القضية التي أثارتها "القرصنة" الاسرائيلية لبعض الأعمال الأدبية العربية عبر نقلها الى العبرية من دون علم أصحابها أو موافقتهم، أعادت فتح السجال حول "خلفيات" هذه الترجمة وآليتها! فماذا يعني أن يُقدم بعض الناشرين والمترجمين الاسرائيليين على ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية اليوم، في غمرة احتدام الصراع الاسرائيلي - العربي؟ بل ماذا يعني أن يزجّ هؤلاء الناشرون والمترجمون الأدباء العرب في "فخ" الترجمة متناسين أن فعل الترجمة هو فعل حوار وليس مجرد نقل من لغة الى أخرى؟ وإن عمدت دار الأندلس الاسرائيلية، على خلاف الدُور الاسرائيلية "المقرصِنة"، الى الاتصال بالأدباء العرب للحصول على موافقتهم فإن طريقة الاتصال نفسها لا تنمّ عن حقيقة العلاقة المفترضة بين الأدباء والناشرين. فالعلاقة هذه التي ينبغي لها أن تكون علاقة حوار وتبادل، لم تقم إلا من خلال وسيط أي من خلال "حجابٍ" ما كثيراً ما أسدل بين الطرفين. حتى إن بعض الأدباء العرب وافقوا "شفوياً" ولم يوقّعوا أي عقد، فيما وقّع البعض الآخر عقداً وحصل على بعض المال بالدولار الأميركي. لا يسع أحد أن "يخوّن" أحداً هنا. فالأديب العربي الذي يُترجم الى العبرية لن يكون خائناً في أي حالٍ. وترجمة الروايات والقصص والقصائد العربية الى العبرية لن تساعد أبداً على كشف أسرار العرب أفراداً ومجتمعات. فالعالم العربي مكشوف أصلاً أمام القمر الاصطناعي الاسرائيلي و"المعلومات" باتت متوافرة خارج الكتب. لكن "الإشكال" يكمن في طبيعة العلاقة بين الأدباء العرب والناشرين الاسرائييين وفي معنى الترجمة الى العبرية في مرحلة مصيرية وشبه حاسمة، وربما في "طريقة" هذه الترجمة ومنهجها. وإن عبّرت القرصنة عن خبث وسوء نية من الطرف الاسرائيلي فإن السعي المستميت الى توقيع العقود ليس بريئاً كل البراءة. فالترجمة حوار مع الآخر ومع نصه وأفكاره وليست مشروعاً لتقديم هذا الآخر كيفما تم تقديمه. ولعل تعريب بعض الأعمال الأدبية الاسرائيلية سابقاً ونشرها عربياً ساعدا المثقفين العرب على الاطلاع على الحركة الأدبية العبرية التي يسعى الاسرائيليون الى إحيائها. ولم يكن تعريب الأدب العبري جريمة ولا خيانة حتى وإن كان مقرصناً بدوره. لكن الأدباء الاسرائيليين لا يشعرون بأنهم محرجون إذا ما نقلت أعمالهم الى العربية، بل إن بعضهم يسعى الى هذه الغاية. فهم أهل الدولة التي احتلّت الأرض واغتصبت حقوق الآخر ويعنيهم كثيراً أن يظهروا وجوههم الأخرى وأن يطلّوا على العالم العربي من خلال الأدب والثقافة. صحيح ان الأدب العربي كان يترجم الى العبرية منذ عقود وعبر طريقة القرصنة. ولكن ما الذي دفع هؤلاء "المقرصنين" الى تذكّر أصحاب الحقوق اليوم؟ ما الذي جعلهم يتذكّرون "آثامهم" العبرية؟ ما الذي حملهم على طرق "أبواب" الأدباء العرب عبر الوسطاء، وبعض هؤلاء لا يُشك أبداً في وطنيتهم وعروبتهم؟ ثم ماذا يعني أن يترجم أديب عربي الى لغة شبه ميتة هي اللغة العبرية؟ تُرى ألم يندم بعض الأدباء الاسرائيليين "الغربيين" على هجرهم لغاتهم "الغربية" وعلى اعتناقهم اللغة العبرية؟ هذه الأسئلة وسواها أعادت طرحها قضية الترجمة الى العبرية. ولعل السجال الذي نفتح له صفحتنا هنا يساهم في اجلاء بعض ما اعترى هذه "القضية" من التباسٍ وإبهام.