ترجح المؤشرات أن تشهد إيران الشهر المقبل معركة انتخابية مختلفة تماماً عن الانتخابات الرئاسية عام 1997، لجهة ظروفها وشدة المنافسة. بمعنى أنها لن تكون مثل الانتخابات السابقة "معركة كسر عظم" نظراً إلى ما يشبه حال الانكفاء التي استقر عليها المحافظون، عبر امتناعهم عن تقديم مرشح لهم من "العيار الثقيل". ولم يخفِ الاصلاحيون الذين يديرون الحملة الانتخابية للرئيس محمد خاتمي قلقهم. وأبرز ما يميز المعركة الرئاسية الحالية عن انتخابات 1997 عدم وجود منافس جدي وقوي من التيار المحافظ، مما دفع مراقبين إلى القول إن منافس خاتمي هو خاتمي، من دون اغفال معطيات تجعل معركة الاصلاحيين أكثر حساسية في مواجهة المحافظين. وتتمحور استراتيجية الاصلاحيين حول رفع السقف السياسي لجعل الانتخابات استفتاء على الاصلاحات، مما يفترض حشد الناخبين لاعطاء خاتمي أكثر من عشرين مليون صوت، أي أكبر من نسبة فوزه عام 1997، بما يعني توجيه ضربة قاصمة إلى طروحات المحافظين والوجوه التي قد تمثلهم، وتمكين خاتمي من المضي في الاصلاحات بقوة بما يفرض اجراء تعديلات دستورية لتعزيز موقع الرئيس وزيادة صلاحياته، لمعالجة ما أعلنه خاتمي عن انتهاك للدستور. تركيز الاصلاحيين، خصوصاً حزب "جبهة المشاركة" القريب إلى خاتمي على نسبة تتجاوز عشرين مليون صوت، غيّر معطيات المعركة الانتخابية، وجعل المحافظين يلجأون إلى استراتيجية بديلة من الفوز في الاقتراع، هي العمل لتحجيم الانتصار المتوقع لخاتمي، وعدم تحمل خسارة شبه أكيدة لهم. لذلك قرروا عدم الزج بثقلهم السياسي في المعركة، والحفاظ على ثقلهم الشعبي مهما كان حجمه، وأياً تكن نسبة الأصوات التي سيفقدها خاتمي، واستثمارها في استراتيجية اخراجه ضعيفاً على عتبة ولايته الثانية. هكذا بنى المحافظون خطتهم على أساس الحد من قوة خاتمي، بعدما أدركوا أن هزيمته ليست ممكنة، إن لم تكن مستحيلة. فهو استطاع على رغم كل الضغوط أن يحافظ على وهجه الشعبي والسياسي، وأن يكون مرجعاً للاصلاحات التي يقر الجميع بحتميتها، وان اختلفوا على نوعها وحجمها وشكلها. بل فرض نفسه كحاجة للنظام داخلياً وخارجياً، عبر إمساكه جيل الشباب الجديد وربطه بالثورة والدولة والنظام، ومحاولة تلبية متطلباته بأقل مقدار ممكن من الثمن. كما اخترق خاتمي سياسة الحصار الأميركية وفتح أبواب العواصم الاقليمية والدولية الفاعلة. وراهن المحافظون على أمرين، عبر امتناعهم عن تسمية مرشح لهم: القول إن خاتمي خاض الانتخابات من دون منافس قوي، أي شبه منفرد، بالتالي فإن فوزه بالغالبية الساحقة لن يكون مستغرباً. أما الأمر الثاني فهو العمل لتضخيم المعاني والمعطيات التي ستأتي بها أصوات منافسي الرئيس للحد من وهج فوزه المحتمل، وفي الحالتين سيعتبر المحافظون أنهم غير خاسرين في معركة لم يعلنوا رسمياً خوضها. يترافق ذلك مع تكتيك آخر، يتمحور حول التركيز مجدداً على الجبهة الاصلاحية الداخلية، والقول بعدم تماسكها، وهو ما يراه المحافظون في ظهور منافسين لخاتمي داخل معسكر الاصلاح، منهم عضو المجلس البلدي إبراهيم أصغر زاده كممثل لطيف يدعو إلى تجاوز برامج الأول على رغم خروجه من السباق بعدما رفض المجلس الدستوري قبول أهليته، ومنهم هاشمي طبا مساعد الرئيس لشؤون الرياضة، كممثل للتكنوقراط القريب إلى حزب "كوادر البناء" المتحالف مع خاتمي، وبينهم أيضاً وزير الدفاع الأدميرال علي شمخاني كممثل عن الطيف الثوري داخل التيار الإصلاحي، وإن كان الوزير ينفي انتماءه إلى اليمين أو اليسار، على رغم ان بعضهم يصفه بأنه محافظ في ذاته، واصلاحي في طريقة عمله. على الجانب الآخر من الصراع الداخلي، يرى المحافظون أن ما فقدوه في الرئاسة الأولى والبرلمان والبلديات وغيرها، قابل للتعويض في مؤسسات أخرى، وليس ما حدث من محاكمات واغلاق للصحف واعتقالات لرموز التيار الليبرالي سوى نموذج. من هنا يتضح أن الطريق ما زال طويلاً أمام الإصلاحيين، ويلزمه تخطيط دقيق وعمل دؤوب اختصره خاتمي أثناء اعلان ترشحه بقوله إن "تحقيق أي خطوة ولو كانت صغيرة في السير بالاصلاحات، يعتبر نصراً في حد ذاته". ولوحظ في الأيام الأخيرة تغيير في التكتيك الاصلاحي عبر الايحاء بأن المعركة الانتخابية ليست محسومة النتائج تماماً، وهو ما ظهر في موقف محمد رضا خاتمي الأمين العام لحزب "جبهة المشاركة" وفي موقف منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية". إذ أكدا أنه "في حال صوّت الشعب لغير الاصلاحات سنقبل خياره ونتنحى جانباً"، وهو موقف فهمه المحافظون بوصفه محاولة لاغرائهم بخوض الانتخابات بقوة. والتغيير الآخر لدى الإصلاحيين عبر عنه مستشار خاتمي، عضو الشورى المركزية في "رابطة علماء الدين المناضلين" رسول منتجب نيا، داعياً إلى مقارنة نسبة الأصوات التي سيحصل عليها خاتمي بالنسبة التي نالها كل من الرئيسين السابقين خامنئي وهاشمي رفسنجاني، عندما اعيد انتخابهما لولاية ثانية، وهي نسبة تكون عادة أقل من النسبة التي تم الفوز بها في الولاية الأولى.