ليس الكثير معروفاً عن بريسكوت بوش، جدّ الرئيس الحالي جورج دبليو، ووالد أبيه الرئيس السابق جورج. لكن القليل المعروف يوحي ان تاريخ العائلة فصل بليغ في تفاوت النمو. فهو قصة تجمع تدهور القدرات العقلية داخل بيت واحد الى النجاح والتوفيق جيلاً بعد جيل. فبريسكوت كان مصرفياً أتاحت له امواله المشاركة في "هاريمان اند كومباني"، من شركات وول ستريت التي امتلكها في الأصل الأخوان براون. لكنه ايضاً كان السناتور الجمهوري عن كونيتيكوت ما بين 1952 و1963. وكونيتيكوت، في الشمال الشرقي، احدى اصغر ولايات اميركا لكنها موصوفة بأنها من أشدها تعدداً في سكانها وثقافتها واقتصادها وعمارتها، بل في توبوغرافيتها ايضاً. ويبدو ان التصدّع الذي انتاب تجانُسها السكاني قديم نسبياً، يرقى الى اواسط القرن التاسع عشر: فالتصنيع المتزايد يومذاك انتج طلباً على العمالة الأجنبية. وكونها قريبة من نيويورك وميناء بحرياً من ابرز موانىء الشرق، انفتحت أبواب كونيتيكوت واسعة للايرلنديين الفارّين من مجاعتهم. وما لبثت أن كرّت اليها قوافل المهاجرين من شعوب الأرض. ولئن نجح الديموقراطيون في تمثيل تجمعاتها المدينية الكبرى، بقيت للجمهوريين المناطق الريفية والبلدات الصغرى والمتوسطة. لكن الأخيرين خلال 1952 -1963، حين كان بريسكوت من سياسييهم، عُرفوا بالاعتدال وبعض الاصلاحات مما انجزته حقبة الرئيس دوايت ايزنهاور. واذا ظهر في بدايات تلك الحقبة جوزيف مكارثي، فهذا المفتش المهووس لم يتردد في وصم ادارة جنراله ورئيسه الجمهوري ب"الخيانة" و"الاستسلام للشيوعية". وفي الاحوال كافة ففي 1954 فُكّكت آلة المكارثية وصارت محاكمها صفحة من صفحات ماضٍ اسود. الا ان بريسكوت بوش بقي سياسياً متواضعاً يندر ذكره حتى في الهوامش. اما النجل المولود في ميلتون، من اعمال ماساشوستس، والذي ترعرع في كونيتيكوت مع اخت وثلاثة اخوة، فكان حظه اكبر بالتأكيد. فبعد دراسته في مدارس النخبة ومعاهدها، نشبت الحرب العالمية الثانية فتطوّع في البحرية واصيب مرةً لكن مدمرة حربية أفلحت في انقاذه. فلو قضى جورج بوش آنذاك لما قيّض للسلالة البوشية ان تنشأ أصلاً. لكن اقترانه، في 1945، ببارباره بيرس وهي من راي، من أعمال نيويورك، مهّد لارتكاب الحدث الذي نراه الآن ماثلاً امام اعيننا. فمن هذه الفتاة أنجبا ستة ابناء، أكبرهم جورج دبليو وأصغرهم، روبن، قضى بسرطان الدم. وربما كان صدور بارباره عن عائلة تزاول نشر المجلات ما دفع جورج الى اكمال دراسته، فنال في 1948 شهادة بي. آي في الاقتصاد من جامعة ييل العريقة. وظل، في الوقت نفسه، رئيس فريق البايسبول في الجامعة تساعده في ذلك قيافة ملحوظة. لكنه ظل أيضاً عضواً في جماعة في ييل اسمها "الجمجمة والعظام"، شبابية واجتماعية ولو انتابها شيء من غموض جعلته التسمية مقلقاً. بيد ان جورج، على عكس نجله الذي حمل اسمه، شاء ان يفصل نفسه عن ابيه بريسكوت. فهو لم يعمل في مؤسسته المصرفية مؤثراً الانتقال الى تكساس مع زوجته وبكره المولود للتوّ. وبشهادته في الاقتصاد والمساعدات التي ظل يتلقاها من والده، دخل مساهماً في "دريسّر إندستريز" للخدمات النفطية. وتابع طريقه