قلّل خبيران في قطاع الاتصالات، تحدثت اليهما "الحياة"، من المخاوف التي عبَّر عنها اكثر من مسؤول لبناني عن فشل الحكومة اللبنانية في استقطاب عروض "ثمينة" لرخصتي الهاتف الخلوي. وإذ لم يسقطا من الاعتبار تأثيرات الأسواق الدولية في الأسعار، أجمعا على تميّز السوق اللبنانية عن باقي الأسواق الاقليمية في هذا الحقل. والثابت، في رأي الخبير في قطاع الاتصالات العضو في الاتحاد الدولي للاتصالات الدكتور رياض بحسون، والاستشاري في التخصيص وتنظيم قطاعات الاتصالات والنقل والطاقة الدكتور كمال شحادة، "أن هذا القطاع، منذ تأسيسه ووضعه في الخدمة عام 1995 الى الآن، شهد تطوراً واقبالاً تخطيا التوقعات، على مستويات عدّة: لقدرة السوق اللبنانية على استيعاب اي منتوج جديد في تكنولوجيا الاتصالات وارتفاع عدد المشتركين في شكل تجاوز التقديرات وتصنيف المستهلك اللبناني في مستوى نظيره الأميركي أو الفنلندي لجهة ما ينفقه شهرياً على فاتورة الخليوي. ولا يتفق بحسون وشحادة مع المواقف التي تحفّظت عن التوقيت في اتخاذ قرار انهاء العقد لاعتبارات عدة. وأكدا أن "قراراً كان يجب أن يُتخذ قبل الآن، والتأخير في اتخاذه لم يعد جائزاً". فالعلاقة بين الحكومة والشركتين ارتهنت بالظروف والتدخلات السياسية، وشهدت جولات من المفاوضات لم تكن تفضي الى نتائج حاسمة، وبرزت في عهد حكومة الرئيس سليم الحص التي أضاعت فرصة لن تتكرر ربما في رأي كثيرين عندما رفضت عرضاً من الشركتين بتحويل عقد BOT الى رخصة بقيمة 7،2 بليون دولار. ورفضت الشركتان، في حينه الإقرار بالمخالفات. ونوقش العرضان في جلسات مجلس الوزراء لتأييد عدد من الوزراء الموافقة عليهما لاطفاء جزء من الدين العام. وكان وزير المال السابق جورج قرم الداعم الأول للعرضين، وأعلن وزير الاتصالات السلكية واللاسلكية السابق عصام نعمان انه دعم رفض العرضين لاسباب عدة هي: تدني ثمن الرخصة 900 مليون دولار وطول مدتها 20 سنة وتقسيط بدل المساهمة بدلاً من سداده دفعة واحدة أو على دفعتين أو القبول بدفع الفائدة المتوجبة عليه، ولأنه تلقى عرضاً من شركة "فودافون" بقيمة 1.3 بليون دولار ثمناً للرخصة لمدة 20 سنة، فضلاً عن 200 مليون دولار حداً أدنى لثمن المنشآت وامكان انشاء شركة عامة لاستثمار الرخصة تملك الدولة 30 أو 40 في المئة منها. وشكك نعمان، في بيان له، في توقيت انهاء العقدين قبل صدور قرار شورى الدولة الذي "يؤمل بأن يقرر بطلان البند الوارد" في العقد المتعلق بحق الشركتين في اللجوء الى التحكيم في حالات النزاع". وقال إنه "يملك معلومات تشير الى ارتباط بين هذا القرار وقرار انهاء العقدين". وأوضح ان "بطلان هذا البند يحرم الشركتين طريقاً مهمة من طرق المراجعة القضائية ويعزّز المركز التفاوضي للدولة حيال كل القضايا الخلافية العالقة مع الشركتين أو التي يمكن أن تستجدّ". القرار وقال بحسون ل"الحياة": "كان يجب اتخاذ قرار قبل الآن لإنهاء النزاع القائم بين الطرفين. والقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بالاجماع هو تنظيمي وتنفيذه صعب جداً. وعلى الخبراء أن ينصحوا الطرفين بالتخفيف من سلبيات هذا القرار والتركيز على ايجابياته. إذ لم يعد جائزاً استمرار الأزمة القائمة بين الوزارة من جهة والشركتين من جهة أخرى. وطول أمد هذا النزاع انعكس سلباً على عملية التطوير التكنولوجي وجمّد السوق اللبنانية، التي كان يفترض أن تستمر بالوتيرة التي شهدتها عند تأسيس هذه الخدمة". وأشار الى أن عدد المشتركين في الهاتف الخليوي بلغ قبل خمس سنوات حوالى 427 ألفاً، في حين كان عددهم في دولة الامارات 111 ألفاً، أما اليوم فيعدّون في لبنان حوالى 750 ألفاً، وفي الامارات حوالى 1.1 مليون مشترك. واعتبر ان الحجم الذي حققه الجيل الثاني GSM في