التاسع من نيسان ابريل 1948 اقدمت عصابة "أرغون" الارهابية على قتل 254 فلسطينياً في دير ياسين، معظمهم نساء وأطفال... التاسع من نيسان ابريل 2001 تستعد عصابات شارون وموفاز لمذبحة مماثلة في فلسطين. قبل 52 عاماً كان الهدف تثبيت مشروع اقامة الدولة العبرية، واليوم لا يختلف الهدف كثيراً اذ انه يسعى الى اضفاء "شرعية" مفتقدة لهذه الدولة. وفي الحالين انه الارهاب نفسه، تطور من ارهاب عصابات ليصبح ارهاب دولة. لكنه نوع من الارهاب تستثنيه الدوائر الاميركية في تصنيفها للدول وتعتبره مشروعاً وتدافع عنه في المحافل الدولية، بل تجعل منه دعامة لسياستها واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط وتتحمل في سبيله ان تكون - وهي الدولة العظمى الوحيدة في هذا العصر - بلا أي صدقية. تسعى الولاياتالمتحدة في أنشطتها الدولية الى ان تكون لديها "سياسة كونية" أو "شمولية" تنطوي على الاقتصاد والثقافة، كما على السياسة والنزاعات والقوانين الدولية. ومن الواضح انها لا تزال تستثني اسرائيل من المبادئ الكونية التي تبشر بها، لأن عولمة اسرائيل تفترض خضوعها للقوانين الدولية ومثول مجرمي الحرب الذين يديرونها امام محكمة جنائية دولية. اسرائيل تعيش منذ عشرة أعوام في مأزق اسمه "عملية السلام". العرب دخلوا هذه "العملية" انطلاقاً من انهم هزموا في حروبهم وانتهى بهم الأمر الى غزو بعضهم بعضاً، وليس الغزو العراقي للكويت وحيداً كمثال، وان كان متفرداً بأسلوبه الرامي الى إلغاء شعب شقيق ودولة جارة. بل ان العرب دخلوا "عملية السلام" على قاعدة التخلي عن المطالبة ب"فلسطين التاريخية" والاكتفاء بحدود 1967، أي انهم منحوا اسرائيل "عربوناً" للسلام تعرف هي قبل سواها أهميته وقيمته، لكنها تصرفت كأنها لم تتلق ذلك العربون واعتبرته حقاً مكتسباً لا فضل فيه للعرب الذين قدموه أصلاً مرغمين، آملين في ان يؤدي الى تسوية معقولة لئلا نقول "مشرفة". وأدت سياسة الإدارة الاميركية السيئة والمنحازة للمفاوضات الى ترجيح مطالبة اسرائيل بأجزاء من الأرض داخل حدود ال67، وحتى الى ترجيح حججها الأمنية التي لا يمكن ان تترجم في الاتفاقات مع الفلسطينيين إلا بإدامة الاحتلال وانتزاع قبول ومشروعية له. مثل هذا المنطق نسف أسس "عملية السلام"، وأكمل الانحياز الاميركي بالاجهاز عليها اذ سلمها الى حاخامات الادارة الذين أمعنوا في تشويهها. لذا حصل خلل هائل ما لبثت الانتفاضة الفلسطينية ان سلطت عليه الضوء، ولم يعد ممكناً ان يعالج الا بوقفة تاريخية لا يبدو ان هناك شخصية اميركية أو اسرائيلية قادرة عليها، أو مؤهلة لأن تكون على مستواها. ويخبرنا شلومو بن عامي أكثر ما يخبرنا، في مذكراته المنشورة عن محادثات كامب ديفيد، كيف مورست الضغوط على الرئيس الفلسطيني، والى أي حد كان التواطؤ الاميركي - الاسرائيلي، والى أي مدى ذهب الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون في وقاحته لدى مخاطبة الفلسطينيين... كل ذلك يدخل في اطار ما اعتبره كلينتون "سخاء" و"مرونة" ابداهما رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك. وكل ذلك بهدف التوصل الى استنتاج واحد هو ان ياسر عرفات اخطأ في رفض ذلك "السخاء". لكن جميع هؤلاء اللاعبين الخبثاء لا يقولون ان باراك لم يقدم شيئاً وانما كان يناور، وبالتالي كان على الفلسطيني ان يأخذ الأفكار المنثورة على الطاولة كأنها مكاسب. جاء شارون الى الحكم على اساس ان هذه الافكار لم تعد مطروحة، أي ان "السخاء" غير وارد، مع انه رفض. فصاحب الحق عندما رفض كان يقول ان حقه لم يصله، وليس لمن سرق هذا الحق ان يحدد كم يستطيع ان يعيد من هذا الحق لتكون عدالة ويستقيم سلام. ومشكلة شارون، مثل مشكلة من سبقه في منصبه، انه يعتبر مفاوضات السلام وسيلة لجعل ما سرقته اسرائيل حقاً شرعياً لها. واذا تعذر عليها ذلك فليس لها سوى العودة الى سياسة المجازر.