الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    فلكية جدة : "القمر العملاق" يزين سماء المملكة اليوم    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية الفرنسية بشأن تطوير العلا    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    مقياس سميث للحسد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حكاية حب" تحمل أصداء من رواية "العصفورية" . غازي القصيبي الروائي يجعل من "بطله" فرداً يخاف الجموع
نشر في الحياة يوم 24 - 05 - 2001

لا تكتمل قراءة رواية الكاتب السعودي غازي القصيبي الجديدة "حكاية حب" إلا على ضوء روايته السابقة "العصفورية" التي كانت صدرت في العام 1996، ليس لأن الجديدة تكمل السابقة بل لأنها تستدعيها على مستوى الترميز الروائي.
ان يجعل غازي القصيبي من "العصفورية" عنواناً، فهذا يعني احتضانه لعالم متفرّد ومغاير ومستقل وحرّ. ف"العصفورية" تمدّ "عباقرتها" بأدوات هندسية تشكل هذا العالم، تبنيه وتهدمه وتعيد بنيانه، إذ تستعيد قول هيراقليطس في مبدأ الصيرورة: "ليس بإمكانك ان تنزل النهر مرتين".
فمنذ أصيب الإنسان بمحنة "الوعي" صار الجنون في الأعمال الفنية نوعاً من التصدّع والانفصام بين عالمي العقل والوهم: فالملك "لير" تنتهي مأساته بذهاب عقله، والأمير "موشكين" في رواية دوستويفسكي يبلغ الى تخوم البله، والبطل في "غريب" كامو، يُجن من شدة تماسكه المنطقي. هذا الجنون الذي يزحم "الوعي" لا بُرءَ منه إلا بالإبداع الذي يُدجنه إذ ينقل الشحنة من الوعي الى الكتابة يلهو بها ويحملها أوهامه وكوابيسه بعيداً من يقظته الحادة، العنيفة والحميمية.
وإذ حاول الفلاسفة تعريف الجنون قالوا: الغربة، والبله، والريادة، والحلم، واللغة ما فوق اللغة أو ما دونها، والنص ما فوق النص أو ما دونه. واندلعت بعد الحرب العالمية الأولى وأهوالها، حركات مناهضة للطب النفسي Antipsychiatric، وهي حركات تبرر الجنون وتؤنسن خطابه. فالإبداع كالجنون حضور متميز، ووعي ذو نهايات مفتوحة، وقد كان من عباقرته اللاأخلاقيين: آنشتاين الذي كان يضرب زوجته وينام مع ابنة اخته، وهتلر الذي كان ينام مع ابنة أخته، وفرويد الذي كان ينام مع أخت زوجته.
آنشتاين مكتشف نظرية النسبية وأبو علم الذرة، وهتلر كبير النازية وفرويد أبو علم النفس، ولكن لا أحد منهم يعرف لماذا سميت القاهرة قاهرة، أو لماذا يُسمى الذكر باسم المؤنث، أو لماذا عشقت مي زيادة جبران خليل جبران، وهي الفتاة التي عشقها أعظم عباقرة العصر ولكنها انتهت الى المكان العتيد الذي اسمه "العصفورية" وحقيقة أمرها أنها لم تكن مجنونة عندما دخلت، إنما كانت مجنونة عندما خرجت. وكأن "العصفورية" ليست للعلاج وإنما لتسلية الأطباء المحرومين من حسّ الدعابة، والمثقلين بأعباء أوديب وأمه وأبيه، وهي عائلة يونانية لم يسمع بها آباؤنا ولا أمهاتنا، كما أنها لم تعد لتكرر ولو لمرة واحدة في التاريخ. وهكذا صار أوديب هو السجن، وصار أشباهه من مساجين "العصفورية" والسبب في جعل أوديب مثالاً يُحتذى، هو أن "أوديب" "خواجة" أي أجنبي، وعالمنا يعاني هذه العقدة التي حولته الى "عصفورية".
