قدم المشروع المصري - الليبي الذي سلم الى اطراف اساسية في الازمة السودانية وسط اجواء من التكتم، خريطة حل سياسي للمشكلة يقرّ مبادئ عامة يتم على اساسها وقف القتال بين الفرقاء، وتشكل حكومة انتقالية تعقد مؤتمراً قومياً يقرّ اصلاحات دستورية جوهرية، وتجري انتخابات عامة حرة. لكن المشروع الذي اطلعت "الحياة" على نسخة منه مرشح لعقبات عدة اهمها غياب طرح معالجة جديدة لمسألة تقرير المصير للجنوب الذي يطالب به الجنوبيون، كما ان تشكيل الحكومة الانتقالية من "القوى السياسية كافة" يعني انتهاء حكم "الانقاذ" عمليا بمجرد خروج مؤسسة مجلس الوزراء من يده. وحوى المشروع ثمانية مبادئ عامة مضمونها على النحو الآتي: وحدة السودان ارضاً وشعباً، واقرار التعددية الحزبية وقبول التعدد الديني والعرقي والثقافي في البلاد، واعتبار المواطنة اساساً للحقوق والواجبات، وضمان الحريات الاساسية وكفالة حرية التعبير والتنظيم، وفصل السلطات والاصلاح الدستوري والتزام حقوق الانسان، وقيام حكم لامركزي في اطار الوحدة يكفل تنمية متوازنة، وقومية الجيش، وسياسة خارجية تراعي المصالح القومية. ورأت المذكرة المصرية - الليبية انه بمجرد الموافقة على هذه المبادئ العامة تتعهد الاطراف وقف القتال تماماً. واعتبرت ان تشكيل حكومة انتقالية يمثل آلية لتنفيذ المبادئ. وتتولى هذه الحكومة التي نصت المذكرة على تشكيلها من "القوى السياسية كافة" مهمات تنظيم مؤتمر قومي لإقرار الدستور بعد ادخال الاصلاحات اللازمة عليه، وتحديد موعد الانتخابات العامة الحرة وفقاً لمقررات المؤتمر الدستوري. وبدا من صياغة المذكرة انها ستكون مقبولة عموماً للحزبين الكبيرين الامة والاتحادي الديموقراطي، اللذين يركزان على اقصر الطرق الى صناديق الاقتراع، لكنها لن تلقى الاستقبال ذاته من قوى تريد تسجيل النقاط وتحقيق مكاسب قد لا يتيحها اللجوء بسرعة الى رأي الناخبين. واستطلعت "الحياة" آراء معنيين، على رغم ان المعلومات عن نص المذكرة محصورة فقط في قياديين في الحكومة والتجمع الوطني الديموقراطي المعارض وحزب الامة، وخرجت بانطباع ان عقبات جوهرية ستعترض المشروع الجديد للمبادرة المصرية - الليبية المتعثرة منذ عامين. وتجاهلت المذكرة التي تعتبر خريطة للحل اكثر من كونها نصاً نهائياً، باعتبار ان ردود القوى السياسية قد تدخل تعديلات على صياغتها، مسألة رئاسة الجمهورية ما يعني قبول الوضع القائم فيها. علماً بان الرئيس عمر البشير بدأ قبل اشهر ولاية تستمر خمس سنوات. ولم تُقدم المذكرة ايضاً الى حزب المؤتمر الوطني الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي وعدد من الفصائل الجنوبية، واكتفى الوسطاء ب"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق من بين القوى الجنوبية. وبدت عبارة "تشكيل حكومة انتقالية من القوى السياسية كافة" غامضة في شأن تمثيل القوى الاخرى باستثناء تلك الموقعة على اعلان طرابلس الذي انطلقت منه المبادرة وهي الحكومة والتجمع وحزب الامة. وينتظر ان تجد حركة قرنق نفسها على خلاف مع المقترحات في شأن ثلاث مسائل هي: عدم ذكر "تقرير المصير" وهو كان الاعتراض الاول للحركة على المبادرة لدى اطلاقها، والحديث عن "اصلاح دستوري" بدلاً من دستور جديد، وعدم السعي الى دمج المبادرة مع مبادرة دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ايغاد التي يؤيدها قرنق بالكامل. اما الحكومة الحالية فستجد صعوبة في ابتلاع مسألة الحكومة الانتقالية، التي تشير عملياً الى انتهاء عهد "الانقاذ" الذي يحتفل بعد غد السبت بعيده الثاني عشر من دون التعرض لتهديد ماثل. وعلى رغم ان المقترحات لم تضع مؤسسة رئاسة الجمهورية على طاولة البحث وضمنت بقاءها، الا انها لم تمنع عملياً اعادة رسم صلاحياتها وحدودها من خلال مناقشة المؤتمر القومي للاصلاحات الدستورية التي تشمل صلاحيات الرئاسة. وتشمل هذه المؤسسة الرئيس ونائبيه علي عثمان محمد طه وموسيس مشار وعدداً من المستشارين في مجالات مختلفة، اضافة الى المسؤولية المباشرة عن ملفات مهمة مثل السلام والحكم الاتحادي والاجهزة الامنية.