المخطوطات الاسلامية سجل حافل بالانتاج الفكري والأدبي والعلمي للأمة الاسلامية، وفي مصر يوجد نحو 130 ألف مخطوط نادر. وتيسيراً للاطلاع على تلك الكنوز التراثية والثقافية النادرة، واستفادة من التطور التكنولوجي كإحدى الوسائل الفاعلة لحفظ ذلك التراث، شرع مركز المعلومات في دعم القرار المطروح في مجلس الوزراء المصري والمتعلّق بمشروع فهرسة المخطوطات وتصنيفها، بالتعاون مع الوزارات والهيئات المختلفة التي تقتني المخطوطات، في وزارتي الثقافة والأوقاف والأزهر الشريف ودار الكتب والوثائق القومية، والجامعات، وتوثيقها آلياً من خلال نظام يتوافق مع الأنظمة العالمية. يقول مدير ادارة الاعلام في مجلس الوزراء اللواء وفاء كامل أبادير: "العقد المقبل سيشهد طفرة هائلة في مجال صناعة المعلومات، وسيقاس نجاح عملية التقنية في كل المجالات بحجم البيانات المتواترة. وفي مجال الانتاج الفكري والثقافي كان لا بد من توفير قاعدة بيانات متكاملة عن المخطوطات الاسلامية بصفتها تراثاً قومياً وانسانياً للأمة العربية والاسلامية". وتحوي هذه القاعدة المصورة ما يزيد على 21 ألف صورة لصفحات من مخطوطات دار الكتب المصرية، ونحو 20 ألف صفحة من مخطوطات الأزهر الشريف ومخطوطات وزارة الأوقاف. وتوفر تلك القاعدة للمرة الأولى بيانات ببليوغرافية كاملة عن تلك المخطوطات وتمكّن من استرجاع بيانات المخطوطات. وتمت الاستعانة بعدد من الخبراء في مجال الحاسبات ونظم المعلومات والباحثين في علم المخطوطات لتصميم الاستمارة الخاصة بجمع البيانات والبحث في المصادر والمراجع لتحقيق العناوين وكذلك أسماء المؤلفين وإدخال البيانات على الحاسب، ثم مراجعتها وتدقيقها لإعداد قاعدة بيانات متكاملة للمخطوطات في مصر. ويضيف أبادير: "استعنّا بقواعد البيانات التي أنشئت وتحوي نحو 60 ألف مخطوط لإنتاج اسطوانة ضوئية عن إسهامات العلماء العرب في مجالات العلوم المختلفة: الفلك والطب والصيدلة والهندسة والكيمياء والرياضيات، مثل: مخطوط المناظر لابن الهيثم، وكتاب "العين" لحنين بن اسحاق ومخطوط "البيطرة في طب الخيول" لابن الأحنف، اضافة الى مخطوطات تخص الاسهامات العلمية للفارابي وجابر بن حيان وغيرهما. وستُعد تلك القاعدة مرجعاً أساسياً للمستشرقين والمهتمين بدرس تاريخ الحضارة الاسلامية وعطائها للبشرية". وتحوي قاعدة البيانات المصورة أيضاً مخطوطات ثمينة تتعلق بفروع الدين الاسلامي من الفقه والشريعة والتفسير، ومن أهمها "الرسالة" للإمام الشافعي وهو الكتاب الأول من نوعه في علم أصول الفقه، ومخطوط "كشف الأسرار عن حكم الطير والأزهار" للفقيه الديني الشهير العزّ بن عبد السلام، وهو عالم اسلامي ولد في دمشق ثم انتقل الى مصر في عهد الملك الصالح نجم الدين ايوب واستقر فيها. وكذلك صحيح مسلم "للإمام النيسابوري" و"معاني القرآن" للزجاج و"تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة، علاوة على عرض صفحات من المصاحف المذهبة الخاصة بعدد من السلاطين مثل مصحف السلطان بن حسن والسلطان برقوق والناصر بن قلاوون، وكلها تجمع بين جمال الخط وروعة الزخرفة. وأهم تلك المصاحف مصحف عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وهو المصحف الأول الذي تم جمعه في العالم وكتب من دون نقط بالخط الكوفي. وتوجد مخطوطات نادرة للغاية من التوراة والزبور الإلهي. ويؤكد أبادير على أهمية المخطوطات في إلقاء الضوء على الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر في مختلف المراحل باعتبارها مركزاً للعالم الاسلامي. ومنها مخطوط "الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة" لزين العابدين بن بكر، ويتعلق بشرح أحوال مصر في نهاية العصر المملوكي إبان حكم السلطان الغوري وقائده طومان باي وبداية حكم العثمانيين في مصر 1517 ه. وهناك "الخطط المقريزية" للمقريزي وفيه وصف لأهم المساجد والكنائس والمعابد في مصر خلال حقب تاريخية عدة، إضافة الى كتب تاريخية للعسقلاني وابن اياس ومجموعة من المخطوطات الخاصة بأحوال الأمة الاسلامية عموماً وتاريخ العرب في الأندلس. وفي مجال الانتاج الأدبي والفني مجموعة رائعة من المخطوطات تعكس إبداع الانسان المسلم في مجالات الشعر والفن والرسم والنحت والموسيقى والغناء. ومنها "ديوان الأديب في مختصر معنى اللبيب" لابن هشام الانصاري، ونسخة من "تلخيص البيان عن مجازات القرآن" للشريف الحرضي وشرح كتاب "المواقف" للجرجاني وكتاب "ألف ليلة وليلة" و"كلية ودمنة" وقصائد كعب بن زهير. وتوجد مخطوطات تتعلق بالانتاج الفكري في حقول الفلسفة والمنطق وعلم النفس، ومنها مخطوط "عنوان الحق وبرهان الصدق" حول المنطق وقضاياه للأبهري وهو من أكبر علماء الحكمة والفلسفة وكتاب "سر النحو" لأبي اسحق الزجاج. ولعل الخط العربي الذي كتبت به تلك المخطوطات لا يعد فقط وسيلة تواصل وتفاهم بل هو فن برزت فيه نخبة من الخطاطين المسلمين الذين أضفوا عليها طابع الإبداع والجمال بما يتصف به في صور حروفه وهندسة التراكيب من مرونة وتناسق في الفنون التي تفسح للأخيلة المبدعة والأذواق السليمة أرحب المجالات للإبداع. ولعل تنوع استعمال الخط كعنصر تشكيلي في المخطوط اختلف من اقليم الى آخر بحسب الشخصية الاسلامية. فاستعمال الكتابة في الطراز الاندلسي اختلف عن الطراز الشامي أو المصري أو المغولي، واستطاع الفنان المسلم أن يحمل الخط العربي شخصيته وشخصية إقليمه في الإطار الاسلامي الشامل.