فبلاد عربستان كما يقول القصيبي هي "العصفورية" التي أضاع نزلاؤها هوياتهم، لأنهم راحوا يبحثون عنها في مرايا الغرب التي ليست هي مراياهم، ولا ماضيهم ولا حاضرهم ولن تكون مستقبلهم. فأبناء عربستان يبحثون عن وجوههم في المرايا التي ليست لهم، ويجنون حيث لا وجه يشبههم فيحاولون مشابهة الوجه الغارق في المرآة، ويفقدون وجوههم إن لم نقل وجودهم. وهكذا يصبح خطاب "الأصالة" خطاب "نيابة"، كما يصبح خطاب "الجنون" خطاب "اكزوتيكية" لا خطاب "وجودية". وهو خطاب نكتبه بلغاتنا الميتة على رغم كونه الأكثر حياة والأكثر حضوراً في كتابات الغربيين.
غير أن خطاب الجنون الذي انتقل إلينا بالعدوى والتقليد، صار له مكاتب عندنا وتخصصات ومحامون ينظرون في أدق تفاصيله التي انحرفت به من الجنون الى "الجن" الذين هم بدائل الآدميين في الزواج والسكن والحضانة والإرث، وقامت الفتنة وامتدت من بعد الى الفاعل والمفعول به والمفعول له والمفعول معه والمفعول من أجله والمفعول فيه. ولم يخجل فصحاء "عربستان" من انشغالهم بكل هذه المفاعيل ولو ان 90 في المئة من شعبهم لا يحسنون القراءة ولا الكتابة، بل يفاخرون بأشجار العائلات المعلقة على صدورهم كلما حاولوا العبور من منطقة في المحيط الى أخرى في الخليج.
ولكن "بطل" القصيبي الذي كان مأخوذاً بجنون "العربستان" سرعان ما انتقل الى جنونه بسوزي أو سوزان شيلنج، وهو جنون بناه على المجاز والاستعارة والتشبيه والجناس ومسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير وصولاً الى رسالة الماجستير في الأدب المقارن التي قررت سوزي ان تقرأ فيها وجوه الشبه بين شكسبير والمتنبي.
هذا المسحور بعبقرية سوزي سرعان ما تحول من الحب الى الجنون والعنف، إذ فصل الكاتب بين العاشق والمعشوق ببياض الذاكرة والنسيان اللذين سطعت فوقهما نجمة داوود الماسية وهي النجمة التي جلبت للعاشق الانهيار العصبي والسكيزوفرينيا، كما جلبت الموت لسوزي التي ما ان خرجت من شقة عاشقها حتى انقلبت بها سيارتها وكانت حاملاً في الشهر الثالث.
وبدأ سيل التداعيات ينهمر على العاشق في مقارنات شاء بها التعويض عن مقارنات شكسبير والمتنبي. فسوزي كانت مقارناتها أدبية، أما عاشقها فتحوّل من جرائم الأدب الى جرائم الجنس والاعتداءات النفسية، إذ قال: إن الجريمة الجنسية أخطر الجرائم لأنها تعتدي على عورة العورات فتهتكها وتلوثها من دون وجه حق، ولكن الأبشع من الاعتداء الجنسي هو الاعتداء النفسي الذي يعري الروح وبواطنها. غير ان الإسلام يمنع على الأطباء تعرية مرضاهم لأن الروح من امره تعالى، وهي رهينة قضائه وقدره، وكل أخطائها تعلق على مشجب القدر. ولأن القدر صار الغيب والمجهول قرر الأطباء القيام بالاغتصاب الأكبر وهو انتهاك مخ الإنسان والعبث بخلاياه من خلال الصدمات الكهربائية، أو بترهيبه بنقاب الأطباء الأبيض ولون المعاطف والملاءات البيض وأربطة الشاش والقطن وأقراص المنوم وأكواب اللبن وهي كلها بياضات تذكر بالكفن وتستحضره.
وإذ يحاصر العباقرة المجانين تبقى لهم المشاريع الفكرية التي لا تنتهي، وهي مشاريع يحاول من جُنّ بها ان يجعلها هيرمينوطيقية كأحاجي "بطل" غازي القصيبي الذي كان يخاف الجموع ولا يكرهها، لأن خوفه نابع من كره الجموع للفرد المتفرد.
