الذروة التي بلغها التصعيد السياسي خلال الأسابيع الماضية على خلفية المواقف المطالبة بانسحاب الجيش السوري، والتي قابلتها مواقف مطالبة ببقائه، تأمل الأوساط السياسية ان تبدأ بالتراجع، على وقع اللقاءات والحوارات التي اخذت تنعقد بدءاً من أمس. ويراهن اركان الحكم والأوساط السياسية على أن تكسر هذه اللقاءات حدة المواقف السياسية والتشنجات الطائفية. بيروت - "الحياة" - شهد قصر بعبدا أول لقاء من نوعه منذ تشرين الأول اكتوبر الماضي بين رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي اكتفى لدى مغادرته القصر بعد نحو ساعة وربع الساعة بوصف أجواء اللقاء بأنها "جيدة وممتازة". وكان جنبلاط قدم الى لحود في مستهل اللقاء كتابين عن كمال جنبلاط للمؤلف الروسي ايغور تيموفييف وللكاتب اللبناني مسعود يونس. وتناول البحث، بحسب معلومات القصر الجمهوري، "الأوضاع الراهنة في البلاد في ضوء التطورات السياسية وضرورة تعزيز الحوار الذي يقوده رئيس الجمهورية بين الأطراف اللبنانيين، انطلاقاً من الثوابت التي أرست قواعد المصالحة الوطنية". وفي بكركي، اجتمع البطريرك الماروني نصرالله صفير مع وزير الصحة سليمان فرنجية الذي أوضح ان اللقاء "طرح الهواجس". ورأى "ان العقلانية في هذه الظروف يجب ان تكون المحور لأن أي تطرف مسيحي أو مسلم ليس لمصلحة بلدنا ولا احد يدفع الثمن الا التيار المعتدل الذي بني على اساسه لبنان، والذي نتمنى ان يكون هو الأساس". وقال ان صفير "لا ينطلق من منطلق طائفي أو فئوي بل من منطلق وطني. واذا كان لدى البعض مشروع خاص ويحب ان يستعمل بكركي غطاء له، فقد سمعت من سيدنا البطريرك انه لا يشكل غطاء لأي فئة لديها مشروعها الخاص المتطرف، لأن بكركي للجميع وهي كما نراها نحن، مرجعية لكل لبناني وطني ومؤمن بالعيش المشترك. أما رأيه السياسي في المواضيع التي تثار فيمكن الا نلتقي معه. لكنه في النتيجة رأي سياسي". وسئل عن التظاهرة أول من أمس، فقال إنها "نالت ترخيصاً. وأنا كنت مع التدخل السياسي في هذا الموضوع لعدم حصول أي استفزاز في هذه المرحلة. هناك وضوح في التدخل الخارجي الذي يحصل في البلد والمنطقة ككل ما ينعكس على ساحتنا". وأكد طيه "صفحة الماضي في ما يتعلق بالموضوع الشخصي"، متسائلاً: "هل مشروع "القوات اللبنانية" المحظورة صحيح؟ انهم مشوا في الطائف للخروج من الحرب، لكن مشروعهم هو الفديرالية، هناك احزاب لا تعترف بلبنان وتعمل تحت سقف الدولة، والدولة مسؤولة عن الديموقراطية والحرية الى أقصى درجة، أما الفلتان فلا احد يرغب فيه". وأشار الى ان الوزير السابق فؤاد بطرس "موضع ثقة عند البطريرك صفير، ولأنه كذلك تعاطى السوريون معه". وقال: "ان مفهومي للسيادة والاستقلال انهما لا يحصلان الا عندما لا يعود لبنان ساحة صراع لمنطقة الشرق الأوسط وعندما لا يتدخل احد فيه. ولكن ان يكون من منطلق ذهاب فريق ليأتي مكانه آخر فهذا لا نقبل به". ونفى ان يكون نقل أي وجهة نظر سورية الى صفير. وقال: "هناك قواسم مشتركة كثيرة بين بكركي وسورية. والأمور المعرقلة نضعها الآن جانباً، ونبحث في التي ثمة امكان لحلها". واعتبر ان "الانسحابات السورية التي بدأت قبل سنة، قد تكون جمدت الآن لأن سورية لن تخرج ولن تعيد الانتشار بالتحدي. فكل شيء يتم بالتفاهم والثقة المتبادلة، وان كلام البطريرك ليس فيه تحد، لكن جو الشارع الماروني والمسيحي وتصرفه هو جو تحدٍ، ولا يستطيع احد الفصل بين الشارع وبكركي. ونقول من واجبات بكركي ان تسعى الى الهدوء وهي تعمل لذلك". وعن زيارة الرئيس لحود لبكركي بعد غد الأحد، قال: "للرئيس لحود رأيه ولا يصح الكلام على مبادرات في هذا الوقت لأن المطلوب الثقة وعدم التشكيك وأن مستوى العلاقة مع سورية ليس في حاجة الى مبادرات والأمر ليس بيعاً وشراء". وسئل: هل يذهب صفير الى سورية؟ قال: "لم يقل نعم أو لا. وكان مستمعاً. وأنا أرى أن زيارة سورية لمصلحة لبنان والمسيحيين والمنطقة ككل، والمسيحيين في سورية أيضاً". وكان صفير التقى الوزير طلال ارسلان الذي أمل "ان تسود لغة الاعتدال بين جميع الطوائف والمذاهب". وفي ردود الفعل، أكدت "ندوة العمل الوطني" في بيان اصدرته عقب اجتماعها برئاسة الرئيس سليم الحص ان "وفاق الطائف يحتاج الى ولادة جديدة بمبادرة من الدولة". وأملت ان تكون زيارة الرئيس اميل لحود لبكركي الأحد المقبل "إيذاناً بتحرك واسع توصلاً الى صيغة حل شامل ومتوازن ومسؤول يصون العلاقة المميزة بين لبنان وسورية واعادة الطمأنينة الى نفوس المواطنين ويوطد الوحدة". وإذ أيدت منع التظاهر المترافق مع دعوات باستخدام العنف، اسفت لغياب الدولة عن ساحة العمل السياسي، وسط تجاذبات وسجالات وصراعات تنذر بأوخم العواقب وتهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي. واعتبر النائب نسيب لحود "ان ما حصل في الشارع في اليومين الأخيرين من مظاهر متناقضة تفاوتت بين قمع وحشي لاعتصام شبابي سلمي دفاعاً عن الحريات كما حدث في حديقة الصنائع من ناحية، وتساهل الى حد التسهيل مع تجمع آخر بالعصي والفؤوس والسكاكين يدعو الى العنف من ناحية ثانية، يكشف في وضوح انحياز السلطة وأجهزتها وزيف ادعائها المحافظة على الأمن وتذرعها الحرص على الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد". وتمنى النائب ألبير مخيبر "لو كان في الامكان ان يضع البابا يوحنا بولس الثاني شرط خروج الجيش السوري من لبنان لتكون زيارته دمشق زيارة محبة وسلام. واعتبر "ان سورية تريد انتصاراً على لبنان في مقابل انتصار اسرائيل على الفلسطينيين". ورأى ان محاصرة البطريرك في بكركي للذهاب الى دمشق "يشكل باطنية خطيرة"، داعياً رئيس الجمهورية الى "وقف السياسة المتبعة حتى الآن والتي ستؤدي حتماً الى التذابح". واعتبر حزب الكتلة الوطنية اللبنانية "ان المجتمع اللبناني يواجه التجاذبات المختلفة وتحاول الاجهزة السورية ان تزوّر ارادة بعض اللبنانيين عارضة الصورة وكأنها صراع بين المسيحيين والمسلمين". وانتقد "حزب الوطنيين الأحرار" ظهور المتظاهرين "بمظهر الانسان البدائي، على رغم قرار وزارة الداخلية منع الاعتصامات والتجمعات وتحذير قيادة الجيش وانتشار الوحدات العسكرية الكثيف". وقال: "نعرف تماماً معدي هذه التحركات ومخرجيها، ولاحظ "ان هذه التظاهرة أساءت الى القائمين بها بمقدار اساءتها الى صورة لبنان الحضارية". واستنكر الحزب "هدية عاليه الملغومة" التي استهدفت مواطنين آمنين. ووصف "التيار الوطني الحر" العوني التجمع الذي أقامه "الأحباش" بأنه "مشاهد تعود الى ما قبل التاريخ وأثارت ما يكفي من ردود فعل واشمئزاز". وقال: "ان السلطة متواطئة في تركيب المشهد السوريالي الاجرامي وحمايته". واعتبر "ان رسالة الموت ذبحاً تلقاها المستثمرون العرب قبل الاجانب ولن يتأخروا في الجواب عنها". وعلق قسم الشياح في حزب الكتائب على الاجواء المشحونة التي ظهرت في ساحل المتن الجنوبي، ان "عراضات التحدي على الدراجات النارية أو في توزيع مناشير التهديد والوعيد في الحدث والشياح وعين الرمانة حيث حصلت اشتباكات متكررة. فأكد "حرصه على الوحدة الوطنية والعيش المشترك وتغليب لغة الحوار". واستغرب المستشار السياسي السابق لقائد "القوات اللبنانية" الدكتور توفيق الهندي صدور "مناشير وبيانات توزع بتوقيع "القوات" او جمعيات ك"جمعية قدامى القوات" او سواهما. ورأى "ان ثمة استهدافاً واضحاً للوضع اللبناني برمته عبر محاولة العودة الى اجواء الحرب الأهلية وتصوير المطالبات الوطنية اللبنانية الجامعة بالفئوية والطائفية، وان ثمة انقساماً في لبنان لجهة ان المطالبة بالسيادة هي مسيحية، والمطالبة بإبقاء حال البلد على ما هي مطلب اسلامي". وقال: "ان تيار القوات، لن يستدرج الى "الهمروجات" الطائفية، ويؤكد تمسكه بتنفيذ كل بنود اتفاق الطائف خصوصاً الاصلاحات السياسية".