لا يختلف اثنان على أن الملك عبدالعزيز، «تغمده الله بواسع رحمته»، كان له الفضل بعد الله عزّ وجل في تأسيس وحدة هذه البلاد، والنهوض بها في المجالات كافة، خصوصاً الجانب التنموي، في الوقت الذي كان فيه منهمكاً في بناء الدولة، إيماناً منه بأهمية هذا الجانب في تطور البلاد ونهضتها، ولذلك وضع برنامج توطين البادية وتعليمها ضمن أولوياته الأولى، ليرتقي بالإنسان السعودي من فكر وحياة الترحال، إلى الحضارة والإيمان بالأرض وتملكها والدفاع عن كل ذرة من ترابها، وكذلك توسيع فهم وإدراك أبناء البادية الذين يمثلون الغالبية الكبرى في المجتمع السعودي في ذلك الوقت، بأهمية التحضر والتعليم والإسهام في البناء لهذا الكيان العظيم، وليصبحوا من خلال هذا البرنامج عامل بناء في فكر وحضارة الدولة السعودية وديمومتها. نعم إنها عبقرية الملك المؤسس، الذي فكر في هذا الأمر العظيم وجعله أولى أولوياته، كان يحمل فكراً وإرادة ورؤية واضحة، وفوق كل ذلك، إيماناً بالله سبحانه وتعالى، وليكون الزعيم العربي الوحيد، في التاريخ الحديث الذي أسس أكبر وحدة عربية، وحوّل أبناء شعبه إلى التحضر والبناء ليحموا هذا الوطن ويحافظوا على كيانه. الاحتفال باليوم الوطني يجب أن يكون مراجعة دائمة للتاريخ وللإنجازات، والتبصر حول ما يساعد هذا البلد وقيادته، ومواطنيه على الاستمرار في التنمية المستدامة والحفاظ على الاستقرار بأشكاله كافة، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى، والانفتاح على العالم، وأخذ كل ما هو إيجابي منه، من خلال التعلم والتعليم وعدم الانغلاق، والتركيز على الإنسان الذي هو الثروة الحقيقية والدائمة في مقدرات الشعوب، وتجنب السلبيات بأشكالها وأنماطها كافة. التركيز على تنمية الإنسان من أجل المحافظة على الوطن وعلى استقراره ونموه، والاستثمار في هذا الإنسان، من أولويات قيادة هذا البلد، وهو حاصل من خلال التركيز على التعليم في مراحله كافة، وتطوير مناهجه بما يتماشى مع التطورات، ويحافظ على ديمومة التنمية المستدامة، ويحقق للوطن كل ما يطمح إليه مواطنوه ليصبح فاعلاً في المنظومة الدولية، وذلك بالتوسع ببناء مؤسسات التعليم العالي والعام الذي تشهده المملكة خلال السنوات الأخيرة، وتطويرها بما يتماشى مع متطلبات العصر، وكذلك ما يقوم به برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إذ تم ابتعاث حتى الآن أكثر من 130 ألف مبتعث من التخصصات والمراحل كافة، بدأنا نقطف ثماره الآن ونحن نشاهد المئات يتخرجون سنوياً في جامعات العالم ومؤسساته التعليمية كافة، ما يمثل نقله كبيرة جداً في التنمية التعليمية في المملكة العربية السعودية، من أجل خلق الإنسان السعودي الواعي المتعلم المتحضر المؤمن برسالة وطنه والمتفاعل مع كل المعطيات الوطنية المختلفة. لا شك أن الوطن هو مظلة للجميع، يستمد الكل الدفء والظل منها، ويعيشون تحتها، لذلك يجب المحافظة على هذه المظلة بكل الوسائل، من خلال العمل بجد واجتهاد وإخلاص، لنكون منتجين، لا مستهلكين فقط، ونكمل المشوار الذي بدأه الملك المؤسس، رحمه الله، ولا نرضى بالحد الأدنى من الأشياء، فالعزيمة والإرادة القوية هما من يسيران الرجال، وترقيان بهذا الوطن إلى الأعلى في التطور والبناء. كذلك عدم المساومة على استقراره، وأمنه، والذود عنه بكل ما نملك، هذه مسلمات يجب المحافظة عليها، وتنشئة الأجيال عليها، ونقل التجربة لهم وتعليمهم تاريخ هذا الوطن، وتاريخ قيادته ومنجزاتها التاريخية، خصوصاً ونحن نمر بمرحلة تاريخية من الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والتنموي بأشكاله كافة. الوطنية هي البناء والعمل بجد وإخلاص والمحافظة على الإنجازات، والتسامح والارتقاء بالأهداف الوطنية السامية إلى أعلى الدرجات، وعدم النظر فقط إلى السلبيات، بل الاستفادة منها لتكون نقطة تحول لنا تجاه كل ما هو إيجابي، والتقدم نحو الأفضل في كل شيء، فنحن لدينا كل الإمكانات للنهوض، ولدينا قيادة ترعى وتشجع على كل ما من شأنه رفعة الوطن والمواطن، ولذلك نرى أن مسؤولية كل مواطن ومقيم بأن يعكس الوعي والإخلاص في التعامل والتفاني في عمله، وحسن تعامله مع الآخرين، وأن يؤدي مهمته على أكمل وجه، وأن يغلب المصلحة الوطنية والعامة فوق كل مصلحة، فالمصلحة العامة هي الأساس، ومصلحة الوطن فوق كل شيء وفوق كل اعتبار، والبعد عن المصالح الفردية والفئوية والآنية، التي غالباً ما تكون آثارها سلبية ومدمرة للأوطان. ما يدور حولنا من متغيرات سياسية واجتماعية، تجعلنا نؤمن بهذا الوطن وقيادته، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إيماناً راسخاً وقوياً، بأن المستقبل سيكون أفضل، فنحن لدينا تاريخ يمتد إلى أكثر من 81 عاماً، ولدينا منجزات نفتخر ونفاخر بها، ونعتز بها ونحافظ عليها بكل ما نملك من قوة، وهي قوة الوحدة الوطنية التي نتمتع بها، والوعي الوطني الذي عجزت كل القوى الخارجية أن تخترقه وتنفذ من خلاله. ثقافة المواطنة والوطنية هي الثقافة التي يجب نشرها وترسيخها، من خلال تعليم النشء عليها وتدريبهم على التعامل مع المنجزات الوطنية بكل فخر واعتزاز، والبعد عن الغرور، واحترام الآخرين بغض النظر عن جنسيتهم وجنسهم، إذ يمثل احترام الفرد اللبنة الأولى التي تبنى عليها الأوطان، وتستمد ديمومتها منها، وهي القوة الحقيقية للأوطان. كل مواطن مسؤول عن حماية هذا الوطن، فرب الأسرة عليه مسؤولية كبيرة بغرس المواطنة والوطنية في أسرته، والمدرس وأستاذ الجامعة وإمام المسجد ومدير الإدارة، وذلك من خلال إنجاز عمل المراجعين، واحترامهم وخدمتهم، والموضوعية والعدل في التعامل معهم، فحماية الوطن ليست مسؤولية الدولة وجيشها وأمنها، بل هي مسؤولية كل مواطن ومقيم. هكذا نحتفل باليوم الوطني، بغرس المحبة والتسامح وترسيخ الوحدة الوطنية والانفتاح على كل ما هو إيجابي. دمت يا وطن الخير والعز شامخاً. * أكاديمي سعودي. [email protected]