العالم فاجأ الجميع حتى الذين اخترعوه، ولبنان من الدول التي سارت في ركب هذه الموجة، مقدراً أن يصل عدد المشتركين فيه مع تعميم نظام "UMTS" الى حوالى 5،2 مليون مشترك سنة 2012. ورأى أن ركود السوق في لبنان يعود الى سببين: الأول نظام "BOT" الذي لا يوصي الاتحاد الدولي للاتصالات باعتماده للاستثمار في قطاع الهاتف وادارته، لأنه يعيق عملية التطور التكنولوجي والاداري والرقابي. والثاني الازمة القائمة بين الوزارة والشركتين بسبب التدخلات والتجاذبات السياسية. وعن الحلول الممكنة أو البديلة، خيَّر بحسون، الذي شارك في المفاوضات العام الماضي بصفته خبيراً مستقلاً، بين الاستمرار في نظام BOT في ظل النزاع القضائي القائم، وهو أمر مرفوض لأسباب فنية، او التحول من BOT الى رخصة ضمن اتفاق حبي، "وهو ما عملنا عليه العام الماضي، وتوصلنا بعد مفاوضات الى عرضين بقيمة 7،2 بليون دولار، لكنهما رفضا في 15 حزيران يونيو". واعتبر ان القرار كان خاطئاً لأن الحكومة آنذاك قررت تحصيل ما يتوجب على الشركتين نتيجة المخالفات بحسب ما رأت، فالجهة المخوّلة الحكم على وجود هذه المخالفات هي القضاء. وأضاف: "كان القرار خاطئاً أيضاً لأن السعر الذي عرضته الشركتان كان جيداً، وكانت ظروف الأسواق الدولية ممتازة بعكس وضعها الآن، ظناً منها انها قد تحصّل مبلغاً يصل الى 4 بلايين دولار هذه السنة". وعن توقعاته للعروض والأسعار الآن، أبدى بحسون تخوفاً بأن يتلقى لبنان سعراً أدنى. لكنه لم ينفِ خصوصية السوق اللبنانية بين الدول التي تحتل المراتب الأولى في استخدامات الهاتف الخليوي وانفاق الفرد، ووضع لبنان في مستوى الولاياتالمتحدة وكندا وفنلندا، إذ تتقارب أرقام ما ينفقه المواطن في هذه الدول مع تلك التي ينفقها اللبناني، إذ يبلغ معدل ما يدفعه شهرياً كبدل لهذه الخدمة 200 دولار، في حين لا تتعدى 30 او 35 دولاراً في مصر والمغرب مثلاً. وشدّد بحسون على ألا يغفل دفتر الشروط واقع السوق اللبنانية القابلة للتطور السريع ولاستيعاب أي منتوج أو خدمة جديدة، وبالتالي المعطيات الفنية التي تؤثر كثيراً في فرض السعر الصحيح. وعن توقعاته لقيمة التعويضات، أوضح بحسون "انهم سيكلفون مؤسسة مالية للتقويم، ولن تأخذ بالمعطيات الفنية، بل المالية، ما يفضي الى تخمين متدنٍ". وتوقع على رغم الوضع الصعب وتراجع الأسواق ان ينجح لبنان في الحصول على سعر مرتفع، لأسباب تتعلق بتطور القطاع ودخول نظام "UMTS" وارتفاع عدد المشتركين شرط اعتماد نظام كفي وبعيد من التجاذبات السياسية". ورأى بحسون ان شركات عالمية مهتمة بدخول السوق اللبنانية عبر المزايدة، مؤكداً مشاركة "فرانس تيليكوم" وناصحاً شركة "ليبانسل" التفتيش عن شريك. واعتبر ان شركة "فودافون" قد تهتم بالاشتراك في المزايدة، لكنها تحسب دائماً المخاطر. ونصح الحكومة اللبنانية بتطوير استراتيجية قطاع الاتصالات حتى لا تعتقد الشركات المستثمرة انها مضطرة الى دفع ثمن سياسي، وشدد على ضرورة الاتفاق على قيمة التعويضات قبل حصول المزايدة لأن الرخصة مبدأ فني والتعويضات مبدأ مالي. هل خالفت الشركتان العقد فعلاً؟ قال بحسون: "نجحتُ في المفاوضات وفي تحصيل مبلغ 7،2 بليون دولار، لأنني رفضت تعبير مخالفات وما من شركة عالمية وضخمة مثل فرانس تيليكوم تقبل بهذا التعبير. وما من أحد لا يخالف وهذا لا يعني جرماً. والأسلوب الذي كانت تعمل بموجبه الشركتان من ضمن نظام يضر بالدولة، لكن التطور الذي فاق التوقعات فرض على الشركتين تخطي ما نص عليه العقد". واضاف: "نصحت الحكومة مرات عدّة بعدم الضغط على الشركتين. وعلى رغم صدور سندي التحصيل بقيمة 600 مليون دولار لم تسدداه وأحالتا القضية الى التحكيم". انهاء العقد حبياً وقال الدكتور كمال شحادة ل"الحياة" ان "انهاء العقد حبياً بحسب