في بيع تجهيزات النفط فشارك، في 1953، في تأسيس "زاباتا بتروليوم كوربوريشن" ليصير، في العام التالي، رئيس الشركة المتفرّعة عنها: "زاباتا أوف شور كومباني". وفي 1958 حين استقلت الاخيرة كلياً عن أمّها، نقل بوش مقرّها الأساسي الى هيوستون، كبرى مدن تكساس، حيث استمر حتى 1964 يعمل رئيساً لزاباتا. واسم زاباتا الذي يتكرر في هذه الشركات لا يدل على ان جورج بوش واصدقاءه مولعون بالثائر المكسيكي الشهير. انه يدل، في المقابل، على ان هؤلاء الرجال الذين يتاجرون مع المكسيك، مستعدون حتى لاستخدام اسم زاباتا. فهم، أولاً وآخراً، براغماتيون بحسب اللغة المهذّبة، وانتهازيون بحسب التعبير النقدي. والمهم عندهم، قبل كل شيء، هو النفط وتجارته. لهذا فكّر جورج بوش الشاب ان يبني مستقبله في تكساس تحديداً. فالاخيرة تحمل كل معاني النجاح الصارخ والمتسارع من غير ان يسبقه او يرافقه تنوير او نهضة بالمعنى الاوروبي للكلمة. وفي تضاعيف قصة تكساس دلالات عدة لن نلبث ان نلقاها في سيرة جورج بوش ومن بعده نجله جورج دبليو. فاذا استثنينا آلاسكا القطبية كانت تكساس، التي تبلغ 692 الف كلم2، اكبر ولايات اميركا مساحة. واذا استثنينا كاليفورنيا كانت، هي البالغة اليوم 20 مليوناً، ثانيتها سكاناً. وقصة الولاية تلك يرويها، بقدر من الاسهاب، موريس إزران في كتابه "تاريخ تكساس"، حيث يُرينا التكساسية هويةً تكاد تكون ناجزة وتامة. فكيف وانها لم تنضم الى الاتحاد الاميركي قبل 1845. اما صفاتها والصفات التي أُلصقت بها فخاصة جداً: فهي بلد رعاة البقر الكاوبوي، مثلما هي ولاية النفط بشركاته ومكاتبه التمثيلية في هيوستن، وبحياة رجالاته وعائلاته الثرية في المدينة التكساسية الثانية: دالاس. واذا كانت السينما جعلت للكاوبوي شهرة عالمية، ففي وقت لاحق تولى التلفزيون، من خلال برنامج "دالاس"، تعميم شهرة مماثلة لتلك العائلات وانماط حياتها. فعل الجهد والطبيعة أزيز رصاص الكاوبوي ممزوجاً برائحة النفط. هذا، إذاً، ما ينبغي ان يبقى حاضراً في الاذهان لدى التفكير بالولاية التي تربى فيها جورج دبليو الصغير. اما النجاح الذي قاد أباه اليها، فانطوى على كثير من الرائحة بينما ظل الأزيز في خلفية المشهد. فالولاية هي ما تضافر الجهد والارادة والطبيعة على تحويلها ملحمة باهرة. وفي موازاة قفزاتها الاقتصادية ارتفع عدد سكانها من 600 الف عام 1865 الى 3 ملايين عام 1900، ومن 6 ملايين مع الحرب العالمية الاولى الى 11 مليوناً مع الثانية. ولا شك ان جورج بوش، من غير ان يكون قارئاً بالضرورة، سمع ببعض تاريخ تلك المسيرة التي انطلقت بهمّة رأسمالية مقدامة، ولكن أيضاً بذهنية زراعية ضيقة الأفق. فمبكراً بنى التكساسيون السكة الحديد التي استعاضوا بها عن غياب الأنهار القابلة للملاحة، فأمّنوا المنافذ لمنتجاتهم الزراعية الخصبة. هكذا مُدّت خلال "العصر الذهب" ما بين 1875 و1905، والذي حوّل الولاياتالمتحدة جميعاً بلداً صناعياً متمدناً، شبكة فاق طول خطوطها ال 16 الف كيلومتر. ولما ارتبطت تكساس بولاية لويزيانا وبالمحيط الهادي الجنوبي، تحررت منتجاتها الزراعية من طابعها المحلي واتصلت بالاسواق القومية