شهدت ندوة دولية بدأت أعمالها في برلين امس جدلاً تناول اعطاء دفعة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين المانيا، التي تُعتبر ثالث اقتصاد عالمي واكبر قوة اقتصادية في القارة الأوروبية، وبين العالم العربي الذي يعرف تغييراً جذرياً في المناهج الاقتصادية المطبقة باتجاه مزيد من الليبرالية، وسط تباين في وجهات النظر بين دعوات المانية للدول العربية للانفتاح وازالة العوائق البيروقراطية امام تدفق رؤوس الاموال، والدعوات العربية لألمانيا لتطوير السياسات الاقتصادية المتبعة مع الدول العربية وضرورة قيامها بنقل خبراتها الى الاسواق العربية لمساعدتها على بناء صناعات تصديرية وسيطة اكثر كفاءة. وكانت قيمة المبادلات بين المانيا والعالم العربي ارتفعت الى 20 بليون دولار. حض وزير الاقتصاد والتكنولوجيا الاتحادي الألماني فيرنر موللر على تطوير العلاقات بين بلاده والدول العربية لتصل الى "مستوى من النمو المستقر" معتبراً ان هذا الأمر يتطلب من البلدان العربية "تحديث الاقتصاد القومي". وقال في الجلسة الافتتاحية ل"الملتقى الاقتصادي العربي - الالماني" الرابع ان "المانيا تقدم نفسها كشريك مستقر وراسخ، وهي حريصة على تطوير الاعمال على مستوى المؤسسات الاقتصادية" الثنائية. ويعتبر المنتدى الذي يعقد للسنة الرابعة على التوالي اكبر تجمع لرجال الاعمال العرب والالمان ونظرائهم الأوروبيين. وتنظمه "غرفة التجارة العربية - الألمانية" و"اتحاد غرف التجارة والصناعة الالمانية" في برلين سنوياً. وبلغ عدد غرف التجارة والصناعة المحلية المشاركة 82 غرفة، وسُجل حضور كبير من رجال الاعمال الالمان والعرب ووزراء وسفراء ومسؤولين عرب. وكان من المنتظر ان يكون رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري المتحدث الرئيسي، الا انه عاد واعتذر عن عدم الحضور. وتتنوع الندوات المنظمة التي تشهد "حواراً مفتوحاً بين سياسيين وممثلي أعلى الهيئات والمؤسسات الاقتصادية في المانيا والدول العربية" بين مناقشة "سياسات الاصلاح الاقتصادي وفرص الاستثمار في الدول العربية" وورش عمل "الاستثمار والبنى التحتية" و"الاتصالات والتجارة الالكترونية" و"البيئة والزراعة" و"التمويل والقوانين والتأمين" و"التسويق الاعلامي للمعارض وأساليب دعم الاقتصاد والسياحة والتعليم وتنميتها" على ان تصدر في الجلسة الأخيرة للملتقى مساء اليوم توصيات الملتقى التي ستوجه الى الحكومات العربية والحكومة الالمانية وقطاعات الاعمال في المانيا والعالم العربي. وقال الوزير موللر ان "حجم السوق العربية يقارب 400 مليون نسمة وفيها طاقات تطويرية يتعين الاستفادة منها وتنشيطها" مؤكداً اقتناعه بأن هذا الأمر يتيح "فرصاً مغرية أمام الصناعة الالمانية" ومشيراً الى ان "المجموعة العربية شريك مهم وجذاب، وما يدعم ذلك هو كبر حجم السوق والطاقات الكبيرة من موارد طبيعية وأيد عاملة في دول عدة بدأ اقتصادها يستقر، اضافة الى العلاقات العريقة والقديمة التي تربط المانيا بالعالم العربي". نعم للعراق لكن... وفي حديثه عن العراق أكد موللر ان "لا حل في الأفق لمسألة العراق". وقال: "هناك جهود تبذل لايجاد حل لتخفيف العقوبات ولبرنامج النفط مقابل الغذاء الذي انتهى في الرابع من الشهر الجاري ولم يمدد سوى 30 يوماً. الا ان الحكومة العراقية لم تظهر رغبة في التعاون مع الاممالمتحدة". وأضاف: "رد الفعل العراقي الذي رأيناه كان ايقاف الصادرات النفطية ونحن نأسف له". واكد ان "حكومة المانيا الاتحادية مع تطبيق قرارات الاممالمتحدة. لكنها تريد ان تربط سياستها بالتقاليد العريقة لعلاقتها مع العراق اذا كان ممكناً". وأشار الى خطوات ايجابية في العلاقات مع العراق منها ان نائب رئيس الوزراء العراقي نزار حمدون زار برلين في تشرين الأول اكتوبر الماضي وأجرى محادثات للتشاور. وقال: "كان هناك استعداد الماني بعد سنوات من الانقطاع لايجاد حوار مع العراق". علاقات مميزة مع دمشق وعبر عن وجود أجواء ايجابية متبادلة بين برلينودمشق ستسهم حتماً في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقال: "في الثاني من نيسان ابريل الماضي التقينا مع وزير الاقتصاد السوري محمد العمادي. واكتشفنا انه بعد زيارة المستشار الالماني غيرهارد شرودر الى سورية في تشرين الأول وعقد اتفاقات لإعادة جدولة الديون فإن العلاقات مع سورية شهدت تحسناً اضافياً". وأكد في تصريح يحمل دلالة واضحة على ان "هذه الرغبة