الكلام عن الأدب في عصر صدر الاسلام هو الكلام عن النص القرآني، بوصفه نصاً لغوياً وأدبياً... هذا التقديم، استهلت به الدكتورة دلال عباس من خلال كتابها "القرآن والشعر"، دار الموسم للطباعة والنشر، بيروت، سنة 2000، اذ استقام الكلام عن "النص القرآني" الذي تمحورت حوله حياة العرب الدينية والاجتماعية والسياسية والأدبية لذاك العصر، وما تلاه ايضاً من عصور. فكيف ينسكب الفكر الاسلامي في هذا القالب الأدبي؟ وكيف اختصر هذا المظهر القولي او التعبيري كل الاهتمامات؟ وهل استطاعت الدكتورة دلال عباس تحويل فعل القراءة للنص الى فعل ايجابي يسهم القارئ في انتاج دلالته، كي يكون انتاج الدلالة فعلاً "مشتركاً" بين النص والقارئ؟ كان الشعر هو النص الوحيد في ثقافة ما قبل الاسلام، لكن القرآن كما تقول الدكتورة عباس لا يُمكن ان يندرج تحت نوع "الشعر" ولا تحت نوع "النثر" المألوف عند العرب قبل الاسلام. وفي اكتشاف علاقات الآيات غير المستقرة في النص، تورد الدكتورة عباس أن هذا، معناه تأسيس علاقة بين عقل المفسِّر وبين النص، ومن خلالها يتم اكتشاف علاقات اجزاء النص، لأنه وحدة بنائية مترابطة الاجزاء، واقتحام آفاقه هو اكتشاف العلاقات بين الآيات، و"العلاقات"، وهي احتمالات ممكنة. "فالقرآن مُناط بالطبيعة كلها، النص فيه ثابت لكن معرفته متغيرة". رأى الجرجاني ان لا طريق الى معرفة خصائص الاعجاز في القرآن الا بالنظر والفكر والروية... وقد اقترح معياراً جديداً سمّاه "النظم". ان الرؤيا في النص كاشارة غيبية تمثلّ حقيقة الواقع المؤجل، والنظام الثابت هو الحقيقة الالهية... اما سيد قطب فقد اعاد سحر القرآن الى نسقه الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعاً. ان الاشكالية التي طرحتها الدكتورة عباس هي الهجرة من الشعر الى النثر في القرآن متسائلة: * كيف هاجر الناس من الشعر الى القرآن - النثر؟ واستدعتها الاشكالية للسؤال عن ماضي الشعر الذي يلتف من حول ماضي النثر ويكاد يخنقه. وماضي النثر هو حاضره الذي يتشكل فيه. وبينما يمضي الخط البياني الذي يرسمه النثر الفني صعداً متدرجاً، تعاونه كل مظاهر الحياة - يبدو الخط الثاني الذي رسمه الشعر، يمضي منحدراً في شيء من الضمور والانكماش. فقد صمت الشعر او كاد، وتدفق النثر في حياة الامة والزمان في الخطابة محدد لما يجب ان يكون: اي امكان ممارسة مستقبلية، والمستقبل هو زمان الاجتهاد. لقد صمت الشعر وانطلق النثر يتدفق. بينت الدكتورة عباس ان القرآن الكريم كان تعويضاً فنياً عن الشعر، واتجه بالناس الى النثر لأن النثر اصبح الاداة التي تقتضيها مصلحة الدعوة والدولة معاً... واختصر جميع الاهتمامات الفنية في حياة الجماعات الاسلامية في هذا المظهر القولي. وتسأل الدكتورة عباس: ما الاسم الأدبي الذي يمكن ان نُسمّي به السورة؟ فيجيبها ادونيس في كتابه "النص القرآني وآفاق الكتابة"... انه الكتاب المطلق، انه نثر لا كالنثر. وشعر لا كالشعر، وكتابة لا كالكتابة، لغة لا كاللغة، انه البداية والنهاية، كتاب بمستوى الكون. وبين سرد الرؤى ومسار تحقيقها، تنهض بنا الدكتورة عباس في كتابها "القرآن والشعر" لتكشف ايضاً عن حركتنا في اعادة انتاج دلالة النص في القرآن. * كاتبة وشاعرة لبنانية.