لم تفاجئ خلفية المواجهة الكلامية الحادة بين رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون ووزير خارجيته شمعون بيريز خلال جلسة الحكومة امس، أحداً من المراقبين بقدر ما فاجأهم توقيتها. اذ توقع هؤلاء ان تندلع الأزمة الأولى بينهما مع بدء تنفيذ مرحلة "اعادة بناء الثقة" الواردة في توصيات لجنة "ميتشل"، خصوصا تجميد الاستيطان وهي مسألة ستطرح امام شارون أحد خيارين: وقف الاستيطان ومواجهة مع شركائه من أحزاب اليمين أو مواصلة هذا النشاط ومواجهة بيريز وحزبه "العمل" الذي يشكل القوة البرلمانية الأكبر في الائتلاف الحالي 23 نائباً. وكانت المشادة الكلامية اندلعت على خلفية تفسيرات كل من شارون وبيريز لتوصيات لجنة "ميتشل" ول"وثيقة تينيت" التي اعدها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت ورفض شارون ان يشارك بيريز في اجتماع ثلاثي يضم الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان والرئيس ياسر عرفات وبيريز نفسه في رام الله، ما أثار استياء بيريز الذي أبلغ شارون انه يرفض الخضوع لإملاءاته. وسوّغ شارون رفضه هذا بأنه لا يجوز خلق انطباع وكأن اسرائيل على استعداد للتفاوض تحت وطأة اطلاق النار "وهذا ما تسعى اليه دول العالم كافة، ومن ضمنها الولاياتالمتحدة". كما انتقد بيريز مواصلة فرض الطوق الأمني على المدن والقرى الفلسطينية، وأثار حفيظة وزراء اليمين حين قال انه يتوجب على الحكومة تطبيق خطة "ميتشل" بحكمة ونية صادقة وتشجيع الرئيس الفلسطيني على فرض الهدوء. ورغم التراجع الذي أبداه بيريز بعد جلسة الحكومة وأثناء مؤتمر صحافي بمشاركة انان بقوله انه يؤيد مطلب رئيس الحكومة بضرورة وقف العنف شرطاً لتطبيق توصيات لجنة "ميتشل"، لكن الدلائل تقود الى ان مواجهة امس مؤشر الى انشقاق لا بد ان يحصل في الحكومة الحالية. ويرى المراقبون ان شارون يستغل التفكك الحاصل في حزب "العمل" بعد هزيمته الشنيعة في الانتخابات الأخيرة، فيدير شؤون الحكومة والدولة على هواه من دون ان يمنح بيريز و"العمل" فرصة التأثير. كذلك نجح منذ انتخابه في تدجين السياسي الاسرائيلي الأبرز والمحنك وجعل منه رجل علاقات عامة له، دوره الأساسي تلميع صورته. لكن بيريز، كما يبدو، يأخذ في حساباته ايضاً الاصوات التي ترتفع داخل "العمل" ضد الشراكة مع غلاة المتطرفين في الحكومة الحالية وترى انها، إذا ما استمرت على هذا النحو، ستوجه ضربة قاضية للحزب الذي يستعد لانتخاب زعيم جديد له في ايلول سبتمبر. والواضح ان رئيس الكنيست ابراهام بورغ، صاحب الحظوظ الأوفر للفوز بزعامة الحزب رغم تأييده لمشاركة حزبه في الائتلاف لن يقبل بأن تكون الشراكة اسمية ولن يتردد في فضها لينقذ ما تبقى من ماء وجه حزبه. ويعزز هذا الاحتمال تصريحات الوزيرة العمالية داليا ايتسك، احدى أشد المؤيدين لتشكيل حكومة الوحدة، بأنه يجدر ب"العمل" ان يراجع مسألة البقاء في الحكومة. وفي كل الاحوال، واذا ما نجح شارون في اخماد "الحريق" بعد ان يلتقي بيريز مساء، فإن الخلاف سيطفو على السطح وربما أسرع من المتوقع.