في ضوء ما ورد في تقرير لجنة ميتشل تبرز أسئلة عدة حول المقترحات التي ذكرها، وإمكان تطبيقها على ارض الواقع وليس الإكتفاء بقبولها فقط لا سيما من جانب الطرف الإسرائيلي. فهل نجحت اللجنة في وضع حلول للأسباب التي دفعت الى إندلاع المواجهات الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ أم أنها اكتفت بذكر العموميات، ولم تدخل إلى جوهر المشكلة الذي يتركز حول استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ سنة 1967 وإصرار إسرائيل على بناء المستوطنات وتوسيعها في هذه الأراضي؟ وهل اقتصر تقرير اللجنة على الإنذار والتحذير والدعوة الى ضبط النفس والامتناع عن القيام "بأعمال العنف"؟ لا بد من تقويم موضوعي لما ورد في هذا التقرير وتحليل الجوانب الإيجابية والسلبية فيه، ومحاولة الاستفادة من الخبرة التاريخية للجان الكثيرة التي جاءت الى فلسطين للبحث في مشكلتها منذ سنة 1919 وحتى الوقت الحاضر. فهل يكتب لمحاولة لجنة ميتشل النجاح حيث أخفقت كل اللجان السابقة؟ لقد ركزت اللجنة في تقريرها على نقاط عدة مهمة هي: 1- الدعوة الى وقف "أعمال العنف" فوراً من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في آن واحد من دون شروط. 2- مطالبة إسرائيل بتجميد أعمال الاستيطان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما في ذلك وقف توسيع المستوطنات القائمة. 3- مطالبة إسرائيل برفع الحصار العسكري والاقتصادي الذي تفرضه على المدن والقرى الفلسطينية وسكانها، وتحويل المبالغ المالية التي تجمع من الضرائب الى السلطة الفلسطينية، والسماح بعودة العمال الفلسطينيين إلى أماكن عملهم في إسرائيل. 4- مطالبة السلطة الفلسطينية بالعمل على منع إطلاق النار من المناطق الفلسطينية على الأحياء السكنية الإسرائيلية ومواقع الجيش الإسرائيلي. 5- دعوة الطرفين الى الالتزام بالاتفاقات الموقعة بينهما والعودة الى استئناف المفاوضات. ولا شك في أن تقرير اللجنة تضمن نقاطاً ايجابية، وآراء محايدة توصل إليها الأعضاء بعد الجولات والمقابلات التي قاموا بها في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وعواصم عربية واجنبية. ولاقى التقرير قبولاً وتأييداً من قبل السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية لا سيما مصر والأردن، كما أيدته الولاياتالمتحدة، ودول الإتحاد الأوروبي وروسيا الإتحادية واليابان. ولكن إسرائيل قبلت بعضه ورفضت جوهره، وهو الذي يتناول وقف الاستيطان بأشكاله كافة. وصرح ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل بأنه "يقبل ما جاء في تقرير اللجنة ولكنه لا يستطيع ان يوقف توسيع الاستيطان لأغراض النمو الطبيعي للمستوطنات الموجودة فعلاً". وبوسعنا القول، إن التقرير لم يكمل نزع الفتيل من الوضع الذي ما زال متفجراً، ولم يحدد الأسباب الفعلية والمباشرة التي دفعت الى حدوث ما حدث ولم يذكر أن زيارة شارون الاستفزازية الى باحة الحرم القدسي الشريف هي العامل الرئيسي في إندلاع المواجهات التي وقعت، هذا إضافة إلى أنه يساوي بين دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم واراضيهم ومقدساتهم وبين استخدام إسرائيل لأنواع الأسلحة الحديثة كافة ضدهم. وأغفل التقرير كثيراً من النقاط الرئيسية التي كانت تستحق العناية من قبل اللجنة، أبرزها: 1- عدم تحميل إسرائيل المسؤولية الإنسانية والقانونية عن إفراطها في استخدام القوة المسلحة ضد المدنيين الفلسطينيين، الذي يتعارض تماماً مع الإتفاقات الدولية خصوصاً اتفاقات جنيف للعام 1949. ودانت الدول كلها بما فيها الولاياتالمتحدة هذا العمل من جانب إسرائيل. 2- أغفل التقرير المطالبة بتوفير حماية دولية للفلسطينيين من هجمات القوات الإسرائيلية والمستوطنين على أحيائهم السكنية وتدمير مصانعهم ومزارعهم وهو ما طالبت به غالبية الدول باستثناء أميركا. 3- لم يضع التقرير خطة واضحة وعملية يُبين فيها كيفية المتابعة والإشراف على تنفيذ المقترحات التي قدمها وترك ذلك الى الجهود الديبلوماسية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة. وكان ينبغي أن تؤدي هذه المهمة لجنة دولية تضم في عضويتها الأمين العام للأمم المتحدة أو ممثلاً عنه، وممثلاً عن روسيا الإتحادية. 4- لم يذكر التقرير أي شيء عن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها أبناء الشعب الفلسطيني على مدى الشهور الماضية ومن سيتحمل مسؤولية تعويضها وفقاً لقواعد القانون الدولي، وميثاق الأممالمتحدة، فإن إسرائيل هي المسؤولة عن تحمل هذه التعويضات. لقد عرفت فلسطين لجان التحقيق المختلفة التي جاءت اليها منذ سنة 1919، وكانت أولها لجنة كينغ - كراين الأميركية التي زارت فلسطين في السنة المذكورة، ومن اهم الحقائق التي وردت في تقريرها الذي رفعته الى الرئيس الأميركي ويلسون، الآتي: "ان البرنامج الصهيوني لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة المسلحة. هذا فضلاً عن أن مطالب الصهيونيين الأساسية في حقهم على فلسطين مبنية على كونهم احتلوها منذ الفي سنة وهذه دعوى لا تستوجب الاكتراث والاهتمام". فهل تحقق لجنة ميتشل ما فشلت فيه لجنة كينغ - كراين منذ ثمانين عاماً ونيف؟ * كاتب فلسطيني.