بداية أيار مايو الماضي، انتشر الهلع بين مستخدمي الكومبيوتر، خصوصاً مديري الشبكات في الولاياتالمتحدة، عند إعلان "الحرب الافتراضية" cyberwar بين ال"هاكرز" فيها ونظرائهم في الصّين. حتى أن مكتب التّحقيق الفيدرالي أف بي آي نفسه أصيب بالذعر، وأسرع في توزيع تحذيرات لمديري النّظم، ناصحاً إياهم برفع مستوى الحراسة على معلوماتهم الحسّاسة. وبعد مقابلة بسيطة على الهاتف مع "هاكر" صيني، أعلن خلالها أن "غدًا سيكون اليوم الكبير"، هرعت الحكومة الأميركية الى حماية أمنها القومي واستنفرت خبراء الكومبيوتر الذين يرتعشون من فكرة الحرب في المجال الافتراضي، اقتصر النّزاع عموماً على تشويه المواقع. وفي الرابع من ذلك الشهر، هاجم "هاكرز" الصين موقع البيت الأبيض على الإنترنت، وأرسلوا كميات ضخمة من البيانات تسببت في تباطؤ شديد في الموقع، وتركته مختنقاً تماماً أكثر من ستّ ساعات. يبرهن الصراع الصيني - الاميركي على الانترنت، صعوبة ترويض وحش الانترنت التكنولوجي أو حتى التحكم به. وإذ ينخفض عدد نشاطات المراقبة التي يقودها مكتب "أف بي آي" في القضايا الجنائيّة التّقليديّة، فان المراقبة الإلكترونيّة تتزايد في شكل لافت. وأظهرت دراسة عن ثلاثة ملايين موقع، نشرتها وحدة خدمات الأمن الاستشاريّة في شركة "يونيسيس" في أستراليا، في أيار الماضي، أن أربعة مواقع إنترنت من خمسة كانت هدفاً لهجوم الكتروني. ودلت الى تضاعف عمليات النصب على بطاقات الائتمان، السّنة المقبلة، لتبلغ 1.44 بليون دولار أميركي. ويدعو الجميع الشّركات الى اتخاذ خطوات تقنية حازمة وفاعلة لحماية نفسها، ولكن أين دور الحكومات؟ ومع تصاعد الجرم الإلكتروني صار واضحاً أن التشريعات الحالية أصبحت قديمة جداً. وفي الشّرق الأوسط، لم تحدّث معظم البلاد تشريعاتها لتغطي الفضاء الإلكتروني أو لتقاضي "سارقي الإنترنت" الذين يسمون "هاكرز". يرى البعض ان من الممكن تعريف الجرم الإلكتروني بأنه "فعل ضار يُرتكب من كومبيوتر أو شبكة كومبيوتر أو ضدّهما"، علماً أن هذا التعريف ليس موضع اتفاق عام. ويختلف هذا النوع الجديد من الجريمة عن الجرم "التقليدي". ويكمن الفارق في أن الجرم الإلكتروني لا يعد، راهناً، خروجاً عن القانون في دول كثيرة. فاقتحام متجر "أرضي"، على سبيل المثال، جريمة، لكن الوصف لا ينطبق على موقع المتجر في شبكة الانترنت، على رغم أن المعلومات أو "السلع" الموجودة فيه ثمينة أيضاً. إلى ذلك، يبدو الجرم الإلكتروني سهلاً، إذ لا يحتاج السارق إلا إلى جهاز كومبيوتر ومهارات جيدة على الإنترنت لإحداث الدمار عبر الحدود. ويشن السّارقون هجماتهم، باستخدام شبكات في دول مختلفة كي يصعب تحديد موقعهم، ولأن من الصعب إيجاد قانون دولي في محاكمتهم. و تكبر المبادرة العالمية اليوم من اجل التصدي الى هذا الموضوع و لتطوير التشريعات التي تعالجه. وفي شهر تموز يوليو من العام 2000، ورد الجرم الإلكتروني للمرة الأولى في مناقشات قمة الثمانية الكبار. ويضع المجلس الأوروبي، راهناً، اللمسات الأخيرة على اتفاق دولي في هذا الشأن. وأخيراً، بينت دراسة أجرتها شركة "ماك كونيل انترناشيونال" المتخصصة في الاستشارات المتعلقة بالسياسات التقنية