لعل رواية "العصفورية" النابضة بحروفها النافرة هي ملحمة القصيبي التي كتبها في العام 1996 ليعود ويحولها بعد خمس سنوات الى صور عادية في "حكاية حب" الصادرة في العام 2001، وكأنه التحول عن انشداد الوعي وزخمه الى تراخي الذاكرة وقلتها. "فالعصفورية" عنوان غير مطروق، لتذرع العربستان بصحتهم لا باعتلالهم، ولكرههم فرويد اليهودي وصاحبه كافكا المسخ المشوه.
فملحمة "العصفورية" عادت أصداؤها تتردد في "حكاية حب" التي اختلت فيها "أزمة الوعي الحادة" و"أزمة المثقف" في انشقاق نفسه بين الخرافة والعلم، وبين الجن والفضاء. هذه الأزمة التي جعلت من "العصفورية" منطلقاً هي ازمة المكان والجغرافيا والانتماء والهوية والعبث والمعنى الذي من كثرة معانيه تهافت والذي من كثره تهافته دفع ببطله الى أن يبقى معلقاً بين "غرائب المثقفين" وبين "دفاية الجنية" و"فراشة الفضائية". فقدَ البطل في "العصفورية" كل علاقة له بالأرض - المستقر والأرض - الانتماء، وسخر من طبيبه النطاسي بعد ان شغله مدة 20 ساعة من الحكي، وجعله لا يفقه ان لهذا الحكي نهاية، وهذه هي نهاية الطبيب الذي جن، لأنه استيقظ على غياب التداعيات التي كان يخترعها مريضه، وأيقن ان المفاتيح التي تركها فرويد بين يديه كانت قد صدئت وشاخت.
وجدّه من تَسمّى بالمريض يعرف "سرّ الوعي" الذي يجهله الأطباء المنشغلون عنه "باللاوعي". ولكن لِمَ بدأ هذا "الوعي" الواعي انهياراته في "حكاية حب" التي عاد فيها العاشق ليستظل رحمة هيلين صباحاً ومضاجعتها في المنام ليلام كلما قارب على الرحيل.
لِمَ صارت "الهدأة" ولم يعد "الوعي المنهك" هما الشاغل الوحيد في "حكاية حب" ولِمَ استبدل غازي القصيبي "حكاية حب" بعنوان آخر ضمنه "الحكاية" وهو "النوم مع السراب"، حيث صار النص التضميني هو رواية الداخل، أو رواية الرواية التي تتحدث عن المأساة الإنسانية في شيخوختها وعجزها وتعويضها بالأحلام المتبقية، هي مأساة المستر "عريان" الذي التبس عليه النوم بين الموقت والأبدي، والسراب بين الحب والوحدة والعري بين اكتمال النقص أو نقص الاكتمال، انه عري الرحيل يلف مستر "عريان" الذي كان عريه اكثر اشتعالاً من بياض الملاءة/ الكفن، والسرير الذي يشبه القبر المحفور. ومن هيلين ممرضة الصباح يعود المستر "عريان" الى جانيت ممرضة المساء ليسألها عن العلاقة بين الجنس والتدخين، أو الفارق بين السحر وعلم النفس، وبين الصدق والكذب وسيلة للبقاء على قيد الحياة. لقد انطفأت الأسئلة، إذ لم يبق من وهجها الواعي، سوى برودتها وبساطتها الأقرب الى السذاجة، والتي لم تعد تؤرق بطلها، بعد ان سلَّم في حكاية حب بعبثية الأسئلة والأجوبة.
