شهدت القدس أخيراً مشروعاً متكاملاً للحفاظ على مجموعة أثرية متكاملة من خلال ترميمها وتوظيفها لخدمة المجتمع المقدسي. المشروع يهدف الى ترميم مجموعة من البنايات الأثرية المتجاورة والتي تشكل مع بعضها كتلة معمارية وأثرية كبيرة. عرفت هذه المجموعة باسم "دار الايتام الاسلامية"، نسبة إلى أحدث منشآت هذه المجموعة المعمارية، إذ شيدت في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. تقع دار الأيتام داخل أسوار القدسالشرقية على مسافة 150 متراً من الحرم القدسي الشريف. وتبلغ مساحة هذه المجموعة الأثرية ستة آلاف متر مربع، ويقوم على ترميم المجموعة الأثرية برنامج إعمار البلدة القديمة في القدس الذي تديره شادية طوقان. ويقوم على تنفيذ مشروع الترميم خبير الترميم المصري صالح لمعي، بتمويل حاكم إمارة الشارقة في الامارات العربية المتحدة وبموازنة قدرها 3 ملايين دولار اميركي. ويقول صالح لمعي ل"الحياة" إنه بدأ برفع هذه المجموعة الأثرية، والتي اتضح تعدد مناسيبها وهو ما يزيد من صعوبة العمل فيها، ثم جرى توثيق وضعها وأقيمت لها اقامة شبكة صرف متكاملة ثم عولجت الشروخ المعمارية واستبدلت الأحجار التالفة وأزيلت مواد البناء الحديثة. وتواكب هذا مع مشروع لتدريب الشباب الفلسطيني في القدس على أعمال الترميم الأثري. وتقرر استغلال بنايات المجموعة في مشاريع لخدمة المجتمع المقدسي. تتكون مجموعة دار الايتام من عدد من البنايات الاثرية، منها دار الست طنشق بنت عبدالله المظفرية التي كانت جارية مملوكة لأحد الأمراء المماليك لقبه المظفر. ومن المرجح أن هذه الدار شيدت سنة 794ه/ 1391م، أي في العصر المملوكي الجركسي، ولها وقفية تحدد معالمها، وذكرها مؤرخ القدس مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل". وثاني هذه البنايات رباط باريام جاويش، الذي شيد في العام 947ه/ 15940م خلال حكم السلطان العثماني سليمان القانوني. وأقيم الرباط مجاوراً لبيت طنشق، ومشيد هذا الرباط هو بايرام جاويش بن مصطفى الذي عين في العام 947ه ناظراً على أعمال البناء في سور القدس. وتتكون البناية من رباط ومقبرة للمؤسس ومكتب لتعليم الأولاد عُرف في ما بعد باسم المدرسة الرصاصية. وتعرضت قبة المكتب المخصص لتعليم الأولاد الى التصدع، ما دعا قاضي القدس الى أمر ناظر وقف الرباط بتعميرها. وثالث هذه البنايات تكية خاصكي سلطان. انشئت هذه التكية بأمر من السلطان العثماني سليم الثاني تكريماً لوالدته التي نسب البناء اليها، وهي كانت زوجة السلطان سليمان القانوني ولقبت بخاصكي سلطان، واسمها الاصلي روكلسانة وهي روسية الأصل. وشيدت هذه التكية العام 959ه/ 1552م، بعد ارسال معلمي البناء والنجارين والفنيين الى القدس لعمارة هذه التكية التي لها مسودة وقفية باللغة التركية، ما يدل على معرفة كاملة بعناصر البناء قبل الشروع فيه. ويوجد نص الوقفية باللغة العربية في سجلات محكمة القدس الشرعية، وهي تشتمل على عدد من المنشآت المعمارية، منها مسجد بأروقة وقبة، وبني على الأرجح على مثال المساجد العثمانية في العالم العربي، وأبرزها مسجد الملكة صفية في القاهرة، وفي مواجهة المسجد شيدت بناية تحتوي على مطبخ وفرن ومخزن وصوامع لغلال وساحة ومبان أوقفت على الفقراء والمساكين وزمرة من الضعفاء والمحتاجين. وهناك أيضاً أكثر من 50 حجرة كانت مغطاة بقباب يرجح صالح لمعي أنها كانت مشابهة للتكية السليمانية في دمشق، كما اشتملت التكية على خان أوقف على عابري السبيل. وفي القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي وجدت مدرسة داخل التكية عرفت بالمدرسة الخاصكية ولعل بعض الوحدات السكنية تحولت الى فصول دراسية، وزار التكية الرحالة النابلسي في 1690م وكانت عامرة. وأشار إلى القبة الموجودة حالياً داخل التكية، وهي تخص الشيخ سعد الدين الرصافي صاحب كتاب "المنهل الصافي والمشرب الوافي". وفي عهد الانتداب البريطاني سلم الوقف الى المجلس الإسلامي الأعلى الفلسطيني. ورابع هذه البنايات المدرسة الماوردية، ويرى صالح لمعي أنها تنسب الى شيخها المسمى الماوردي، وتذكر سجلات المحكمة الشرعية في القدس أنها تعود الى سنة 1060ه/ 1650م. وخامس البنايات، دار الحكومة التي شيدت عام 1869 على جزء من دار الست طنشق، وذلك في عهد السلطان العثماني عبدالعزيز على يد متصرف القدس الوالي محمد راشد باشا. وسادس هذه البنايات سراي العدل التي يرى مدير آثار القدس يوسف النتشة أنها ترجع الى عام 1871م، وهي تقع الى جوار دار الحكومة، وسراي العدل كانت مقر محكمة القدس الشرعية إذ كان يجلس فيها قاضي قضاة القدس.