والدولية. وطبعاً اتحفتنا السينما بالأفلام الكثيرة عن الاعمال العديمة الاخلاق والضمير مما رافق الاستيلاء على الاراضي لمدّ الشبكة. لكن الشبكة حُفرت في وجه الأرض وتلك الأعمال بقيت للسينما. ورقص التقدم رقصته الثانية مع اطلاق ثورة زراعية دارت حول القطن. والقطن، كما يعلّمنا التاريخ المصري - البريطاني، كان اولى المواد القابلة للتصدير يومذاك. فبعدما كانت تكساس تنتج، عام 1900، 5،2 مليون بالة غدت، في 1926، تنتج 6،5 مليون بالة. وهذا ثلث انتاج الولاياتالمتحدة وخُمس انتاج العالم من القطن. ولما تعززت الثروة كان لا بد من حمايتها، فرقص التقدم رقصته الثالثة في وطن الكاوبوي. ذاك ان المرعى الكبير الذي هو تكساس ينبغي تعيين شساعته بحدود الملكية الصارمة. وجرياً على التجربة الانكليزية في تسوير الاراضي، سُوّرت مراعي تكساس بالالواح الخشب، ثم بالاسلاك الشائكة التي وفّرها تطور الصناعة المعدنية أواخر القرن التاسع عشر. وهجمت رساميل الشمال للاستثمار الزراعي، فتأسس تقليد لم يكن انتقال جورج بوش الى الجنوب غير امتداد له. وهنا أيضاً أتحفتنا السينما بما رافق التطور هذا من حروب لصوص الماشية وقاطعي الاسلاك. واستجرّت الانجازات الزراعية ولادة المضخّة العاملة بقوة الريح لاستخراج الماء من عمق الآبار، فتحوّلت تربية الماشية صناعة عالمية ورفيعة المردود لتكساس. وبفضلها صار الغرب والجنوب الشرقي مزرعة ضخمة، ما استدعى التدخل الحكومي لضبط الملكية سجلاتٍ ومساحةً ومنعاً للمضاربة كما لبيع الاراضي الشاغرة. ونشأ في الوعي التكساسي تحسس مميّز للملكية والارض حيث كل شبر كلفته دم. وجاء التتويج مع النفط الذي جعل الارض اغلى من الدم، فلم يكن جورج بوش غير واحد من الطامحين المتأخرين نسبياً بقطف ثماره. ذاك ان الشهوة ولدت مع اكتشافه بكميات تجارية، في 1896، حتى اذا اندلعت الحرب الثانية في 1939، غدا النفط اهم صناعات الولاية الغنية. ومن هناك انطلق بعض اكبر شركاته العالمية ك"موبيل" و"إكسون" ومن ثم فرعها البريطاني الكبير "إسّو". وحين يُذكر النفط تُذكر تقنيات الحفر التي تطورت ايضاً، وخدمة الاستخراج والنقل والتسويق وقطع الغيار المتصلة به، من دون السهو عن صناعة السيارات التي جعلت تكساس، في 1962، تعجّ ب5،5 مليون سيارة، ولم يكن فيها في 1945 غير 7،1 مليون سيارة. وقصارى القول ان الولاية التي استقر فيها جورج بوش وعائلته كانت تغدو اغنى ولايات الامة الاميركية مالاً وفرَصاً في آن. والرجل، وإن حافظ على بعض ما ورثه من خلفيته الشمالية، كان لا بدّ له ان يتأثّر بالمستجدات الجنوبية التي احاطت حياته وعمله. المسرح الحدودي المتوتر الا ان هذا لم يكن غير احد وجهي العملة. فالوجه الآخر طاول التناقضات والنزاعات التي شابت تاريخ الثراء والتصقت عميقاً بروحه. فتحول العدالة من شأن فردي الى شأن حكومي، لم يمرّ مرور الكرام في المنطقة التي كانت تضرب رقماً قياسياً في عمليات السحل والشنق، لا سيما للسود. فلم يعد من تحصيل الحاصل، بالتالي، تعميم المدرسة التي غدت الاداة الاولى للاندماج، او اقرار الزامية التعليم في 1915، او الاقرار بحق المرأة في التصويت عام 