لا يتساوى العالم حتى في الكسوف، بل ينقسم الى شمال غنيّ أبيض تقوم الدنيا لكسوف شمسه ولا تقعد، في مقابل ظل معتم للقمر على جنوب فقير أسود، كأنه "مكسوف" من هول آلام شعوب أفريقيا الحزينة. وفي 11 آب اغسطس 1999، مرّ الكسوف فوق أوروبا وبعض آسيا، بما في ذلك بلاد العرب. كان ذلك مروراً مدوياً وتظاهرة إعلامية أصمّت الآذان. واختار الكسوف الأول في القرن الحادي والعشرين، ممراً افريقياً ل"ليل منتصف النهار"، على ما يوصف به. ولم يلهث الاعلام العالمي في ملاحقة الظل القمري الذي لامس مياه الاطلسي بعيداً من شواطئ أميركا الجنوبية. وشاهد بعض قبائل البرازيل الكسوف الجزئي في الصباح الباكر. وسارت عتمة الكسوف ومسحت وجه القسم الجنوبي من الكرة الأرضية بسرعة 2000 كيلومتر في الساعة. وخلال ثلاث ساعات، دخل الكسوف افريقيا من شواطئ أنغولا المنهكة من حروب أهلية واقليمية مديدة. وعبرت العتمة الكاملة الى زامبيا، وكانت لوساكا العاصمة الافريقية الوحيدة التي شهدته تاماً. واحتشد في حديقة "كافو" الوطنية مزيج من اطفال لبس بعضهم نظارات خاصة لمتابعته، وجاء علماء من الغرب بمناظير ضخمة لمتابعة هذا الحدث الفلكي. وتنعم العلماء بخمس دقائق كاملة من الكسوف الكلي. وقال احدهم ان الالتماعة الاخيرة للشمس، حين تبدو كألماسة في خاتم، كانت الأشد توهجاً لناظريه. وتذكرت قبائل زامبيا أساطير عن علاقة الكسوف مع مصائر الشعوب. ففي العام 1835 كانت قبيلة "نغوني" على وشك الانتصار على قبيلة "مافيكان" في جنوب افريقيا. وقبل ان يعبر محاربو نغوني نهر زامبيزي، كسفت الشمس فهلعت قلوبهم واعتقدوا بأنها نذير، فارتدوا الى ديارهم الزامبية مفوّتين نصراً سانحاً. وهرول الكسوف عابراً زيمبابوي وموزامبيق حيث دماء حروب القبائل وصراع الاثنيات ما زالت طرية. وابتردت الظلال قليلاً في المياه قبل عبورها جزيرة مدغشقر، ثم غطست في مياه المحيط الهندي وتبددت. وفي هذا الليل القصير، التمعت كواكب الزهرة وعطارد والمريخ الذي هو الآن في اقرب مسافة الى الأرض منذ 15 عاماً. وإن سألت تلك الكواكب نفسها عن الخيط الذي يجمع دول ممر هذا الكسوف، تكون الاجابة: أعلى معدلات الإيدز، وأشد زحف للتصحر وأقوى معدلات الفقر وأدنى معدلات الدخل في العالم.