قد تختلف الفضائيات العربية في اشياء كثيرة، لكنها - حتماً - تتوحد في برامج المسابقات حيث المسألة سهلة، مذيع او مذيعة، وهاتف مفتوح مع المشاهدين. أما الجوائز فهي مكفولة من هذه الشركة التجارية او تلك... ثم... انت وحظك، او مهارتك... لا كبير فرق. "من سيربح المليون" اكثر هذه البرامج تشويقاً ومتابعة من المشاهدين، خصوصاً انه يفتح لمن يشارك في مسابقته باب الوصول الى المليون ريال، ويقوم في الوقت ذاته على طرح اسئلة لها قيمة في غالب الاحيان. تقوم مسابقة "من سيربح المليون"، على فكرة الاتصال برقم هاتفي ليطرح الكومبيوتر على المتصل سؤالاً واحداً، يجيب عليه، وينتظر قليلاً، ليأتي حكم البرنامج بالصحيح او الخطأ. هذا السؤال هو الذي يؤهل المتسابق بعد ذلك للوصول الى المسابقة حيث تستضيفه محطة إم بي سي في لندن، ضمن متسابقين آخرين، يشاركون جميعاً في الاجابة على سؤال بسيط، ومن يتمكن من تقديم الاجابة الصحيحة اسرع من الآخرين، يصعد الى مقعد المتسابقين العالي، الى جانب مقدم البرنامج جورج قرداحي، ويبدأ معه رحلة المليون. احد الاصدقاء جرّب حظه ومعلوماته: طلب الرقم فسأله الكومبيوتر عن صاحب "رسالة الغفران"، وقدم ثلاثة خيارات، فأجاب صديقي، ان رسالة الغفران، هي لأبي العلاء المعري وصمت، وانتظرنا حكم الكومبيوتر، الذي فاجأنا بعد لحظات بالقول: اجابتك خاطئة، نتمنى لك حظاً اوفر في المرات القادمة. منذ تلك المحاولة ونحن تستفزنا عبارة مقدم البرنامج، التي يكررها بين وقت وآخر: انتم ايضاً تستطيعون المشاركة في البرنامج اذا اتصلتم بالرقم الذي يظهر على الشاشة، فتكرار هذه العبارة صار يعني بالنسبة لنا ان المشاركة في البرنامج لا تتوقف على الاجابة الصحيحة، بل لا بد من "غربلة" ما، لا نعرف مقياسها، غربلة تقوم على رفض اجابات صحيحة من اجابات المشاركين بالهاتف، وهو هاجس تدعمه محاولة صديقي التي كنت شاهداً عليها... هاجس جعل الكثيرين يتحدثون عن غياب شبه كلي للمشاركين من اقطار عربية محددة في مقابل وفرة المشاركين من اقطار اخرى. الأهم من ذلك ان متابعة بعض حلقات "من سيربح المليون" كشفت ان اجابات بعض الاسئلة كما وردت من الكومبيوتر كانت خاطئة، وقدم المتسابقون اجابات صحيحة، رفضها الكومبيوتر، وكانت النتيجة بالطبع خسارة المتسابق، وخروجه من المسابقة. هذه الملاحظات السلبية تسيء لهذا البرنامج الجماهيري فعلاً، والمبني على اسئلة معلومات عامة مفيدة غالباً للمشاهدين، ما يستدعي التدقيق في صحتها اولاً، والاختيار على اسس عادلة ثانياً. صحيح ان من يتصلون بهاتف البرنامج كثيرون - وهذه مسألة مفهومة - ولكن يمكن حلها باجراء قرعة كومبيوتر لاختيار المتسابقين، لا بالغاء اجابات صحيحة والقول لصاحبها ان اجابته خاطئة. اما بالنسبة لاختيار مشاركين غالبيتهم من اقطار محددة فإننا نقترح ان يخصص معد البرنامج حلقات بعينها للمشاركين من منطقة عربية واحدة، قد تشمل قطرين عربيين او ثلاثة، وإتاحة الفرصة لمشاهدي هذه الاقطار، لعل في ذلك بعض الانصاف. نجاح البرنامج، وجاذبيته، وما تحمل هذه الجاذبية من وعد بالمليون يجعلنا نحرص على تقديمه في صورة افضل، خصوصاً ان برامج المسابقات الاخرى، لا تعدو ان تكون لوناً من التهريج الذي يصل غالباً الى حدود الإسفاف، لأنها اساساً تقوم على طرح اسئلة ساذجة مقياسها الحظ والمصادفة وضحالة المعلومات.