1919. هكذا كانت المعركة تلي المعركة مخلّفةً تقاليد نضالية مبعثرة في تلك الصحراء فنشأت، مثلاً، حركة نسوية تكساسية لم يطقها احفاد الكاوبوي وابناء رجالات النفط الذكوريين. واذا صحّ ان الوعي الاميركي ينطوي على لحظة حدودية، فما من ولاية تجسّد هذا البُعد كتكساس. فهي، أصلاً، ذات اسم اسباني هندي وصل بالتحوير الى الانكليزية. والى وقوعها في اقصى الجنوب من جنوب الاتحاد الاميركي، عاشت فيها اثنيتان وديانتان وثقافتان: الاميركيون اللاتينيون الذين قدموا من الجنوب، لا سيما المكسيك، وحملوا معهم اللغة الاسبانية والديانة الكاثوليكية. والانغلو ساكسون الذين هبطوا من الشمال بلغتهم الانكليزية وديانتهم البروتستانتية. وهؤلاء، معطوفين على السود الاميركان وهم اكثر من 12 في المئة من السكان، وعلى عشرات آلاف القبائل الهندية الأميركية، اقاموا بينهم تعددية بادية التوتر والجنوح الى العنف. فكيف حين نعاود التذكير بما شاب التاريخ التكساسي من نشاطات الخارجين على القانون في زمن الكاوبوي، وفرق السحل البيضاء للسود، وعصابات التهريب ابان منع الكحول؟ اما في الاطوار السياسية والدستورية فعرفت الولاية تقلباً يندر مثيله في تاريخ البلدان والمناطق. فقد خفق فيها اولاً العلم الاسباني ليتلوه لبضعة اعوام على سواحل خليج المكسيك، علم ملك فرنسا. بعد ذاك، ومع استقلال المكسيك عن اسبانيا، ضُمّت اليها تكساس لتنشأ، من ثم، جمهوريتها المنفصلة التي اندمجت، في 1845، في السيادة الاميركية. الا ان الولاية عادت وتمردت، ابان حرب الجنوب في 1861-1865، على السلطة الفيدرالية التي سبق ان انضمت اليها بطوع ارادتها. وبعدما رفعت علم كونفيدرالية الجنوب، عادت مجدداً الى العهدة الفيدرالية لتغدو واحدة من نجوم العلم الاميركي الخمسين. وحرب الجنوب، او الحرب الاهلية الاميركية، لا يمكنها ان تكون تفصيلاً عارضاً في حياة أسرة كأسرة جورج بوش، تعيش وتعمل في تكساس، وتُعنى بالشأن العام. فهذا الموضوع لم يفتر ابداً كواحد من السجالات الفكرية للولايات المتحدة، لا سيما الجنوب والغرب. اما تكساس تحديداً، فيكفي التذكير بأنها كثيراً ما استثمرت في الحرب، فدفعت حصة غالية من تكلفتها: فقد جندت ستين الف رجل من سكانها الراشدين البالغ تعدادهم يومئذ 420 الف نسمة، وخسرت اكثر من نصفهم في القتال. الانفصالية الجنوبية ولاحقاً ذهب كثيرون من المحللين التاريخيين مذهب البحث عن مصادر التلاقي بين المنزع الجنوبي المعترض على الوحدة الفيدرالية ومنظومة افكار الليبرالية الجديدة في احتجاجها على الدور المركزي للدولة. وما فعله هؤلاء كان النسج على منوال بعض محللي التاريخ الفرنسي ممن رأوا في الردّات اليمينية والرجعية، الكاثوليكية والاقطاعية واللاسامية، التي عرفتها فرنسا الحديثة، تعبيرات متتالية عن رفض الثورة الكبرى في 1789، أو عن قصور تلك الأخيرة في هضم هذه الميول واستيعابها. فلماذا لا تكون الجنوبية الضامرة من موقظات الفكر الرجعي في اميركا؟ ويمضي التحليل هكذا: ما دام ان الغاء العبودية غدا، منذ 1865، أمراً واقعاً، فيما أصبح النفور منها جزءاً من اجماع وطني معلن، تحوّل ورثة كونفيدرالية الجنوب الى رواية تاريخية زائفة. وكان مفاد الرواية هذه أن الولايات العاصية لم تنفصل وتحارب خلال 1861-1865 دفاعاً عن العبودية، بل دفاعاً عن استقلالها بالذات. فهذا السبب "المقدس" و"العلوي" و"ذو الطابع الدائم"، وليس أي غرض "أرضي عارض وزائل"، هو ما يفسر الحرب الاهلية التي كلّفت 620 الف قتيل. فالأمر، بالتالي، لا يعدو كونه نزاعاً بين مبدأ الحرية ومبدأ الصهر المركزي، بين الحقوق الدستورية للجنوب والعدوانية الدمجية للشمال. والرواية الزائفة تحولت لدى قطاعات شعبوية واسعة في تكساس وجوارها خرافة متفقاً عليها: ليس فقط بمعنى تضادّها مع الحقيقة، بل أيضاً بالمعنى الانثروبولوجي للخرافة كذاكرة جمعية لشعب عن ماضيه، ذاكرةٍ تنطوي على نظام معتقدي صارم يفسّر لها العالم المحيط ومجرياته. فاذا صح ان الجنوبيين خسروا الحرب والعبيد امام ابراهام لينكولن و"اليانكي" الا انهم، بحسب أدبياتهم اللاحقة، لم يخسروا "الكرامة". وكيف لا تكون الكرامة صنو الدفاع عن الحرية، بغض النظر عن الحسابات الوضيعة للربح والخسارة؟ والحال ان هذه الحجج أحيتها مدرسة للمؤرخين الجنوبيين "المراجعين"، أهمهم أفيري كرايفن، انتعشت بين الثلاثينات، زمن الصعود الفاشي في أوروبا، والخمسينات، عقد الحرب الباردة وانتقال جورج بوش الى الجنوب. لكن مع اقرار معظم المؤرخين الجديين، منذ الخمسينات على الأقل، بدور العبودية في الحرب، لا يزال النفي شعبياً هناك، خصوصاً خارج الجامعات. ففي هذه البيئات التي لم تنأ بنفسها عن احتضان "كوكلاكس كلان"، ظلت الكونفيدرالية موضع احتفال وتكريم، حيث يُرفع علمها في مناسباتها، كما تُشهر رموزها وتقام المهرجانات تكريماً لكبار قتلاها في النزاع الاهلي. وما لبثت هذه "الحرية" أن تكيّفت، في طور تالٍ، مع نظريات الاقتصادي الهارب من النمسا الفاشية فريدريك هايك وزميله الاميركي ميلتون فريدمان. وبعد ان كانت افكار الجنوبيين تجد ابواب الجامعات موصدة في وجهها، صارت الفكرة الصادرة عن الجامعات والمعروفة ب"النقدية"، تجد مرتكزاً لها بين أولئك الجنوبيين. وقد اعتنق جورج بوش الأب، بوصفه نائباً للرئيس رونالد ريغان، نظريات هايك وفريدمان التي تطلب الحرية من دولة ثار في وجهها الجنوبيون، وما زالوا يحنّون الى نيل الحرية منها. لكن الحجج اياها كسبت مواقع مؤثّرة في ادارة نجله جورج دبليو. ففي زيارة لها الى مقبرة "عِظام" الكونفيدرالية رأت غايل نورتون، قبل ان تصبح وزيرة الداخلية الحالية، "أننا"، بخسارة الحرب الأهلية، "خسرنا الكثير. لقد خسرنا فكرة أن الولايات يجب ان تقف في مواجهة الحكومة الفيدرالية التي تجثم على حيواتنا بكثير من السلطات التي احرزتها". وقال السناتور جون اشكروفت، الذي بات المدعي العام للادارة الحالية، لمجلة "ساوثرن بارتيزن" النصير الجنوبي المدافعة عن الكونفيدرالية وميراثها العنصري: "ان على دعاة التقليد ان يفعلوا اكثر" دفاعاً عن التراث الجنوبي. ثم كرر المعنى نفسه بعبارة اكثر حزماً وتعييناً: "عليّ أن أفعل أكثر". * كاتب ومعلّق لبناني. الحلقة التالية: "مسار الحزب الجمهوري منذ 1964" السبت المقبل. تنشر الحلقات الخميس والسبت والثلثاء.