في تحسين العلاقات ستنعكس في الزيارة التي سيقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد الى المانيا الشهر المقبل". ووصف زيارة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله الأخيرة الى برلين بأنها ترتدي "أهمية استراتيجية في تطوير العلاقات الالمانية مع المنطقة ككل". وقال عن ولي العهد السعودي انه "سيسعى الى تحرير الاقتصاد السعودي وتطويره وتشجيع القطاع الخاص وتشجيع السياحة". مشيراً الى ان "قانون الاستثمار الجديد سيحسن الاطار العام للاستثمارات الخارجية". وأشار الى ان وزير المال الأردني أتى الى برلين نهاية الشهر الماضي ليشرح اهتمام الأردن "بزيادة الاستثمارات الالمانية سيما وان برنامج التخصيص يسير في شكل جيد والحكومة الأردنية تريد العمل على تطوير البيئة". وعبّر عن أمل المانيا بتحسن علاقاتها مع الجزائر مشيراً الى زيارة الرئيس بوتفليقة الى برلين مطلع الشهر الجاري، والى اللقاء الذي جرى الشهر الفائت في الجزائر بين رجال الاعمال الالمان والجزائريين، منوهاً الى تكفل وزارته بتمويل معرض الماني في الجزائر سينظم لمدة اسبوع. مشكلة مالية مع ليبيا واكد الاهتمام ايضاً بالملف الليبي، وقال: "أود ان أذكر الملتقى الالماني - الليبي الذي عقد في اوفنباخ. وحكومتا الدولتين تسعيان الى ايجاد حل للمشكلة المالية بين البلدين" من دون اعطاء مزيد من التفاصيل. وختم كلمته بالإشارة الى "رغبة الدول العربية في تحسين اقتصاداتها وتنويعها". وقال: "تنوي المانيا العمل على تحقيق هذا التقدم وهي ستسعى للعمل مع الدول العربية لإزالة التوترات السياسية يداً بيد". نقد سعودي وحملت كلمة السفير السعودي في برلين عباس فائق غزاوي باسم رؤساء البعثات الديبلوماسية العربية في المانيا نقداً واضحاً للكيفية التي تقوم عليها العلاقات الاقتصادية بين برلين والعالم العربي. وقال غزاوي، وهو عميد السلك الديبلوماسي العربي: "شهد التبادل التجاري بين المانيا والدول العربية نمواً ملحوظاً بمتوسط سنوي قدره 23 في المئة منذ عام 1998. وكذلك الأمر بالنسبة الى التعاون في المجال السياحي الذي سجل نسبة نمو أعلى". وارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين المانيا والعالم العربي الى 42.5 بليون مارك نحو 20 بليون دولار وقد يكون السبب ارتفاع اسعار صادرات النفط التي زادت بنسبة 11 في المئة. وتعتبر المانيا أكبر سوق موردة للسياح في العالم العربي اذ ارتفع عدد السياح الالمان من 1.6 مليون سائح عام 1995 الى 2.5 مليون سائح العام الماضي. وبينما قال مدير عام "مجموعة الاقتصاد والاعمال" رؤوف ابو زكي ان العلاقات الاقتصادية الالمانية - العربية لا تزال تواجه كثيراً من المشاكل بسبب استئثار صادرات النفط والغاز بنسبة 75 في المئة من الصادرات العربية التي تبقى تعاني من نقص التنوع، واكد السفير غزاوي ان "البيئة الهيكلية للتبادل التجاري لم تتغير، اذ لا تزال الصادرات العربية من المواد الأولية الخام، في حين تشكل الآليات والسلع المعمرة أهم الواردات العربية من المانيا". وانتقد السفير السعودي كون "الميزان التجاري لا يزال يميل ميلاً كبيراً لصالح المانيا". وقال: "لا بد من تعديل ذلك عبر تسهيل دخول مزيد من الصادرات العربية الى السوق الالمانية التي تعتبر من أهم الاسواق الأوروبية". وأشار الى ان هناك منتجات عربية مميزة تراوح بين الصناعات النسيجية والغذائية والبتروكيماوية. وحض على ضرورة "تشجيع تدفق الاستثمارات بين الجانبين على ان يتم تركيز الجهود على المشاريع المشتركة التي يتم من خلالها الجمع بين الخبرات المتراكمة والرساميل التي تبحث عن فرص أفضل". وقال في رد على كلمة الوزير الالماني التي ربطت قدوم الاستثمارات الالمانية بإحلال السلام: "لا بد من وقفة اساسية ومهمة للضمير العالمي لتحديد من هو مسؤول عن انهيار السلام في منطقة الشرق الأوسط: هل هي الحجارة في يد الاطفال العزل أم الدبابات التي تقتل الأبرياء". ودعا الى "المعالجة بمقياس واحد وليس المعالجة بمعايير مختلفة. ولو حدث مثل ذلك في كوسوفو أو البوسنة أو أي دولة اخرى سيتحرك العالم في صورة مختلفة ما عدا في فلسطينالمحتلة". ونوه جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي في أبوظبي الى طبيعة "التحول الكبير في المناهج والسياسات الاقتصادية لا سيما في السنوات العشر الأخيرة مع التحول عن المناهج الاقتصادية الموجهة الى مناهج اكثر ليبرالية".