على رغم تنظيم عشرات المسابقات في كرة المضرب سنوياً، فان بطولة ويمبلدون الإنكليزية التي تنطلق الاثنين المقبل وتستمر لمدة اسبوعين، تبرز دائماً في مفكرة لاعبي ومحبي هذه اللعبة، ليس فقط لأنها اهم بطولات الجائزة الكبرى أو البطولات الأربع الكبرى فلاشينغ ميدوز الأميركية ورولان غاروس الفرنسية وملبورن الاسترالية أو لأنها اقدمها على الإطلاق اذ بدأت عام 1877، بل لأنها الحدث السنوي الأكثر حضوراً ومتابعة والأكثر إقبالاً من بين عشرات الدورات. وبطولة ويمبلدون تبث مباشرة لأكثر من 150 دولة في كل انحاء العالم، وتستقبل ملاعبها نحو نصف مليون مشاهد سنوياً. وهي لم تتوقف الا بسبب الحربين العالميتين، وشهدت مجموعة كبيرة من أفضل المباريات في تاريخ كرة المضرب. وارتبط اسم المشاهير من اللاعبين بلقبها امثال آرنست ريتشو ورود لافر وبيورن بورغ وجيمي كونورز وجون ماكنرو وايفان ليندل وبوريس بيكر، اضافة الى اللاعبين الحاليين. ولدى السيدات برزت بيلي جين كينغ ومارتينا نافراتيلوفا وكريس ايفرت وشتيفي غراف وغيرهن. غير أن بطولة هذا العام وهي تحمل الرقم 114 قد تشهد انسحابات بالجملة لأبرز نجوم اللعبة لأسباب عدة من بينها الاصابة، أو الاعتراض على قوانين المسابقة، أو عدم الرضى عن اللعب على أرض معشبة. وسُحبت اول من امس في لندن قرعة الدور الاول رجال وسيدات، وسيبدأ الاميركي بيت سامبراس المصنف اول الدفاع عن لقبه بمواجهة الاسباني فرانشيسكو كلافيت. ومن المفترض ان يتخطى الاميركي، حامل اللقب 7 مرات آخرها العام الماضي، الدور الاول لأنه صاحب الاختصاص على الملاعب العشبية. ويخوض الاميركي الآخر اندريه آغاسي المصنف ثانياً مباراة سهلة في هذا الدور ضد الهولندي بيتر فيسلز. وعلى الصعيد العربي سيلعب المغربي هشام ارازي المصنف 27 مع الاسباني دافيد سانشيز، ومواطنه يونس العيناوي مع الهولندي ادوين كيمبيس. وسيغيب عن البطولة البرازيلي غوستافو كويرتن، بطل رولان غاروس، والاسترالي مارك فيليبوسيس والتشيلي مارتشيلو ريوس المصنفين في المراكز 1 و9 و34 عالمياً بداعي الاصابة، والاسباني اليكس كوريتخا 19، بسبب معارضته المعايير المتبعة في التصنيف، فيما فضل الإسباني البيرتو كوستا حضور حفلة زفاف شقيقه عن المشاركة. وفي منافسات السيدات، تستهل الاميركية فينوس وليامس المصنفة ثانية حملة الدفاع عن لقبها بمواجهة اليابانية شينوبو اساغوي، في حين تلتقي مواطنتها ليندساي ديفنبورت المصنفة ثالثة مع السلوفاكية مارينا سوتشا. وستسعى السويسرية مارتينا هينغيس المصنفة اولى، الى ان تفك سوء الطالع الذي يلازمها منذ 30 شهراً والمتمثل في فشلها في احراز لقب احدى بطولات الجائزة الكبرى، وهي ستلعب مع الاسبانية فيرجينيا روانو باسكوال في الدور الاول. وتبدأ الاميركية جنيفر كابرياتي الرابعة حملتها لاحراز لقبها الثالث على التوالي في البطولات الكبرى هذا العام وفي مسيرتها الاحترافية بمواجهة الفنزويلية ماريا اليخاندرو فينتو... وربما تكون ابرز الغائبات الاسبانية ارنتشا سانشيز فيكاريو. المرشحون والمرشحات سارع منظمو البطولة الى تشجيع المشاركة في المسابقة بعدما صرح غير لاعب ابرزهم الإسباني اليكس كوريتخا من انزعاجه من اللعب على ملاعب عشبية وعدم رضاه عن التصنيف المتعامل به في ويمبلدون، فرفعوا عدد المصنفين من 16 الى 32 لفئتي الرجال والسيدات لإتاحة فرصة بقاء أفضل اللاعبين في العالم في الأدوار اللاحقة من البطولة، لتكون ويمبلدون بالتالي أول بطولة كبرى من الأربع تتخذ مثل هذا القرار. وبغض النظر عمّن يشارك سيكون "ملك الملاعب العشبية" الأميركي بيت سامبراس المرشح الأبرز للحفاظ على لقبه وتحقيق انجاز جديد بالفوز بهذه البطولة خمس مرات متتالية، علماً أنه فاز باللقب سبع مرات في