بعد محادثات عميقة مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، التقى ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مساء أمس مع وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وتركز البحث على نتائج جولة الأخير في الشرق الأوسط والتوجهات الأميركية لحل المأزق الراهن في عملية السلام. وحضر اللقاء مساعد وزير الخارجية السفير وليام بيرنز الذي يبدأ غداً جولة خليجية. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ل"الحياة" قبيل بدء المحادثات: "لمسنا قلقاً لدى الرئيس شيراك مطابقاً للقلق الذي يسود منطقة الشرق الأوسط إزاء الوضع الراهن، والقلق الحادث ناجم عن سياسة شارون التي أدارت ظهرها للسلام وتخلت عن مقررات مدريد وعن تنفيذ الاتفاقات بينهم وبين الفلسطينيين، وتدفع المنطقة الى حافة الهاوية". وأضاف: "سبق لاسرائيل ان استخدمت هذه السياسة أيام رابين، وعرفت بسياسة القبضة الحديد لارضاخ الفلسطينيين، وعاد رابين عن هذه السياسة ووجد ان لا خيار له إلا مفاوضات السلام والسير في هذا الخط. ولا خيار لاسرائيل الا السلام إذا أرادت فعلاً أن تعيش بأمان في الشرق الأوسط، والعمل السياسي فقط هو ما يؤمن لها ذلك"، معتبراً أن الدول العربية ذهبت بعيداً في اثبات حسن نياتها والتزامها السلام كخيار استراتيجي وأوفت بالتزاماتها وتعهداتها كما نصت عليها مقررات مدريد ولا يزالون سائرين في هذا الطريق. إذاً، حان الوقت ليقول العالم لا لاسرائيل". وقال مصدر ديبلوماسي عربي ل"الحياة" ان التحرك السعودي الذي قام به الأمير عبدالله في المانيا والسويد أسفر عن اتفاق أميركي - أوروبي بشأن الشرق الأوسط في غوتنبرغ "قد يكون الاتفاق الوحيد الذي حصل بين بوش وحلفائه الأوروبيين في لقائه الأول معهم". وأوضح المصدر ان الأمير عبدالله يواصل هذا التحرك في فرنسا، التي لم تكن في جدول أعماله، لكنه وجد ان هناك فرصة لدفع الدور الأوروبي الى أمام. وفي هذا الاطار أراد التنسيق والتشاور مع الرئيس شيراك، وبالتالي مع باول الذي وضعه في صورة ما أحرزه من نتائج مع الفلسطينيين واسرائيل. اسرائيل سلمت جثمان الجندي المصري في غضون ذلك علم مساء امس ان جندياً مصرياً قتل على المصرية - الاسرائيلية، وان اسرائيل سلمت جثمانه الى السلطات المصرية. وقالت مصادر ان الجندي، الذي لم يعلن اسمه، تجاوز الاسلاك الشائكة الحدودية. وحتى ساعة متأخرة لم تعط القاهرة تفصيلات عن ملابسات الحادث. وكان باول أنهى جولته في الأردن حيث أجرى محادثات مع الملك عبدالله الثاني، وما أن غادر الى باريس حتى انفجر الوضع من جديد في الأراضي الفلسطينية التي شهدت مواجهات أسفرت عن 27 جريحاً في الضفة الغربية وخمسة آخرين في غزة. ودب الخلاف بين الفلسطينيين والحكومة الاسرائيلية على تحديد بدء العد العكسي لفترة الهدوء، والانتقال الى مرحلة المفاوضات السياسية. وربما تم مناقشة هذه المسألة بين وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز والرئيس ياسر عرفات خلال لقائهما في لشبونة اليوم، حسبما أعلنت الاذاعة الاسرائيلية راجع ص 5. وكان الأمير عبدالله عقد مساء أول من أمس لقاء مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، تبعته مأدبة عشاء مصغرة في قصر الاليزيه. وقالت مصادر فرنسية مطلعة ان الجانب السعودي أعرب عن قلقه الشديد إزاء سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، وأن السعوديين "غير متفائلين كثيراً بسبب هذه السياسة". ويشاركهم الفرنسيون هذا القلق. وأضافت ان شيراك وضع الأمير