والإدارة، تحديث الولاياتالمتحدة والهند وكندا واستراليا قوانينها في شكل "مؤثر" لتغطي الفضاء الافتراضي. ولم تعدل غالبية الدول ال52 التي تناولتها الدراسة قوانينها بعد، وبينها فرنسا ونيوزيلندا. و هذا يعني أن القوانين في هذه البلدان لا تحمي زوار الإنترنت ولا الأعمال الإلكترونية. وعموماً، فان الدول العربية لا تزال متأخرة بعض الشيء في هذا المجال. وبينت الدراسات ان الكثير من حكومات المنطقة تدرك مخاطر الجرم الإلكتروني، إلا إن أكثرها لم يشرع حتى الآن قوانين عن حماية متصفحي الإنترنت وممارسي الأعمال الإلكترونية. وأقرت تونس قانوناً يحمي التجارة الإلكترونية، في حين يدرس عدد من البلدان الأخرى هذا الموضوع، وتبحث دول عربية، مثل مصر ولبنان والاردن، في قوانين عن التجارة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني وما الى ذلك. وفي المملكة العربية السعودية، شُكلت لجنة حكومية رفيعة المستوى لصياغة قواعد تحكم التجارة الإلكترونية. وتعمل الكويت على وضع مسودة قانون في هذا الشأن. الفارق بين "هاكر" و"كراكر" وهذا يوصلنا الى التساؤل عن ال"هاكرز". فعلى رغم استعمال هذا الاسم في وصف مجرمي الانترنت، إلا أن الكلمة التي تنطبق عليهم، في الحقيقة، هي "كراكرز" Crackers. ويعرَّف ال"كراكر" بأنه الشخص الذي يتسلل إلى أنظمة الكومبيوتر و يستخدمها من دون إذن بذلك. وتصف كلمة "هاكنج" hacking في عالم التكنولوجيا، عملية حل المشكلات وإيجاد الحلول، وهي أصل كلمة "هاكر". ويعتبر ال"هاكرز" أنفسهم نخبة تقتصر على خبراء برمجة وتصميم وإدارة للشبكات. وينظم ال"كراكرز" أنفسهم في مجموعات، ويتلاقون على مواقع خاصة على الإنترنت وكثيراً ما يقيمون الحروب، فيدمرون شبكات، ويتسللون إلى بعض الأنظمة ويمسحون المعلومات ويسرقون كلمات المرور لقراءة البريد الإلكتروني أو الحصول على معلومات سرية، ويسرقون أرقام بطاقات الائتمان، ويستخدمونها للتسوق على الويب. والمعروف أنهم يكونون، عادة، ذكوراً تحت سن الخامسة والعشرين، وأن كثراً منهم طلاب جامعات يستخدمون أجهزة الكومبيوتر الموجودة في كلياتهم للقيام بتعدياتهم عبر الشبكة. هاكرز ... 1 - فلاديمير ليفن اسمه المستعار غير معروف: متخرج في جامعة "سانت بطرسبرغ" التكنولوجية، ومتخصص في الرياضات ومتهم بالتخطيط وقيادة مجموعة "كراكز" روس للتحايل على أجهزة مصرف "سيتيبانك" فجعلوها تصرف عشرة ملايين دولار. وقبض عليه في مطار هيثرو لندن عام 1999، واتهم باستخدام جهاز الكومبيوتر الموجود في مكتبه في شركة "أي أو ساترن" AO Saturn الروسية للتسلل إلى شبكة "سيتيبانك". 2 - الإسم المستعار: كوندور النّسر الأميركي. الاسم الحقيقي: كيفين ميتنيك. و هو ال "كراكر" الأول الذي خُلد وجهه على لائحة المطلوبين لمكتب التحقيق الفيدرالي. ويلقب ب "ولد الفضاء الافتراضي التائه". بدأ يستخدم الكومبيوتر في سن المراهقة، ولم تكن لديه القدرة على شراء جهاز، فكان يمضي ساعات طويلة في متجر "راديو شاك" يستخدم الأجهزة الموجودة فيه للاتصال بكومبيوترات أخرى. وأمر له القاضي بسنة في مركز علاج، حيث التحق ببرنامج من 12 خطوة للتخلص مما سماه القاضي "إدمانه على الكومبيوتر".