ويعود العنوان يتكرر كل مساء، حيث يأوي مستر "عريان" الى فراشه ليتلحف كتاب "النوم مع السراب" ويتذكر ان "الهوسبيز" بالمعنى الحضاري والإنساني بدأ داراً لضيافة المرضى والعجز وكان ملحقاً بالأديرة، وحصل هذا قبل قرون طويلة، لأن المرضى كانوا ضيوفاً كما العجزة، على أهبة الرحيل وشفير الهاوية، اما اليوم فصار "الهوسبيز" يفتح أبوابه لأموات محتملين يبحثون عن العقاقير المودية الى "موت كريم" الموت بكرامة! ولكن هل ان الكرامة ضرورة من ضرورات الموت طالما انها لم تكن من ضرورات الحياة. الموت بكرامة هو قتل الرحمة كما هي الحياة عيش بكرامة مقتولة.
كتب غازي القصيبي "حكاية حب" وقد عبثت ببطله "عقدة أوديب" واشتاق الى حضن بعيد يلمه من خوفه وعزلته وصقيعه الآتي. ف"العصفورية" كانت مهداة الى "ن" و"حكاية حب" الى "م" وكأن مستر "عريان" أمر نفسه بنفسه ان "نم"، فالنوم لن يعود خدراً وإنما سيصير أبداً، ولن يغريك إذ ذاك أقرأت "خريف البطريرك"، ام لم تقرأه، أقرأت "مائة عام من العزلة" أم "قرناً من الوحدة"، كما لن تغريك معرفة الثقوب سواء كانت سوداً أم بيضاً طالما انك لن تعرف يقينها قبل رحيلك.
إنه الوهن يبدأ بضعف الذاكرة والانتكاسات المتكررة، ويبلغ أقصى مداه في الحنين الى "القطرة الأولى" التي تنسكب من "النهد الأول" بعد إطلالة الرحم، هذه "القطرة الأولى" التي غابت لتبقى ذاكرتها هي سؤال الأرق عند القصيبي: هذه القطرة هل تعوضها التفسيرات الأفلاطونية للحب؟ هل يعوضها التقمص؟ هل يعوضها العود الأبدي؟ هل يعوضها "حب" أو "جنس" أو "ثروة" أو "منصب" أو "انتماء" أو "ايديولوجيا"؟ هذه القطرة الأولى صارت حنين مستر "عريان" بعد ان أعلن جهوزيته للرحيل، ولو كان في الرحيل استحالة، وهي استحالة العودة الى "الرحم الأول" لا الى رحم التراب، والى رحمة "الأم" لا الى رحمة "الأرض".
وإذ ينتهي مستر "عريان" الى المقارنة بين العلم والإيمان يرى أن العلم هو اليقين المتحقق في الأمومة لأن الأمومة هي الفعل، ولأن الأبوة هي الإيمان أو الوجود بالقوة. وقبل ان يرحل مستر "عريان" أنجب "زينب" التي تسمّت باسم امه، وشغله السؤال: من سيحكم "زينب" أهو الزعيم ام رئيس الوزراء، ولكنه قبل فوات الأوان ترك لزينب معرفته الأعمق إذ عرف انها ستعيش في ظل الزعيم لا رئيس الوزراء فقال لها: "إن الزعيم رجل جاء من أعماق التاريخ إن لم يكن مما قبل التاريخ، ومنجزاته تبقى الى الأبد، إنه كالوردة الشذية التي نبتت من ضمير الكون لتمثل الكون بأسره، وأية إهانة له تعتبر إهانة للكون وهرطقة أشد هولاً من هرطقة الأديان".
ولما طال زمن الوصايا والتداعيات والذكريات طغت صورة جلجامش - الباحث عن اكسير الحياة - في بياض الذاكرة، فسأله مستر "عريان": "يا جلجامش، هل تكفي قطرة واحدة لشفائي؟ وهل أن الحليب إكسير الحياة؟ وهل للحياة من أكسير؟". وكان إكسير مستر "عريان" السقوط في كثير من الغيبوبة بعد كثير من الجنون. وهكذا أطلت علينا حكمة القصيبي التي فجرت قضية الحوار/ الأزمة، كأن يتحول الحوار بين ذات وذات لا بين ذات وأخرى، لأن حوار "الذوات" هو حوار "الذوات المتعالية" مع "الذوات الدونية" وهو حوار لا يتم إلا في "العصفورية" أو في "المصحات".
* ناقدة واكاديمية لبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.