عبدالله في صورة محادثاته مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي "ترك لديه انطباعاً جيداً". وذكرت ان شيراك تحدث كثيراً مع الأمير عبدالله عن لبنان وضرورة دعم الاصلاح الاقتصادي الذي يشهده. وأشارت الى أن الطرفين عبرا عن قلقهما حيال الوضع في العراق، وانهما متفقان في الرأي على عدم وجوب غياب الرقابة على أنشطة النظام العراقي، وعلى معالجة الوضع الانساني، وانهما يرغبان في حل عبر المشاورات الدائرة حالياً في مجلس الأمن لتخفيف العقوبات المدنية عن العراق. عرفات: تجربة ناجحة للاوروبيين في وقف النار الى ذلك، اعرب الرئيس ياسر عرفات عن "تفاؤله" بالتحرك الديبلوماسي الاميركي في المنطقة، مؤكداً التزام السلطة كل الاتفاقات الموقعة والتفاهمات بما في ذلك توصيات لجنة ميتشل الدولية. وقال عرفات خلال لقاء مفتوح مع مجموعة من ممثلي وسائل الاعلام الاجنبية في مقر اقامته في رام الله اول من امس ان زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول "خطوة مهمة وتؤكد استمرار الادارة الاميركية في حماية المسيرة السلمية ودفعها الى امام"، مشيراً الى العلاقات الجيدة التي تربطه بالرئيس الاميركي جورج بوش. وقال: "انا متفائل بالخطوات التي يقوم بها الرئيس بوش" في اطار الجهود المبذولة لوضع تقرير ميتشل موضع التطبيق على وجه السرعة. ورفض عرفات الرد على سؤال هل لمس خلال اجتماعه مع باول ان الادارة الاميركية ستمارس ضغوطاً على شارون لتنفيذ توصيات ميتشل، مشيراً الى انه "لا يتدخل في العلاقات الثنائية بين الطرفين، وعلينا الا ننسى طبيعة العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة". وشدد عرفات على ضرورة توفير رقابة دولية علي تنفيذ توصيات ميتشل مشيراً الى "التجربة الناجحة" لرقابة الاوروبيين على قرار وقف اطلاق النار في منطقة بيت لحم منذ اكثر من اسبوعين، وقال ان الهدوء التام عاد الى بلدة بيت جالا "ونأمل بأن تستكمل هذه التجربة في بقية الاراضي الفلسطينية". واكد استمرار الانتفاضة الفلسطينية "الشعبية" مشيراً الى اعتداءات المستوطنين المتواصلة على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم. وفي رده على سؤال، طالب عرفات الحكومة الاسرائيلية باعتقال الجنود والمستوطنين الذين قتلوا فلسطينيين. وعلى صعيد آخر، قال عرفات انه لا يحدد "شريكه" في المفاوضات مؤكداً استعداده لأن يكون شريكاً مع شارون "الذي انتخبه الشعب الاسرائىلي" في العملية السلمية على اساس قراري الاممالمتحدة 242 و338، واذا التزم الاخير الاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ابتداء من حكومة اسحق رابين. وقال عرفات انه ليس مهماً ان يصافحه شارون او لا يصافحه: "لا تنسوا انه وقف الى جانبي في واي ريفر عندما وقعنا الاتفاق في زمن حكومة نتانياهو. ليس مهماً ان يضع يده في يدي، المهم ان ينفذ الاتفاقات". وكشف ان الاتصالات بين القيادة الفلسطينية وعمري نجل شارون مستمرة، ووصف عمري بأنه "متفتح العقل". واكد ان مفاوضات كمب ديفيد وطابا التي جرت مع حكومة ايهود باراك السابقة وصلت الى مرحلة متقدمة جداً، لكنه اشار الى ان الاخير "أعد خطة حقل الاشواك لقمع الانتفاضة الفلسطينية كما ان شارون اعد خطة المئة يوم". ونفى عرفات ان يكون لمس من الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون تعاطفاً "دينياً" مع اليهود، وقال: "لمست من الرئيس كلينتون كل احترام وتقدير عندما كنت اتحدث عن المقدسات المسيحية والاسلامية، كما انه اعرب عن تقديره واحترامه لمواقفي".