الأعوام الثمانية الأخيرة، وسيزاحمه على اللقب مواطنه بطل عام 1992 اندريا اغاسي، فيما سيكون البريطانيان تيم هينمان وغريغ روسيدسكي مرشحين بفضل الدعم الجماهيري الكبير المتوقع ان يقف خلفهما على غرار كل عام. من الأكيد ان شعبية مسابقة السيدات ستستمر في التصاعد، فإلى جانب ما يجذب الجمهور من حسن وجمال فإن الإثارة الفنية ستكون على أشدها هذا العام، فالأميركية جينفر كابرياتي أخذت زمام المبادرة بإحرازها أول اكبر لقبين هذا العام ملبورن ورولان غاروس، وهي تشكل الخطر الأكبر على لقب مواطنتها فينوس ويليامز وعلى حظوظ شقيقتها سيرينا، فيما يحوم الشك حول القدرة النفسية ل"ملكة سيدات كرة المضرب" هينغيس وما يشغلها من قضية قانونية رفعتها ضد إحدى شركات صنع الأحذية، الى عودة علاقتها مع والدها أخيراً ومدى تأثيرها على علاقتها مع والدتها، فضلاً عن خسارتها في آخر لقاءين امام كابرياتي، وهي اعترفت "أنا الرقم 1 في العالم، لكن كابرياتي هي افضل لاعبة حالياً". فيما تستعيد بطلة العام قبل الماضي الأميركية ليندساي ديفنبورت عافيتها ببطء، لكنها تبقى ضمن المرشحات. وسيبرز بشكل لافت غياب الفرنسية ماري بيرس الذي تأكد انسحابها بسبب اصابة في الظهر، ومواطنتها اميلي ماوريسمو للإرهاق، كما يحوم الشك حول مشاركة الروسية آنا كورنيكوفا وسيشكل غيابها، في حال انسحابها رسمياً، خسارة كبيرة للبطولة وخصوصاً من الناحية الجماهيرية في عدد الحضور كما يتوقع المسؤولون. ويبلغ مجموع جوائز المسابقة 360،497،8 ملايين جنيه نحو 13 مليون دولار، وبزيادة بنسبة 5،5 في المئة على الموسم الماضي، وسيتقاضى بطل الرجال نصف مليون جنيه نحو 800 ألف دولار، وبطلة السيدات 500،462 الف جنيه نحو 750 ألف دولار. تقاليد وعراقة مثلما ينتظر عشاق كرة القدم مونديال كأس العالم أو النهائيات القارية وما يصاحبها من اجواء الكرنفال بفارغ الصبر، فإن قرية ويمبلدون تخرج عن تقاليدها وأعرافها المعتادة لأكثر من 11 شهراً لتحتفل بهذا العرس السنوي، فتزين المحال على ضفتي الشارع الرئيسي الذي يتجمع فيه نجوم اللعبة وعشاقها جنباً الى جنب، كما يكثر رجال الصحافة والمصورون في هذه البقعة من البلاد بشكل لافت وتغص المطاعم والمقاهي بالمحتفلين حتى ساعات الصباح الأولى كل يوم لمدة أسبوعين. ولن تكتمل احداث بطولة ويمبلدون ان لم يتوقف بعض مبارياتها للسماح للسماء بافراغ ما بجعبتها من امطار على ملاعب هذه القرية في هذا الشهر من كل عام، فلقد اصبح هذا الامر نوعاً من التقليد حتى بات منظمو المسابقة ومسؤولو النقل التلفزيوني يعدون مسبقاً ما يمكن ان يقدموه في أي لحظة يهطل فيها المطر مما يسلي المشاهدين داخل الملاعب امام شاشات التلفزيون. وأصبح المغني البريطاني الشهير كليف ريتشارد رمزاً من رموز البطولة لأنه يطرب الحاضرين كلما حل المطر في السنوات الأخيرة. وتتميز بطولة ويمبلدون عن غيرها من البطولات الأربع الكبرى كونها تقام على ملاعب عشبية تتطلب من اللاعبين تحركات وجهد اكبر منها على الملاعب الصلبة او الترابية او الصلصالية، كما تقل قوة ارتداد الكرة وتختلف درجات انعكاسها عما يعتاده اللاعب أو اللاعبة على الملاعب الأخرى، ويمنع ارتداء غير اللون الأبيض كزي رسمي في هذه البطولة العريقة. وتتوزع ملاعب ويمبلدون ال19 على قرية صغيرة تقع في منطقة ويمبلدون جنوب غربي العاصمة لندن، ويتوسط هذه الملاعب متحف يضم اشرطة تسجيلية لأبرز اللاعبين وأجمل المباريات منذ عام 1920 حتى وقتنا الحاضر، ومجموعة منوعة من التذكارات "الميمورابيليا" منها كؤوس البطولة الأصلية، وعرض تفصيلي لكيفية صناعة المضرب وأوجه اختلاف الجديد عن القديم منها، إضافة الى العشرات من الصور والأرقام والأحداث التاريخية التي لا يمكن ان تنسى ابداً.