} حلّ فصل الربيع في لبنان. وهو فصل مميز بكل ما للكلمة من معنى. ففي بيروت وكل المناطق الساحلية طقس دافئ وبحر حاضر لاستقبال السابحين. أما المناطق الجبلية فطقسها شبه دافئ لا يخلو من نسمات باردة متأتية من الثلج الذي ينتظر آخر المتزلجين. ازدواجية متناقضة تميز لبنان عن سواه من البلدان وتمكن قاطنيه وزواره من ممارسة نوعين من الترفيه والتنزه لا يستقيمان إلا في فصلين متباعدين هما الشتاء والصيف. إذا كانت المسابح لم تفتتح رسمياً بعد، اذ يبدأ موسمها في أواخر أيار مايو الجاري، فإن الناس الذين يهوون السباحة والبحر لم ينتظروا اقبال الصيف ليمارسوا هوايات السباحة والتزلج على الماء والصيد، بل أعدوا العدة وقصدوا الشواطئ المجانية سابحين ومتشمسين ومتنزهين، ومحضرين معهم زادهم ونارجيلاتهم وكل ما يلزمهم لتمضية عطلة أسبوع مميزة. وغيرهم كثيرون يتوجهون أيضاً إلى المناطق الجبلية قاصدين الثلج وأحضروا معهم العدة نفسها: الطعام والشراب والنارجيلة اضافة الى بعض ملابس الشتاء. لكن من يظن ان الطقس سيكون حاراً كما في بيروت سيفتقدهما متعة زيارة الثلج وسيبقى "متمترساً" في السيارة أو الحافلة التي أقلته، متجولاً بعينيه مع اللاعبين بالثلج أو مشاركاً بالنظر مدخني النارجيلة على الثلج. أما من تجرأ على الخروج من السيارة متحدياً النسمات الباردة، فلن يجد ما يدفئه سوى المشاركة في حلقة من حلقات الدبكة والرقص التي يؤديها عدد من المتنزهين على ايقاع طبول و"دربكات" يحضرها بعض قاصدي منطقة فاريا لترافقه في الرحلة وخلال عطلة الأسبوع المميزة بدورها أيضاً. ورحلات التنزه الى فاريا لا تقتصر على الشباب وهواة التزلج دون سواهم بل تتعداها الى رحلات جماعية تنظمها مدارس لتلامذتها وأهاليهم. وقال نقولا الزن الذي جاء مع وفد مدرسي تألف من 450 شخصاً من التلامذة والأهالي في 11 حافلة، ان "الرحلة نظمت في اطار الترفيه والتنزه والخروج الى الطبيعة والثلج قبل ان يذوب". أما المتزلجون الذين راحوا يمارسون هواياتهم وبعضهم يستخدم درجات نارية للثلج، فتحدثوا عن هوايتهم "الجميلة" وجمال ال"بيست" منحدر التزلج، لكنهم أسفوا ل"رحيل الموسم ذوبان الثلج باكراً هذا العام، إذ كنا نمارس هذه الرياضة عادة حتى أواخر نيسان ابريل لكن الثلج ذاب كثير منه من اوائل الشهر الماضي". وقال متزلج عبق وجهه دفئاً "كان الموسم جميلاً، جاء الثلج باكراً أي قبل الاعياد وبخاصة عيد الميلاد لكن في المقابل رحل باكراً ايضاًَ". وفي مقابل المتزلجين الذي يصعدون الى قمة الجبل بواسطة "تليسياج" مصعد، هناك كثر لا يعرفون هذه الهواية بل يقصدون فاريا للتنزه. وهطول الثلج قبل الأعياد وفر لفاريا موسم شتاء جيداً، بحسب ما يؤكد بعض أهالي البلدة الذين اتخذوا من محال تأجير عدة التزلج والشقق مهنة، وكذلك رئيس بلدية فاريا جان بطيش الذي قال ل"الحياة" ان الموسم "كان جيد وممتاز من الناحية العملية والسياحية". وأضاف: "لو كانت الأوضاع السياسية أفضل ولا تُعلن أجواؤها في الخارج، لكانت الأحوال السياحية في لبنان تحسنت أكثر فأكثر. لكن ما ينعكس من اصداء الاجواء السياسية الى الخارج يؤثر كثيراً في مجيء السياح الى لبنان". وكان لافتاً السنة الجارية ان خلال شهر التسوق في شباط فبراير الماضي الذي مُني بفشل في معظم المدن اللبنانية، ان فاريا كانت المقصد الناشط الوحيد سياحياً سيما أن شهر التسوق تزامن مع عيد الأضحى المبارك. وكان رئيس وزراء الغابون الذي زار لبنان في تلك الفترة أبدى رغبته في تمضية نهاية الاسبوع في