كل دمشقي يعرف الرد اذا سمع احداً يهتف: "انا شارون حبّوني...". وقد تذكرت الرد السوري التقليدي هذا بعد ان ثار اليهود، وخصوصاً في اسرائىل، وهم يكتشفون ان الناس في الشرق والغرب لا يحبونهم. على مستوى القمة، قال الرئيس بشار الأسد رأيه فيهم وهو يستقبل البابا يوحنا بولس الثاني، وعندما اعترفوا، كرره في اسبانيا. وعلى مستوى الشعب فالمغني المصري المكوجي شعبان عبدالرحيم قال بوضوح: "انا باكره اسرائيل..." فرددها وراءه 65 مليون مصري، وربما 300 مليون عربي. والبقية: "انا أحب عمرو موسى..." الا ان الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية ليس موضوع هذه السطور. بين هذا وذاك قالت السيدة سهى عرفات في مقابلة صحافية انها تكره اسرائيل وترفض التطبيع مع الإسرائيليين. وهي سبق ان اتهمت اسرائيل، بحضور هيلاري كلينتون سنة 1999، بأنها تسمم الماء والهواء في الأراضي الفلسطينية، ما تسبب في ألوف الاصابات بالسرطان. وهذا سبب مهم لكره إسرائيل تشاركها فيه نساء العرب كلهن. وفيما كانت الضجة قائمة في الشرق الأوسط بعد زيارة البابا، تذكرت "لوس انجليس تايمز" ان جريدة "نيويورك تايمز" نشرت في 22 من الشهر الماضي تحقيقاً عن لاعبي فريق كرة السلة "نيويورك نيكس"، جاء فيه ان اللاعبين تشارلي وارد وآلان هيوستون، وهما مسيحيان متدينان، دانا اليهود بقتل المسيح. وقال وارد ان اليهود اضطهدوا المسيح و"دمه على ايديهم". وقال هيوستون ان اليهود "بصقوا في وجه المسيح وضربوه بقبضات أيديهم". وطبعاً، فاللاعبان لم يخترعا شيئاً، فالأول توكأ على العهد الجديد كله، والثاني كان يقرأ من سفر القديس متى. وهكذا فالموقف من اليهود يشترك فيه رؤساء الدول وعامة الشعب والنساء والرياضيون. اليهود قتلوا المسيح قبل الفي سنة، والمطروح اليوم ليس انهم قتلوه أو لم يقتلوه، فالتهمة ثابتة، وانما ان اليهود اليوم لا يمكن ان يحملوا تبعات جريمة ارتكبت قبل الفي سنة، فالجريمة مسؤولية الذين ارتكبوها، لا اليهود جيلاً بعد جيل. والمجمع المسكوني قرر هذا كما هو معروف، وتوقف لعن اليهود في الكنائس الكاثوليكية، وان استمر في كنائس الروم الارثوذكس. ثمة محاولات اليوم لاعادة النظر في الجريمة التي ارتكبت قبل الفي سنة، والفكرة هي ان المسؤول هم طبقة رجال الدين اليهود الذين ضغطوا على الحاكم الروماني بيلاطس البنطي لصلب المسيح، واضطر مرغماً لتنفيذ طلبهم وقال عبارة مشهورة وهو يصدر الحكم: "انني أغسل يدي من دماء هذا الصديق". هذا تاريخ، والمشكلة الحالية في مراجعته ان بعض اليهود يستثير الناس، وكأنه يطلب منهم ان يكرهوه. والبابا يوحنا بولس سار في خطى القديس بولس من اليونان الى سورية ومالطا، وقال كلاماً دقيقاً جداً هو "حان الوقت للعودة الى مبادئ القانون الدولي، ومنع الاستيلاء على الأرض بالقوة، وحق الشعوب في تقرير المصير، واحترام الأممالمتحدة وميثاق جنيف". العبارات السابقة واضحة لا تحتاج الى زيادة حرف أو انقاص حرف، ومع ذلك فقد تعرض البابا لحملة بحجة انه لم يرد على الرئيس الأسد الذي قال: إن "اليهود خانوا المسيح وغدروا بالنبي محمد". وهكذا، فالبابا ارتكب "جريمة الصمت"، وهي تهمة وجهت اصلاً الى الكنيسة والبابا بيوس الثاني عشر، بحجة عدم التدخل لوقف المذابح النازية لليهود. الكنيسة ما كانت تستطيع ان توقف المجازر لو حاولت، وهذه لم تعرف الا في السنتين الأخيرتين من الحرب، عندما اشتد البطش باليهود. وأهم من هذا ان الغيمة الحالية موضوعها البابا يوحنا بولس الثاني، وهذا فعل الكثير للتقارب بين الأديان، فخطب في أكثر من 80 الف مسلم في المغرب سنة 1985، وزار كنيساً لليهود في روما سنة 1986، وهي السنة نفسها التي اجتمع ممثلو الديانات التوحيدية الثلاث في أسيسي بايطاليا، وبحثوا في التقارب الديني. وقد اشار البابا دائماً الى اليهود بعبارة "أخواننا الكبار". مع ذلك فالحاخام ماتيو بيركوفيتز كتب الى "نيويورك تايمز" يقول إنه "ارتعب" من صمت الكنيسة الكاثوليكية المستمر في وجه اللاسامية. لا صمت من الكنيسة، ولا "لا سامية" من الدكتور بشار الأسد. وكل من يعرف الكرسي البابوي يعرف ان القرارات تتخذ بعد ان تقتل بحثاً على مدى سنوات، وربما عقود وقرون كما في الاعتذار لغاليليو. اما الرئيس السوري فقد نبه الحاضرين الى ان العرب ساميون، ولا يمكن ان يتهموا بالتالي باللاسامية، مع العلم ان اليهود يقصدون بالعبارة العداء لليهود وحدهم، فكأنهم قرروا انه لا يوجد ساميون غيرهم. هناك عقلاء معتدلون بين اليهود دافعوا عن البابا، وحاولوا ان يوازنوا بين الأمور، ولكن هناك متطرفين يدافعون عن جرائم الحكومة الاسرائيلية، ثم ينقلون ما فيهم الى غيرهم، ويستغربون بعد ذلك ان يقول الرئيس السوري ان اعمال حكومة آرييل شارون لا تختلف عن جرائم النازية أو هي أسوأ منها.