"الوضع في المنطقة خطر" يقول الرئيس المصري حسني مبارك محملاً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية وواضعاً نفسه في موقع المدافع عن السلام وعن حاجة الجميع الى الأمن. غير أنه يضيف جملة ذات دلالة في معرض الإشارة الى أسباب الخطورة: "إن الرأي العام العربي لم يعد سهلاً أو ممكناً الكذب عليه". يريد الرئيس مبارك لهذه العبارة ان تكون تفسيراً لمعالم "التشدد" الجزئي الذي تبديه الحكومات العربية، وللنهج الذي تتبعه السلطة الوطنية الفلسطينية. فثمة ثغرة معترف بها بين درجة التطلب الشعبي ودرجة التلبية الرسمية. وليس سراً أنه، في مقابل ذلك، يمكن الحديث عن تماه بين المزاج الإسرائيلي العام وبين القرارات الحكومية بما في ذلك استخدام الطائرات الحربية. ومع ان الخطوة تعرّضت لانتقادات سياسية خارجية وإعلامية داخلية فإن الاستقصاءات تشير الى أن الجمهور يطالب بالمزيد. ويعني ذلك، عملياً، ان الإسرائيليين لا يزالون عند موقفهم الذي عبروا عنه قبل شهور حين اقترعوا بكثافة لمصلحة شارون على أمل ان يكون حاضره ومستقبله مجرد امتداد لماضيه. قيل، في ذلك الوقت، ان الديموقراطية وجهت ضربة قاسية الى التسوية والسلام. وما يقوله، اليوم، الرئيس مبارك يؤكد هذا الاستنتاج، ويمكن لنا ان نقرأه على الشكل الآتي: لقد كان محتماً ان تتحول الأزمة الخطيرة الى مواجهة مفتوحة لو أن الحكومات العربية تريد التجاوب مع رغبات مواطنيها. لقد قادت الديموقراطية، عند أحد طرفي المعادلة، الى امتشاق السلاح ولم يعد ناقصاً، من أجل الدخول في حرب، إلا انتقال العدوى الديموقراطية الى الطرف الثاني. ان سبب الأهمية القصوى لهذه القراءة هو أنها تخالف تماماً الوهم الذي أشيع، منذ انتهاء الحرب الباردة، والقائل إن الديموقراطية هي طريق السلام والتعايش والانفتاح والانخراط في العولمة بشروطها المعروفة. لم يكن الذين روجوا لهذه الفرضية مغرضين جميعاً. فتجربتهم مع "العدو" الذي يعرفونه، المعسكر الاشتراكي، تجعلهم يصلون الى هذا الاستنتاج. نتيجة الظروف الخاصة لشعوب الدول "الاشتراكية" تحولت ايديولوجيا الخصم الليبرالي سلاحاً في المواجهة وهو سلاح ثبت، لاحقاً، أنه موجه الى تحقيق المطلب الوطني. التجربة العربية مخالفة تماماً لذلك. إذ استعيرت الإيديولوجيا "الاشتراكية"، ذات مرة، ،من أجل إنجاز المطلب الوطني ضد سياسات الدول الغربية. ومع ان هذه "الاشتراكية" سقطت فإن ذلك لم يقد، آلياً، الى نسف هذا المطلب وإن كان أوصل الى إدخال تعديلات كثيرة عليه. وبهذا المعنى لم تقف الديموقراطية حائلاً دون التطلب الوطني لا بل وقف النقص في الديموقراطية ليلعب هذا الدور. لا وجود، والحال هذه، لنظام عربي واحد يضطر الى القمع من اجل ضبط مواطنيه ومنعهم من الارتماء في أحضان التسويات المعروضة عليهم. القمع موجه، حيث يوجد، ضد "الرأي العام" غير السهل الذي يتحدث عنه الرئيس مبارك. ولو سادت الديموقراطية فعلاً في العالم العربي لأدى ذلك الى ارتفاع وتيرة المواجهة مع إسرائيل وأصدقائها. لا تناقض، إذاً، بين الديموقراطية والمطلب القومي. على العكس، إن ترك الشعوب تقرر مصيرها يقود الى إنتاج أوضاع تهدد الشكل الراهن من العلاقات بين العرب والعالم، وترفض التسوية التي تقترحها إسرائيل بدعم من الولاياتالمتحدة.