منطقة فاريا - فقرا. إلا أن "المسؤول الغابوني فوجئ بأن الفنادق والمراكز السياحية مكتظة بالحجوزات ولم يكن في الامكان تأمين حجز له في أي فندق أو منتجع". وفي جوار أمكنة التزلج الواقعة في خراج بلدة كفرذبيان التي تعرف بعيون السيمان، والتي تشكل 17 منحدراً فيها مصاعد "تليسياج"، افتتحت مطاعم ومقاهٍ وعشرات المحال لتأجير عدة التزلج. ولاحظ أحد اصحاب هذه المحلات روني خليل ان "مرتادي فاريا هذا الموسم كانوا في غالبيتهم من الخليجيين الذين زادت نسبتهم في العامين الأخيرين نحو 50 في المئة، ومن الأوروبيين. في حين ان اللبنانيين الذين طالما شكلوا الرواد الدائمين لها تناقص عددهم في شكل كبير، وبخاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة". أما في ما يتعلق بايجار عدة التزلج فيناهز عشرة آلاف ليرة مقابل استخدامها من الثامنة صباحاً الى الرابعة بعد الظهر. وهناك أيضاً 45 مدرباً يعملون على تعليم المبتدئين التزلج مقابل 25 دولاراً في الساعة للشخص الواحد، وتصبح كلفة الساعة 35 دولاراً لشخصين و40 دولاراً لثلاثة. ويحتاج المبتدئ الى أربع ساعات يتلقاها على مرحلتين، ويمكن لطفل في سن الأربع سنوات أن يبدأ التعلم على التزلج. وبوسع السائح في فاريا ان يقيم فيها من دون ان يلقي صعوبة في الوصول إليها والاياب منها، وتالياً خسارة فرصة مشاهدة انهمار الثلج وهو قابع قرب موقد، أو ان يستهل يومه بالتزلج باكراً. فمعظم المنازل في فاريا يصبح "شاليهات" للزوار الذين بإمكانهم استئجار الواحدة منها لموسم يمتد ستة أشهر وبأسعار تراوح بين ألفي دولار وثمانية آلاف بحسب خليل. الموسم يبدأ من 25 تشرين الثاني نوفمبر وينتهي في آخر نيسان. ويوضح خليل ان 20 في المئة من الشاليهات يبقى سنوياً من دون ايجار، ومن يبقى لديه شاليه غير مؤجرة يؤجرها في شكل يومي او في نهاية الاسبوع مقابل 50 دولاراً لليلة. والاقامة في فاريا لا تقتصر على الاجانب والسياح بل تتعداها الى اللبنانيين انفسهم ولا سيما أولئك الذي يقيمون في بيروت ويفتقدون حياة القرى. وهذا ما دفع "حسن" الى المواظبة على استئجار شاليه في فاريا في شكل موسمي "حباً بحياة القرى وطمعاً في الجلوس أمام الموقد لحظة هطول الثلج". وعن قيمة الإيجار الذي دفعه قال إن "الايجار في فاريا خاضع للمساومة وهو يحدد حسب الشخص"، مؤكداً ان ايجار الشاليه التي استأجرها يبلغ 600 دولار للموسم، مشيراً إلى أنها ليست شاليه كبيرة، بل هي وحدة سكنية عادية، مشيراً الى ان ارتفاع الاسعار سببه تباين المواصفات. ويشير أمين سر البلدية الى ان عدد الوحدات السكنية من شاليهات وغيرها في فاريا يبلغ 1854 وحدة، مقدراً عدد الزوار يومياً بنحو عشرة آلاف نصفهم متزلجون. والتزلج في فاريا قديم يعود الى زمن الانتداب الفرنسي حين كان جنود فرنسيون يمارسون هذه الهواية في تلك المنحدرات الرابضة في اعالي جبل صنين حيث لا تزال الى الآن تعرف منطقة فيها ب"الغرفة الفرنسية". وكان المتزلجون الفرنسيون يستعينون بمواطنين من فاريا لينقلوا لهم عدتهم الى القمة في مقابل اجر مادي، سيما وأنهم يعرفون المنطقة جيداً اذ كانوا يرعون فيها اغنامهم، بحسب ما يروي بعض ابناء البلدة. وفي عام 1963 أسست شركة "فاريا مزار" واستأجرت المشاعات من الدولة وأقامت فيها تلك المصاعد وجعلتها منطقة تزلج وشتاء بامتياز، وتبعها في ذلك بعد تلك النهضة بناء الشاليهات وافتتاح المطاعم والمقاهي التي يناهز عددها 45 مطعماً. وافتتح في فاريا ايضاً بعض الفنادق الشهيرة وذات النجوم الخمس.