ما أعلنت الحكومة لم يكن يتوافر له الجو السياسي في السابق". واعتبر ان توقيت انهائه الآن أفضل من التأجيل، وكان ضرورياً اتخاذ القرار سلباً أو ايجاباً وانهاء النزاع الذي طال بين الدولة والشركتين. وأصبحت الدولة بعد هذا القرار في موقع يمكّنها من تعزيز وضع قطاع الاتصالات عموماً في لبنان وتكبير حجمه الى الحدود القصوى. وعن تأثير تراجع أسواق الاتصالات الدولية في الحصول على سعر مرتفع للرخصة، أوضح شحادة ان ما هو مطروح في لبنان ليس فقط بيع رخصة، بل أيضاً بيع منشآت ووجود كتلة تضم عدداً كبيراً من المشتركين. وأكد وجوب أخذ ظروف سوق الاتصالات في الاعتبار، من دون أن ننسى أن وضع لبنان مختلف عن أوضاع دول اخرى، لأن قطاع الهاتف الخليوي فيه ازدهر وتطوّر كثيراً وله مستقبل ممتاز. وأكد شحادة ان الانتقال الى الرخصة عبر اجراء المناقصة غير ممكن الا بعد اقرار قانون الاتصالات وتأسيس الهيئة المنظمة للقطاع. مشيراً الى أن هذا القانون سيضمن ايضاً حقوق المستثمرين وديمومة توظيفاتهم في لبنان. وقال: "ان التجارب في دول أخرى تثبت ذلك فالمناقصات الدولية لا تنجح الا اذا وجدت هذه الهيئة التي تتمتع بالاستقلال والكفاية والصلاحيات، خصوصاً ان المستثمرين والشركات الكبرى لا يثقون إلا بها". هل تشارك الشركتان القائمتان الآن في المناقصة؟ أجاب: "لا نعلم هل أجرت الحكومة اتصالات بالمستثمرين الأجانب، إذ أعلنت انها اتصلت بالمستثمرين اللبنانيين". واعتبر ان انهاء العقد ليس حكماً سلبياً على المستثمرين الأجانب. وهل تستقطب المزايدة عروضاً جيدة، قال شحادة: "إذا تعهدت الدولة تحرير القطاع ورفع يد السياسة عنه وأفسحت في المجال أمام المنافسة، يمكن استقطاب مبالغ جيدة". ونصح الحكومة من الآن وصاعداً أن تتمتع اجراءاتها بالشفافية التامة وبمستويات عالية من التقنية لتعزيز ثقة المستثمرين بالدولة وقوانينها لضمان مستقبل استثماراتهم. واستطلعت "الحياة" آراء مشتركين في الهاتف الخليوي، من مستويات اجتماعية ومهنية عدة، في كلفته وإمكان استغنائهم عنه واكتفائهم بالهاتف الثابت، ومشروع تركيز كبائن للعموم على الطرق. وقال طبيب الاسنان وسام عواد: "ان كلفة الاشتراك مرتفعة جداً فضلاً عن ضريبة الدولة ولا استطيع أن أستغني عن الهاتف الخليوي بحكم عملي، ولا يمكن الاكتفاء بالهاتف الثابت". وأضاف ان "مشروع انشاء الكبائن جيد ويساعد في توفير خدمة للمواطن". وقالت استاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية الدكتورة منى فياض: "ان كلفة الخليوي مرتفعة جداً، ولا أجد أي مبرر للاشتراك الشهري الذي يضاف الى الفاتورة وقيمته 25 دولاراً. يجب ألا أدفع سوى ما أستهلكه". واضافت: "لو كان الخط الثابت متوافراً قبل سنوات لما اشتركت في الهاتف الخليوي. والآن أستطيع أن أستغني عنه، لكنني أعتبر انني استثمرت 1300 دولار ثمن الخط 500 والجهاز 800، لذا ما زلت محتفظة به. وأستعمله للضرورات، وبأقل مقدار ممكن". وشجعت على انشاء كبائن للعموم لكن اللبناني غير معتاد عليها، وقد لا يحافظ عليها. وقال الطالب أمين حنا وهو مشترك بخط يعبأ ان "كلفته ارتفعت كثيراً خصوصاً انه لم يعد يضم خدمات مجانية مثل خدمة الرسائل". وأعتبر انه "يمكنه الاستغناء عنه، ولكن في احيان كثيرة يحلّ مشكلة. لذا لا يمكن الاعتماد دائماً على الخط الثابت". وقال فرحان اللوز، وهو سائق تاكسي ان "فاتورة الهاتف الخليوي مرتفعة جداً، لأن نصف قيمتها يتشكّل من اشتراكات وضرائب. وهي كلفة مرتفعة قياساً على مداخيلنا"، وأكد انه "لا يمكنه أن يستغني عن الهاتف الخليوي، لأن غالبية زبائننا تتكل على الاتصال بنا عبره". وأضاف: "أما الهاتف الثابت فيمكن استعماله في المنزل أو المكتب". وشجّع على "انشاء كبائن للهاتف العمومي لأن تسعيرتها موحدة".