فاجأت الصين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بموافقتها على قائمة السلع ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري المحظور استيرادها، والتي تلازم مشروع القرار البريطاني لإعادة صوغ العقوبات على العراق. واصيب الموقف الروسي بنكسة بسبب توافق الصينوفرنساوبريطانياوالولاياتالمتحدة، على القائمة، لكن موسكو أصرت أمس على أنها "لن تسمح بتمرير مشروع العقوبات الذكية". وراهنت الديبلوماسية البريطانية، جزئياً على "مفاجأة" من نوع انقلاب روسيا على موقفها مطلع حزيران يونيو، عندما وافقت على تمديد برنامج "النفط للغذاء" لفترة شهر، بين ليلة وضحاها، علماً أنها كانت تتمسك بفترة ستة شهور. وقدمت بريطانيا صياغة جديدة لمشروعها المطروح في مجلس الأمن، مشددة على أنه لا يزال خياراً بين مختلف الخيارات أمام المجلس الثلثاء المقبل. لكن أكثرية الأوساط الديبلوماسية في المجلس رجحت تمديد برنامج "النفط للغذاء" بدلاً من التصديق على المشروع. وقال المندوب الأميركي السفير جيمس كننغهام: "سيكون هناك تمديد بكل تأكيد، إنما السؤال هو أي نوع وفي أي اطار، ونحن لم نتخذ قرارنا بعد". وأثنى على الصينوفرنسا لموافقتهما على قائمة السلع ذات الاستخدام المزدوج، وقال إن اتفاق الدول الأربع على القائمة يشكل "خطوة رئيسية الى أمام في بناء هذه العملية"، مشيراً إلى أن المشاورات مستمرة "لردم الفجوة" مع إحدى الدول الخمس. وتساءل مندوب بريطانيا السفير جيرومي غرينستاك عما في ذهن روسيا، وقال إن السؤال "هل تحتاجون إلى مزيد من الوقت للتوصل الى نهاية وخلاصة للعملية، أو هل تريدون التوصل الى خلاصة"؟ وجاءت موافقة الصينوفرنسا على القائمة بعد مناشدة لهما من وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وقالت مصادر فرنسية إنها ترحب بالاتفاق "لأن القائمة هي تلك التي اقترحناها، ونرحب بمرونة البنتاغون وموافقة وزارة الدفاع. حصلنا على كل ما طلبناه وعملنا من أجله في القائمة". التي كانت 30 صفحة عندما عرضتها الولاياتالمتحدة وأصبحت 12 صفحة. وزادت ان فرنسا اقترحت قائمة من 8-12 صفحة، وانها لا تتضمن مثلاً أجهزة الكومبيوتر. وفيما توقعت الولاياتالمتحدةوبريطانياوفرنسا تردد الصين، اعتبرت مصادر مطلعة ان الموافقة الصينية على القائمة جاءت كمفاجأة. ولفتت إلى أن السلع المدرجة على القائمة شبه موجهة ضد الصين لأن معظمها سلع تستوردها بغداد من بكين. وإذا تبنى المجلس هذه السلع، يُحظر استيرادها. ولا تعني موافقة الصين على القائمة تلقائياً الاستعداد لقبول المشروع البريطاني، لكن تحفظ بكين عن مشروع القرار الروسي وعدم استعجالها الترحيب به مؤشر آخر في سلسلة تطورات فرط عقد الثلاثي، الروسي - الصيني - الفرنسي، في مواقفه من العراق. وأدى توافق الدول الأربع على القائمة الى عزل روسيا، لكن الأوساط الديبلوماسية أشارت الى احتمال استفادتها من العقود التي كان مفترضاً أن تنالها الصين. وتمسكت موسكو بإصرارها على اسلوب "الشمولية"، كما أبلغ السفير سيرغي لافروف مجلس الأمن اثناء جلسة مشاورات مغلقة الجمعة الماضي. وقالت مصادر المجلس إن الموقف الروسي لم يهتز بتوافق الدول الأربع. وعلى رغم رهان جزئي للديبلوماسية البريطانية على "مفاجأة" تتمثل بموافقة روسيا على عدم نقض المشروع البريطاني باستخدام "الفيتو"، استبعدت مصادر ديبلوماسية ذلك، بسبب الموقف الذي حشرت روسيا نفسها فيه على أعلى المستويات، وفي طروحات مدونة. أما إذا كان ذلك وارداً فإنه لن يتمثل بطرح المشروع البريطاني للتصويت الثلثاء، بل بتمديد برنامج "النفط للغذاء" لفترة قصيرة، تتراوح بين شهر و3 أشهر، ريثما يتم الاتفاق عبر المفاوضات. "ذرائع" في دمشق، أعلن مسؤول روسي ان بلاده "لن تسمح بتمرير" نظام "العقوبات الذكية"، معتبراً أنها "خطرة جداً" على العراق والدول المجاورة له. وقالت مصادر رسمية إن سفير المهمات الخاصة في الخارجية الروسية نيقولاي كارتوزوف سلم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع أمس رسالة من نظيره الروسي ايغور ايفانوف "تتعلق بالمداولات التي يجريها مجلس الأمن حول العقوبات المفروضة على العراق، وكانت وجهات النظر متفقة على أهمية اخراج الشعب العراقي من المعاناة والاحباط الناجمين عن استمرار فرض العقوبات". وأعلن كارتوزوف بعد لقائه الشرع ان موسكو "لن تسمح بتمرير القرار الخاص بما يسمى العقوبات الذكية على العراق، إذ ان مثل هذا القرار يعتبر خطيراً جداً ليس بالنسبة إلى العراق، بل كذلك كل دول المنطقة، لأن كل الأهداف التي أعلنوها عن ان هذه العقوبات الذكية ستخفف معاناة الشعب العراقي، أو معاناة الدول المجاورة، إنما هي ذرائع وحجج، وتتعارض مع هذه الأهداف المعلنة وتؤدي الى مزيد من المعاناة للشعب العراقي بعد اكثر من عشر سنين من الحصار، وكذلك جعل الدول المجاورة مسؤولة في شكل مباشر استناداً إلى ميثاق الأممالمتحدة، باعتبار ان كل القرارات الدولية المتعلقة بالعراق خاضعة للفصل السابع من الميثاق، وهنا تتجلى خطورة فرض هذه العقوبات على الدول المجاورة أيضاً".