أثار إعلان الشخصيات المسيحية التي اجتمعت برعاية البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير في بكركي أول من أمس، "وثيقة مسلمات" تمهيداً لحوار وطني يشمل موضوع الوجود السوري، ارتياحاً في الساحة السياسية اللبنانية، على رغم ان ردود الفعل العلنية من القيادات الاسلامية أو من القوى السياسية الحليفة لسورية لم تظهر بعد، علماً أن أمس كان يوم عطلة رسمية لمناسبة عيد العمال. وأول ردود الفعل العلنية جاء من رئىس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني الذي اعتبر ان "البيان الذي اعلن من بكركي جدي، ومن الجدية التأني في تقويمه". وإذ تناولت الوثيقة وجود الجيش السوري، من خلال دعوة الدولة الى تطبيق ما جاء في اتفاق الطائف في شأنه، لجهة اعادة انتشاره تمهيداً لانسحابه الكامل من لبنان، فإنها أكدت ان الحوار هو الخيار الأسلم وان الاصلاحات التي اقرت عام 1990 لا رجوع عنها، ودعت إلى "تسوية تاريخية" بين لبنان وسورية. وتوقع مصدر قيادي حليف لسورية ان تظهر ردود الفعل على الوثيقة خلال الأيام القليلة المقبلة، وقال إن "الأمر يحتاج الى درس، لكن الأكيد أن الوثيقة ليست استفزازية أو تحريضية، كي يحصل رد فوري، وليس هناك شعور بعد قراءة البيان بأن رد الفعل سيكون سلبياً. فهو ليس سلبياً بمجمله وفيه نقاط ايجابية وبعض النقاط عليه اسئلة". ورأى ان "البيان - الوثيقة نقيض لبيان مجلس المطارنة الذي صدر في 20 أيلول سبتمبر 2000 وأطلق حملة تعبئة ضد الوجود السوري، بلغت حد ربط الأزمة الاقتصادية بهذا الوجود". وفي انتظار بلورة ردود الفعل الاسلامية، رأى القيادي ذاته ان ما صدر أول من أمس يسهّل الحوار، لكن أحد المشاركين في اجتماع بكركي وفي الاجتماعات التحضيرية التي سبقته في مقر المطران يوسف بشارة في قرنة شهوان، قال إن اعلان الوثيقة لقي ارتياحاً، اسلامياً ومسيحياً، "بحسب الاتصالات التي تلقيناها، والارتياح في الوسط المسيحي يعود الى تضمن الوثيقة مبادرة سياسية للخروج من الأجواء المتشنجة، مع طمأنة الفريق الآخر الى عدد من الأمور التي تهمه". وتعليقاً على الاعتقاد ان الوثيقة نقيض بيان مجلس المطارنة، اعتبر القيادي المسيحي أنها "لا تنسف هذا البيان، بل هي تطوير له بعد مرحلة من الأخذ والرد. ومن الطبيعي ان تتعدل اقتناعات او توجهات او لهجة الخطاب، بعد مرحلة من طرح مسألة الوجود السوري. فالأمور تطورت وبات موضوع هذا الوجود قابلاً للبحث، خلافاً للسابق. التغيير حصل في اللهجة، ليس فقط عند الفريق الذي اجتمع في بكركي بل عند كل الاطراف". وفي شأن مفاعيل اجتماع لقيادات مسيحية وعلاقته بالاستقطاب الطائفي، دعا القيادي المسيحي إلى "الأخذ في الاعتبار دور المستقلين في صدور الوثيقة، في شكل أدى الى غلبة الاعتدال واللغة المنفتحة على العروبة والعلاقة الاستراتيجية بين لبنان وسورية". وزاد: "من عادة الاجتماعات او اللقاءات الجبهوية التي كانت تنعقد ان تؤدي الى تحلّق المستقلين حول الأحزاب، سواء خلال الحرب او بعدها، بينما ما حصل في اعلان بكركي ان الأحزاب جاءت من لغتها الخاصة بها، المتشددة، الى لغة المستقلين، وهذا عنصر مهم ويجب عدم الاستهانة بالدور الذي أداه هؤلاء في صوغ موقف يستند الى اتفاق الطائف. ويمكن القول إن نقطتين وحيدتين خضعتا للنقاش: الأولى هي موقف "التيار الوطني الحر" بقيادة العماد ميشال عون و"الكتلة الوطنية"، الذي يعتبر ان اتفاق الطائف لا يضمن حصول الانسحاب السوري، والثانية اقتراح بعضهم ان ترعى الدولة الحوار الذي نسعى اليه، بينما كانت وجهة نظر الغالبية ان دعوتنا الى الحوار يجب عدم حصر المبادرة فيها بالدولة، فماذا لو لم تبادر؟ واذا بادرت يكون ذلك خيراً. اما النقاط الأخرى فسلّم بها الجميع من دون نقاش، بمبادرة من المستقلين الذين لعدد منهم تاريخ انفتاح على التيارات الاخرى في البلاد". واعتبر القيادي المسيحي ان "الوثيقة، بهذا المعنى، تشكل ترجمة سياسية ربما كانت الأكثر وضوحاً للارشاد الرسولي الذي أصدره البابا يوحنا بولس الثاني عام 1997، بالنسبة الى تأكيده النهج المشترك المطلوب من المسيحيين في العلاقة مع المسلمين، وإلى انفتاح المسيحيين واللبنانيين على محيطهم العربي". وختم القيادي قائلاً: "في المقابل لم يكن ممكناً التوصل الى هذه الوثيقة لولا اقتناع الأحزاب المشاركة بوجوب التوصل الى اطار توحيدي في الموقف من القضايا المطروحة وباللغة السياسية التي اعتمدت. وبهذا المعنى لم يعد من مسوّغ لاعتماد سياسة تستهدف بعض الأحزاب المشاركة في لقاء بكركي، لضربها، بحجة وجود معتدلين ومتطرفين. فالجميع توافق على موقف واحد".