أو الى فترات عمره، فالثابت ان الانسان كلما تقدم في العمر، تقلُّ حاجته الى النوم. والطفل الرضيع الذي ينام ست عشرة ساعة، تخف حاجته تدريجاً لتصل الى نحو ست ساعات لدى البالغين وأربع لدى من تجاوز الستين. وبعض النساء يحتجن الى القيلولة بعد الظهر أثناء شهور حملهن الأولى بسبب ارتفاع معدل البروجستيرون الذي يخفف من عمق النوم الليلي، وكذلك النساء اللواتي بلغن سن اليأس يعانين مشكلات في نومهن نتيجة التعرق الكثيف في الليل. والسؤال، ما هي حقيقة النوم والأرق وهل تختلف المدة الكافية للنوم بحسب الشخصية والعمر وما هو المقدار المناسب الذي يحتاج اليه الجسم للنوم، وهل هناك علاقة بين السعادة والقلق والنوم. أسئلة نطرحها على طبيب أخصائي بأمراض الأعصاب والدماغ للتزود بالأجوبة الشافية لها، وقبل ذلك، نتوقف عند بعض الحالات التي رصدناها من خلال استفتاء آراء بعض النساء والرجال حول مشكلات تنتابهم مع الأرق وقلة النوم. السيدة منيرة حداد 45 سنة تشكو الأرق الذي يلمّ بها ويسبب لها ضيقاً ثقيلاً ويحول لياليها العادية ليالي طويلة، وتقول: "حاولت التخلص من الأرق بوسائل شتى ولكن عبثاً، والأسوأ ان تأثيراته تطاول نهاري فأقضيه متعبة جسدياً وفكرياً وغالباً ما يحول ليلي كابوساً، نصحني الطبيب بالعلاج الذي يرتكز على راحة البال وضبط ايقاعات الجسد والابتعاد من التوتر". وتضيف السيدة حداد: "اتبعت اجراءات غذائية بناء على نصيحة الطبيب ومنها تناول الطعام الطازج من دون اضافة الملح والسكر والزيوت، وتناول النشويات كالخبز والحبوب عند الفطور من أجل المحافظة على معدل طاقة عالية، وقد ساعدني ذلك في التخلص تدريجاً من تناول المهدئات والعودة الى ساعات النوم بعد سهاد أيام طويلة". جومانة قسيس 35 سنة موظفة سابقاً حرمتها الظروف الاقتصادية الضاغطة من وظيفتها، فعاشت جواً قلقاً انعكس على تصرفاتها ونفسيتها وبدأت تعاني قلة النوم التي تحولت الى أرقاً دائماً. وتقول: "بدأت بتناول الأقراص المنومة من دون وصفة طبيب وتناول القهوة والسجائر وعانيت اضطرابات في النوم. وعلى رغم نصيحة الجميع بضرورة التخلي عن الأدوية المهدئة، أجد نفسي عاجزة عن النوم من دونها مع علمي أن التعب الذي يلازمني خلال النهار هو بسبب تناولها". ويصف طبيب اختصاصي بأمراض النوم المفهوم العلمي للأرق بأنه "نوم بنوعية ضعيفة" ويمكن حصره بثلاثة أنواع: الأرق العابر الذي يصاب المرء به لليلة واحدة أو حتى أسابيع قليلة والأرق المتقطع الذي يعاود صاحبه من حين الى آخر، والأرق الدائم الذي يدوم شهراً أو أكثر. والنساء الكبيرات في السن الأكثر اصابة بالأرق اضافة الى المصابين بالاكتئاب. ومعظم حالات الأرق العابر أو المتقطع يسببها الضغط النفسي والتوتر والضجيج والارتفاع في حرارة الجو. أما أخطر أنواع الأرق فهو المستعصي الذي ينجم عن تصرفات مسلكية كإدمان الكافيين والكحول والمخدرات واختلاف ساعات النوم الناجمة عن دوامات العمل المختلفة. وعن العلاج المطلوب لهذه الأنواع من الأرق يقول: "الأرق العابر والمتقطع لا يحتاج الى علاج بالعقاقير نظراً لتأثيراته السلبية. لذلك يتوجب على المرء أن يتجنب في ساعات المساء الإفراط في تناول القهوة والكحول والسجائر والوجبات الثقيلة والدسمة وكذلك الأنشطة المجهدة ذهنياً وجسمانياً، وتجنب النوم في النهار إذا كان نوم الشخص في الليل مضطرباً". ويحذر الأطباء من تناول الأقراص المنومة من دون وصفة طبية لأن لها مفعولاً وآثاراً جانبية مؤذية لا تجلب النوم الطبيعي ومفعولها يستمر طوال النهار ويلازم التعب الشخصي الذي يتناولها. والأخطر من ذلك فإن الاعتياد عليها يؤدي الى الادمان بعد طول الاستخدام ولدينا عشرات الحالات يومياً من هذا النوع. وعن المقدار الكافي للنوم يقول الأطباء: معظم النساء ينمن بين 7 و8 ساعات يومياً، والمدة الكافية للنوم تختلف بحسب الشخص والعمر، والنساء الحيويات الواثقات من أنفسهن يحتجن الى ساعات نوم أقل من المبدعات أو القلقات جداً، علماً أن النوم ضروري جداً للصحة، إذ يرمم ما استنفد من الطاقة ويصفي الذهن ويقوي جهاز المناعة، أما الافراط في النوم فضار مثل نقصه. ويرى اخصائيون آخرون ان القيلولة شائعة في كثير من الدول، لكن تأثيراتها سيئة في نظام النوم، وخصوصاً قيلولة المساء التي تجعل المرء يستصعب الاستغراق في النوم ليلاً، وينصحون بقيلولة لا تتعدى 15 دقيقة وإلا يجب تجنبها نهائياً.